31/10/2010 - 11:02

اجتياح قطاع غزة لتحقيق الهدف السياسي. / حسن عبد الحليم

-

اجتياح قطاع غزة لتحقيق الهدف السياسي. / حسن عبد الحليم
«حصل الجيش على الضوء الأخضر من المستوى السياسي للعمل بحرية» هذا ما قاله رئيس القبيلة، شمعون بيرس، في جولة «تضامنية» مع كلية سبير في سديروت يوم أمس، الخميس الدامي في قطاع غزة. وكانت نتيجة هذا الضوء الأخضر الدم الفلسطيني الذي تدفق بغزارة في قطاع غزة.

يتحول المجتمع الإسرائيلي إلى بوق قبلي كلما تعرض إسرائيلي للقتل في سديروت أو في غيرها بالصواريخ الفلسطينية، ويبدأ بقرع طبول الحرب من يساره المزيف إلى يمينه، بغض النظر عن عدد الفلسطينيين الذين سقطوا بآلة الحرب الإسرائيلية. إذ أن وفق العقلية العنصرية القبلية الاستعلائية يعتبر قتل الفلسطينيين أمرا عاديا، وبالمقابل تعتبر أي خطوة فلسطينية للرد على مجازر الاحتلال «تصعيدا».

رئيس الوزراء إيهود أولمرت كرر مقولته «لا أحد محصن» ووصلت الرسالة إلى الطفل الرضيع محمد البرعي ابن الشهور الستة والأطفال- علي منير دردونة ودردونة ديب دردونة ومحمد حسين دردونة ومحمد نعيم حمودة، وإلى باقي الشهداء.

لا شك أن ما تقوم به إسرائيل في قطاع غزة والضفة الغربية من جرائم يفوق كل خيال، والفرق بين سياسة الاغتيالات المكثفة الحالية وبين الحملة العسكرية الواسعة بما يتعلق بالخسائر البشرية الفلسطينية غير جوهري، إذ أنها في الأولى تقتل مئات الفلسطينيين خلال شهور بينما في الثانية ستقتل مئات الفلسطينيين خلال أيام. ولكن الفرق الجوهري يبقى في إمكانية تحقيق الهدف السياسي.

بالرغم من الغطرسة والاستعلاء العنصري، يحسن الإسرائيليون تحديد أهدافهم، ولكن حينما يكون من الصعب عليهم الإفصاح عنها لصعوبة تسويقها يختلقون أسبابا، فيخلطون الأسباب بالنتائج وبما بينهم، ومهما بدا المشهد ركيكا ومقززا لا يجدون حرجا في تكراره ليلا نهارا.. ولكن المصيبة الكبرى حين يبدأ العرب في ترديده. ومن هذه المشاهد المقززة، الافتراء بأن العمليات العسكرية وحصار قطاع غزة هو للرد على الصواريخ، وفرية صراع المحاور.

ما يسهل مهمة الإسرائيليين هو الخلاف الداخلي الفلسطيني ومراهنة أطراف فلسطينية على خيار الاستجداء، وتداعيات ذلك الخلاف على الموقف العربي، ومشاركة أطراف فلسطينية وعربية مرغمة أو بخيارها في بدعة وفرية صراع الـ«محاور»، والزج بأسمى وأعدل قضية تحرر وطني عرفها التاريخ إلى متاهات إسرائيلية أمريكية مبتدعة تغيب واقع الاحتلال وحقيقة المشروع الكولونيالي في فلسطين.

سقط في اليومين الأخيرين أكثر من 30 شهيدا بنيران الاحتلال، بزعم الرد على قصف الصواريخ الفلسطينية، التي هي بالأساس رد على جرائم الاحتلال وعلى الحصار والإغلاق والتجويع والضغط والعقاب الجماعي- التي فشلت مجتمعة في تحقيق الهدف المنشود. والهدف المنشود يتستر خلف الرد على الصواريخ، وهو في حقيقة الأمر تغيير الواقع السياسي في قطاع غزة والقضاء على امتداد محور «التطرف»، الاسم المستعار والزائف لقوى الممانعة ومقاومة الاحتلال والاستعمار.

