31/10/2010 - 11:02

اعتقال صدام حسين: استراتيجية خروج أم دخول/ د.عماد فوزي شُعيبي

اعتقال صدام حسين: استراتيجية خروج أم دخول/ د.عماد فوزي شُعيبي
وبعيداً عن الاحتفالية المحقة وجدانياً وغير السياسية أو الاستراتيجية بامتياز، فإن السؤال الذي يطرح نفسه بشدة بعد إلقاء القبض على صدام حسين، يتمثل في صيغة تبدو شكية توجسية وتقول :

لماذا حرق الأمريكيون هذه الورقة في هذا التوقيت ، وبسرعة؟.

السؤال لا ُيطرح من خلال توصيفٍ تأمري، لكن السياسة ليست فعلاً بلا أهداف، إذ كل موقفٍ لابد أنه يحسب من خلال توظيفه السياسي. فنهاية الحرب لابد أن تكون إما بإنجاز صوري يتمثل بإلقاء القبض على من أصبح معياراً لهدف الحرب (ونعني هنا صدام بالذات وهو نظرياً آخر أعمال الحرب)، طالما أن الهدف السياسي الذي سوُّق قد عزّ –أو بالأحرى- لم يكن موجوداً أصلاً وهو نزع أسلحة الدمار الشامل. أو حيث يعزّ أيضاً هدف سياسي يتمثل في إقامة ديمقراطية مزعومة لن تأتي عملياً إلا بالمتشددين أو بإعادة إنتاج النظام السابق بصورة أو بأخرى، طالما أن تنظيمه السياسي"مهما كان هزلياً وكاريكاتيرياً هو القوى المنظمة المتجمعة الوحيدة في العراق"، وأقله أن المساحة القومية هي الجزء الأهم من ثقافة العراقيين اليوم(على سلبيات أداء النظام العراقي المتخلف فيها).

ولذلك فإن إلقاء القبض على صدام حسين سيعني – افتراضياً VERTUAL- طياً لصفحة الحرب.

المؤشرات كانت واضحة للغاية؛ فقبل أيام قالوا أن العثور صدفة على صدام حسين يشكل احتمالاً صفرياً، وهذا ربما يعني أنهم كانوا يعرفون مكانه ويريدون أن يبرزوا الأمر باعتباره إنجازاً من إنجازات الحرب على العرق. فلم يكن هنالك من داعٍ ليصرح مثل هذا التصريح بريمر نفسه، لو لم يكن ثمة ما سيأتي بعده هو"ضربة المعلم" كما يريدونها إنجازاً إعلامياً يرفع من شعبية جورج بوش التي تهاوت بصورة لافتة والتي وصلت إلى حد لا يمكن قبوله للاستمرار بسنة انتخابية، خصوصاً وأن الانتخابات في واشنطن العاصمة ستكون خلال الشهر المقبل معياراً لما هو آتٍ في اللعبة الانتخابية الأمريكية.

بالتأكيد فإن العثور على صدام حسين وما يرافقه وسيرافقه خلال الأيام المقبلة من أهازيج الفرح للعراقيين المثقلين بالهموم والأذى من ذلك الطاغية الذي خرب بلده ومحيطه الإقليمي بغباء سياسي قل نظيره ، لابد أنه سيدفع شعبية بوش إلى الأمام ويعطيه حقنة كبيرة ستمرر ثلاثة أشهر على الأقل من الحملة الانتخابية له، الأمر الذي يجعلنا نتساءل عما سيفعله جورج بوش ومن يخطط له لسنة انتخابية أكبر في حال لم يكفِ حرق هذه "الورقة الاستراتيجية" لإيصال الرئيس الأمريكي إلى إعادة انتخابه مرة ثانية.

فقد بات من المعروف أن المسؤول الأساسي كمستشار في البيت الأبيض كارل روف والمتصل بوثاقة بحملة جورج بوش الانتخابية يضع أمام طاولته شعراً يقرأه كل صباح كما الفاتحة يقول:"يجب أن يبقى الشعب الأمريكي في خطر حتى يعاد انتخاب الرئيس جورج بوش"، KEEP THE AMERICAN PUBLIC SCARE الأمر الذي يضع تساؤلات عديدة عن الذرائع التي ستتم استخدامها لاحقاً وعن المكان الذي سيستخدم كهدفٍ آخر للانتقال من حرب إلى أخرى، وعن الحدث- الرعب الذي سيفيض قريباً في الولايات المتحدة كي يُعزز الفزع ويتيح الفرصة للهروب مجدداً نحو الحرب التي هي في التحليل الأخير العتلة التي حمل الأمريكيين من الفزع إلى النصر! وترفع جورج بوش والمحافظين الجدد إلى الحكم ثانية .

