31/10/2010 - 11:02

إنهم يكتبون تاريخ الزمن القادم/ أنطوان شلحت

إنهم يكتبون تاريخ الزمن القادم/ أنطوان شلحت
يكتب لبنان، هذه الأيام، عبر المواجهة المفتوحة التي يخوضها مع الآلة العسكرية الأكثر عتوًا في الزمن الحديث، تاريخ الزمن العربي القادم.

إنها كتابة بالدم والدموع، جذوتها التحدي، وقودها المقاومة ولهيبها الصمود.

التحدي، المقاومة، الصمود- مفردات من بلور طالما تكالب البعض، من المستقوين بالقوة الإسرائيلية المستغولة، لجعلها مبتذلة مبنى ومعنى- تكتب المواجهة الحالية سفر بقائها الذي يستحيل أن يطويه النسيان.

ومجرّد هذا البقاء في المدى المنظور يعني أننا ليس فقط لم نهزم، وإنما أيضًا أننا لن ننهزم.

فمن قال إن النصر العسكري المظفر وحده هو الدلالة المضادة للهزيمة؟.

حزب الله- داخل هذه المواجهة- اسم من أسماء المقاومة الحسنى. اسم يشكل الوعي الجديد المنافي ضمن أشياء كثيرة للشرق الأوسط الجديد، اسم يهندس ممانعة الروح، ويبعث الدفء في ليالي الصحراء الباردة والشرق الغافي.

لماذا الوعي بالذات؟.

لأن المعركة الآن، وهنا كذلك، هي على الوعي، على "تغيير اتجاه" الوعي. وعي الحاضر بما يحيط به من عوامل تفريغ. ولا يمكن أن نطمئن إلى المستقبل، إذا لم نفهم الحاضر فهمًا موضوعيًا وتامًا.

المقاومة في تاريخ الدفاع عن الذات العربية وتسوير الوعي العربي بما يقيه من عاديات المرحلة، ليست ظاهرة عابرة ولن تكون. ليست ريشة في مهب الريح. ورغم كل الرياح العاتية، والسنوات العجاف، ورغم... ورغم... فإن المقاومة في لبنان تراكم في ما يصعب حصره من التفاصيل الصغيرة، المثيرة والممتعة، تقاليد وتراثًا وثقافة، عصيّة على الاندثار، متمردة على الذوبان، حافظة لماويتها تحت ركام صور الدمار ورغم أنف خطابات الندب والعويل وظواهر سقوط الضمير بين بعض "المثقفين" وانحطاط الإنسان لدى بعض البشر وضعاف النفوس.

لكن الأيام الحالية تستحضر أيضًا مبلغ استطاعة الفرد منّا، ككاتب، أن يستكشف الصفة الخاصة جدًا للمعركة المصيرية. وأكثر من ذلك تضعنا وجهًا لوجه أمام جوهر الكتابة، باعتبارها في الآن ذاته منهجًا تركيبيًا له خصوصية في إدراك الحياة.

قد لا تكون الحالة اللبنانية استثنائية. أما إذا كانت كذلك، في قراءات مغايرة لا تني عن إشاعة مناخات من الإحباط واليأس، فإنها الاستثناء الذي يكشف لنا عمق قاعدة الكتابة في شروط مشابهة، وعمق ضرورتها في آن.

فنحن لا نكتب في فراغ. ولا نملك ترف التأمل في جمال العالم فقط، وكل ما حولنا يحترق، يتفحم، أو يقف على فوهة بركان.

وللتذكير فقط: في ظروف مشابهة، عندما اشتدّت على الأديب الفلسطيني غسان كنفاني، الذي اغتالته إسرائيل، نصائح الأصدقاء بأن لا يولي الكتابة الساخنة كل هذا الاهتمام. فهي في النهاية- كما قالوا- ستقضي على إمكانياته الفنية في كتابة القصة، قال: "أنا بصراحة لا أفهم هذا المنطق. فهو نفس منطق النصائح التي كنت أسمعها وأنا في المدرسة الثانوية: اترك السياسة واهتم بدروسك، والنصائح التي سمعتها بعد ذلك في الكويت: اترك الكتابة واهتم بصحتك! هل كان عندي حقًا خيار بين المدرسة والسياسة، الكتابة والصحة، حتى يكون الآن عندي خيار بين الصحافة والقصة. أنا أريد أن أقول شيئًا. أحيانًا أستطيع قوله بكتابة الخبر الرئيسي في صحيفة الغد، وأحيانًا بصياغة الافتتاحية و.. أو صياغة خبر صغير في صفحة المجتمع. بعض المرات لا أستطيع أن أقول الذي أريد إلا بقصة. الاختيار الذي يتحدثون عنه ليس له وجود. وهو يذكرني بأحد الزملاء من معلمي اللغة العربية، الذي يطلب مع بداية كل عام من تلامذته كتابة موضوعه الإنشائي المفضل: "أيهما تفضل، حياة القرية أم حياة المدينة؟" ومعظم التلامذة يعيشون في المخيمات!".

أفلا نريد أن نقول شيئًا، بل أشياء، الآن؟.

إذًا فلنقل بما نستطيع القول، ولنكن على قدر المسؤولية. وإلا فالصمت أجدى، خصوصًا الآن.


التعليقات