تغيير الواقع السياسي يعني التخلص من حكومة حماس ومن نهج المقاومة وتنصيب قادة «معتدلين»، يعتقد الإسرائيليون أنهم سيقبلون بالتسوية(بالمنظور الإسرائيلي). وكان أولمرت قد كشف عن هدف الحصار والإغلاق والعقاب الجماعي والضغط على السكان في قطاع غزة في اتصال هاتفي مع وزير الخارجية الهولندي، مكسيم فرهاغن ، قبل أسابيع وقال للوزير الذي أعرب عن قلقه من الأوضاع الإنسانية في قطاع غزة: " نحاول المس فقط بمن لهم دور في الإرهاب، ولكننا نلمح للسكان بأنهم لا يمكنهم التنصل من مسؤوليتهم عن الوضع، على السكان في قطاع غزة إسقاط حكم حماس". وعزز أقوال أولمرت رئيس مديرية التنسيق والارتباط في غزة، الكولونيل، نير بيرس، الذي قال إن السكان في قطاع غزة بعد الحصار والإغلاق أصبحوا يدركون إنهم اختاروا خيارا سيئا بانتخابهم حماس.

في أعقاب اعتراف أكثر من مسؤول سياسي وعسكري إسرائيلي بفشل السياسة الإسرائيلية في قطاع غزة في دفع السكان إلى التمرد ضد حماس، وكان آخر هؤلاء الكولونيل بيرس الذي قال: "إن الأوضاع في قطاع غزة هي خسارة لإسرائيل من كافة النواحي والعقوبات المفروضة على قطاع غزة غير مجدية. كما أن تردي الأوضاع في قطاع غزة يكتل الشعب الفلسطيني ويلعب لصالح حماس". وفي ضوء عدم قدرة إسرائيل على فرض مزيد من العقوبات والتشديد من الحصار، لأن ذلك سينجم عنه أزمة إنسانية بنظر هؤلاء الذين يعتبرون القضية الفلسطينية هي قضية إنسانية، يبقى أمام إسرائيل خيارين.

الخيار الأول: ما نصح به نير بيرس نفسه بقوله: إن إسرائيل ليس لديها تجربة في "تنصيب الحكام" والتغيير يجب أن يأتي من خلال تقديم المساعدة للسكان. وشرح قائلا: يجب أن ندق الإسفين بين حماس والسكان عن طريق مساعدة السكان ومنحهم الشعور بأن إسرائيل تعمل ضد حماس وليس ضد السكان وهذه مهمة ليست سهلة".

والخيار الآخر: هو شن حملة عسكرية واسعة للإطاحة بحكم حماس، وضرب المقاومة وتسليم الحكم للسلطة الفلسطينية ونشر قوات دولية في قطاع غزة. وكانت مصادر إسرائيلية قد أوضحت أن الحكومة تدرس فكرة نشر قوات دولية في قطاع غزة تكون بديلا للحكم العسكري، إلا أن ذلك برأي المسؤولين الأمنيين لا يمكن أن يتأتى إلا في حالتين: إذا قامت القوات الإسرائيلية باجتياح قطاع غزة، أو في حالة حدوث تمرد على سلطة حماس وتوفر الفرصة لعودة اللسلطة الفلسطينية إلى قطاع غزة. وأكدت تلك المصادر أن طاقما إسرائيليا تشكل من عدة وزارات بدأ بدراسة الفكرة منذ عدة أسابيع وعقد عدة جلسات في هذا الشأن ويركز أعماله قسم التخطيط في القيادة العامة.

تشير كافة المعطيات أن الإسرائيليين اختاروا الخيار الثاني، وأن الخطط العسكرية باتت جاهزة في الأدراج، بما في ذلك الترتيبات التي تعقب الاجتياح. ولكن هل يغامر رئيس الوزراء أولمرت بحملة جديدة لا يمكنه تقدير الخسائر فيها وهو الذي دأب على تجنب هذا الخيار وخاصة بعد فشله المدوي في حرب لبنان؟ وهل يأمر بشن العدوان الواسع على قطاع غزة وما زال حساب اغتيال القيادي في حزب الله عماد مغنية مفتوحا. وهل يتخذ هذا القرار بالرغم من أنه من الممكن أن يحرج شريكه في التسوية محمود عباس بل ومن الممكن أن يطيح به؟ وهل يأخذ أولمرت بعين الاعتبار أن كل شهيد فلسطيني يلد مقاومين جدد؟


التعليقات