فالحرب الخاطفة إذا ما تلتها استراتيجية خروج خاطفة أيضاً، كما ستهيئ لها عملية الإعلان عن إلقاء القبض على صدام حسين ، وهما جزءٌ لا يتجزأ من استراتيجية وخطة"المدنيين الذين يحكمون البنتاغون"، ستهيأ أيضاً الفرصة لمناخ داخلي في الولايات المتحدة الأمريكية يقول بإمكانية الانتقال من حرب إلى حرب أخرى تنفيذاً لاستراتيجية الحرب الاستباقية؛ إذ أن التهيئة الاستراتيجية لخروج سريع ،تبدو ملامحه واضحة من خلال الإعلان عن تشكيل حكومة بعد رسم الدستور قبل الشهر السابق، وهو توقيتٌ مثالي للانتقال إلى مغامرة عسكرية أخرى، تفسح في المجال أم الانتقال مجدداً إلى استراتيجية دخول! ؛ إذ أن إخراج القوات وتجميعها في المنطقة نفسها يمهد الساحة أمام الانتقال إلى عمل عسكري أخر في الشرق الأوسط، إذا ما ازداد الفزع.

ربما قد تبدو هذه الصورة فيها غلوٌ في الخيال السياسي"المتشائم" والذي لا يخلو من تأمرية في التحليل. لكننا نؤثر في هذا المجال أن نقول بأن مخطط اليمين الجديد واضح ويقول بالانتقال من حرب إلى حرب.

صحيح أنه إيديولوجيا لا تتيح لها الظروف الموضوعية من حيث المناخ الإقليمي أو حتى المناخ الدولي ، الظروف المساعدة، إلا أن اختلاف المبررات قد يصبح أكثر كوميدية ومأساوية معاً عندما تريد هذه الإيديولوجيا أن تتحول إلى واقع، فحجج أسلحة الدمار الشامل التي استهلكت في الحرب على العراق وكذلك مناصرته وتنسيقه مع إرهاب القاعدة، يمكن أن يبتدع من جديد على شكل جديد يبدأ بمناصرة المنظمات الإرهابية ولا ينتهي مع إقامة الديمقراطيات على طريقة الحاملة الأخلاقية التي يتم ترويجها في محاولة للحفاظ على خلفية أخلاقية لفعل غير أخلاقي.

إذاً، المسألة تنعقد اليوم باعتبارها تمهيداً للخروج من العراق، وهو أمرٌ تدفع إليه السياسة في كل تجلياتها رغم أن تحليلات البعض تذهب إلى حد تصوير الموقف إلى أنهم أتوا كي يبقوا، وهذا لا يستقيم مع منطق السياسة في أصلاً. فهم أتوا من أجل استثمار ورقة محروقة للقيام باستعراض الهدف منه تحقيق مشروع إيديولوجي يقول بقرن أمريكي جديد لا يمكن مع الصورة المقترحة له،( باعتباره قرناً أحادياً لا مكان فيه للآخرين إلا أتباعاً)، إلا البحث عن أماكن استعراض عسكري تكون من الضعف ما يحدث دَوياً يساعد على خلق مناخ يهيأ لتحول تلك الإيديولوجيا من إيديولوجيا إلى ممارسة ...فواقع.

هذا لا يعني أكثر من توصيف لما هو في رأس"الآخرين"، ولا يعني الاستسلام إلى أنه واقع سياسي لابد حاصل، وهو ما يعني و يستدعي منا جميعاً الحذر والعمل لتقويضه وعدم الاستسلام إلى الفكرة التي تقول بأن ما جربوه في العراق سيردعهم عن التجريب في أماكن أخرى لأننا لسنا أمام سياسة عقلانية بالضرورة إنما أمام إيديولوجيا، ومع الإيديولوجيا كل شيء محتمل.

التعليقات