31/10/2010 - 11:02

ألمانيا تستخدم القش وجوف الأرض لتنفيذ تجارب الطاقة البديلة

-

ألمانيا تستخدم القش وجوف الأرض لتنفيذ تجارب الطاقة البديلة
تتداول بعض وسائل الإعلام تقارير متنوّعة عن استغلال مصادر الطاقات المتجددة Renewable Energies في المستقبل المنظور، وتربطها بالأراء التي تتحدث عن احتمال نضوب مصادر الطاقة التقليدية. وتشمل المصادر المتجددة الشمس والرياح والطاقة المنبعثة من جوف الأرض «الجيو حرارية» Geothermal؛ إضافة الى «الطاقة الحيوية» التي تسمى أيضاً «الكتلة الحيوية» («بيوماس» Bio Mass).

وتأتي الطاقة الحيوية من الوقود المستخرج من أنواع النباتات (مثل الذرة وقصب السكر والشمندر السكري والرز والقش والكولزا وغيرها) والفضلات النباتية والحيوانية أو حتى «البيوغاز» المأخوذ من المطامر الكبرى. ويعتبر ذلك «إنقلاباً» في المعادلة السائدة راهناً بين الطاقة والزراعة. فمن المعلوم أن الوسائل الحديثة في الزراعة تجعلها تستخدم الكثير من الطاقة.

زاد استهلاك الزراعة لموارد الطاقة 50 مرّة مقارنة بالزراعة التقليديّة، وفي الحالات القصوى أي في حالة الزراعة الشديدة التصنيع والتركيز والمكننة، تضاعف استهلاك الطاقة 100 مرّة.

في الولايات المتّحدة، مثلاً، يتطلّب توفير الغذاء لكلّ مواطن أميركي كمية من الطاقة تعادل ما يحتويه 730 كيلوغراماً من النفط في السنة. وتُطلق تسمية «مُعادل النفط» على هذه المُعادلة. وبحسب إحصائيات منظّمة «فيرتلايزر»، استهلك الأميركيّون من 30 حزيران (يونيو) 2001 إلى 30 حزيران 2002 أكثر من 12 مليون طنّ من الأسمدة الآزوتية، ما يساوي 15,3 بليون ليتر من الديزل، (=96,2 مليون برميل نفط). وفي عام 1990 استهلك المواطن الأميركي 1000 ليتر (= 6,4 برميل) من النفط في الهكتار المُعدّ للزراعة.

وتظهر أهمية استخراج الطاقة من منتجات الزراعة من أشياء كثيرة منها أن الاعتماد على الشمس والرياح في شكل دائم تقف دونه صعوبات جمة. فعلى سبيل المثال، لا تتوافر الرياح والشمس على مدار السنة، ولا تصل بالمستوى الفعّال الى أماكن تتطلبها. ولذا، فإن الطاقة الحيوية يمكنها أن تلعب دور المّكمل للأنواع الأخرى من الطاقة. وفي إطار استغلال مصادر الطاقة الحيوية، يلعب القش الناتج من المحاصيل دوراً كبيراً.

في ألمانيا مثلاً، يعتمد الكثير من محطات توليد الطاقة على القش ّ الذي يعتبر من مخلفات محاصيل مثل الرز والقمح والشعير، على ما يؤكد البروفيسور ديتر شتاينبريشت، مدير «معهد الطاقة والبيئة» في جامعة «روستوك» الألمانية، في حديث الى وسائل الإعلام في بلده أخيراً. غير ان المشكلة تكمن في حرق القش، الذي يولّد كمية كبيرة من الرماد ومادة «الأكالين»، وكلاهما يُحدِث مشاكل في التجهيزات الهندسية. «ومن أجل ذلك تُطوّر حالياً طرق لحرق القش تمنع تشكيل الرماد»، كما شرح شتاينبريشت.

وهنالك طريقتان لإحراق القش، الأولى تتضمن عملية «تغويز»، أي حرق الغاز الناتج منه. والثانية حرقه بواسطة «السرير المُميع»؛ حيث تتراوح الحرارة بين 750 و 800 درجة مئوية.

ومن المعلوم أن احتراق القشّ ينتج غاز ثاني أكسيد الكربون. وتوجد أساليب لعزله وعدم نفثه في الهواء، فلا يلوث البيئة. وللتخلص من ذلك الغاز يمكن ضغطه وتخزينه في مستودعات تحت الأرض. وفي المقابل، أوضح شتاينبريشت أن من الممكن «ضخّ ثاني أوكسيد الكربون تحت ضغط عالي الى مياه البحر، شرط أن تكون عميقة ومنخفضة الحرارة، لضمان بقاء الماء المنحل في تلك الأعماق. وينطوي تخزين ذلك الغاز في باطن الأرض على مخاطر مثل التسبّب بحدوث هزات أرضية بفعل الطاقة التي ربما انطلقت من التفاعل بين الغاز وبعض المكوّنات حوله... حتى الآن لا نعرف تأثير هذا الغاز على جدران المخازن الموجودة تحت سطح الأرض».
وفي سياق متصل، تحدث شتاينبريشت عن «الغاز الحيوي» («بيوغاز» Bio Gas) الذي يستخرج من المطامر من طريق أعمدة مثقبة تُضرب في مطامر تضم كميات كبيرة من النباتات، لتسحب هذا الغاز. واشار إلى وجود مشكلة في ألمانيا بالنسبة للاعتماد على المواد الغذائية (مثل القمح والرز) في إنتاج البيوغاز: «هذا الاعتماد يسبب أزمة في توافرها ويخلق تنافساً بين مولدي الطاقة ومنتجيها، وفي أحسن الأحوال سينعكس ذلك على ارتفاع أسعار الأغذية». ويوجد في هذه الأعمدة «فلاتر» من أجل التنقية. غير انه مع مرور الوقت يتراجع إنتاج الغاز من المطمر، ويتراجع معه تركيز مادة «الميثان» الذي يستخدم لانتاج الطاقة، و»عندما يصل هذا التراجع إلى حد معين لا تعمل المحركات لكونها تحتاج إلى نسبة معينة من الميثان». كما يمكن استغلال درجات الحرارة العالية ضمن باطن الأرض لاستخراج الطاقة. فمثلاً، يوجد في شمال ألمانيا ظروف جيولوجية معينة تناسب إنتاج الطاقة في هذا المجال إذ تتوافر درجات حرارة مرتفعة في أعماق الأرض، ما يتيح إمكان إنتاج التيار الكهربائي.

ويشار الى التجربة الألمانية في مشروع إقليمي للطاقة، يتميّز بالجدّة والطموح، سوف يغطى جيبوتي واريتريا وإثيوبيا وكينيا وتنزانيا وأوغندا. وعلى رغم وجود فوارق كثيرة بين هذه البلدان، إلا أنها جميعها جزء من الأخدود الأفريقي الكبير، ما يعطيها إمكانية هائلة لاستخراج الطاقة الحرارية من جوف الأرض. وتعتمد هذه الدول حاليًّا على الديزل والقوى الهيدروليكية في توليد الطاقة.

وتقدر كلفة المشروع الأولية بـ 77 مليون دولار، ويمول جزء منها بمنحة من «صندوق بيئة الكوكب» قيمتها 35 مليون دولار، ويأتي الباقي من مانحين أو مستثمرين من القطاع الخاص مثل «بنك كيه إف دبليو» وأيسلندا وإيطاليا والولايات المتحدة.

وحقيقة الأمر أن المشروع هو بمثابة مختبر حقيقي للطاقة بالنسبة للمستثمرين الذين يشترطون أن يبقى كل الملف التقني في أيدي القطاع الخاص والمصارف المُمَوّلة، بمعنى انه لن يكون بإمكان الأفارقة الاستقلال بقرار إنتاج هذه الطاقة، ولا بتحديد أسعارها في المستقبل.

وتتضمن المرحلة الأولى من المشروع خلق شبكة إقليمية لإدارة جهاز معلومات لحرارة باطن الأرض، مع بناء قاعدة بيانات عن طاقة جوف الأرض. وسيشرف عليها «برنامج التنمية» في الأمم المتحدة بمشاركة شركات اســتثمارية. وتتعلق المرحلة الثانية بتقليل الآثار الجانبية للمخاطر الجيولوجية، وهو جانب تقني أيضاً؛ ومن أهدافه ترسيخ «طاقة باطن الأرض» كاختيار إستراتيجي في توسيع خطط الطاقة بالنسبة للشركات والدول. ويشرف «البنك الدولي» على تلك المرحلة، وقد أعلن أنه يمنح أولوية لاستثمار القطاع الخاص.
"الحياة"

التعليقات