31/10/2010 - 11:02

الأفق السياسي سراب إسرائيلي../ حسن عبد الحليم

-

الأفق السياسي سراب إسرائيلي../ حسن عبد الحليم
لسنا أمام منعطف تاريخي. لم تعلن إسرائيل بعد عن نيتها إنهاء الاحتلال والاعتراف بحق تقرير المصير للشعب الفلسطيني والاعتراف بمسؤوليتها عن الغبن وما حل بالشعب الفلسطيني منذ نكبة عام 1948 لذلك كل حديث عن التفاوض له أهداف أخرى غير التفاوض.

ذهبت زيارة رايس أدراج الرياح، فإلى جانب حديثها عن شبه دولة فلسطينية تحقق الأمن للإسرائيليين ومطالبة رئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود أولمرت بالتخفيف من معاناة الفلسطينيين وإزالة بعض الحواجز، تماثلت كليا، مع الموقف الإسرائيلي، وعادت إلى بلادها بوعد من أولمرت أنه سيلتقي عباس كل أسبوعين ويتداول معه حول "الأفق السياسي".

وزيرة الخارجية تسيبي ليفني ألقت الضوء في خطابها يوم أمس في مؤتمر حزب كديما الذي عقد في مدينة نتانيا الساحلية على توافق الموقف الأمريكي الإسرائيلي في زيارة رايس الأخيرة، وأشارت إلى نقطتين في مواقف رايس تعتبران برأيها تعبيرا حقيقيا عن مواقف الحكومة الإسرائيلية: النقطة الأولى، البدء في الحوار السياسي وتركيز الحوار في إطار محدد من المواقف الإسرائيلية، مع حصول إسرائيل على سلسلة من الضمانات. والنقطة الثانية، البدء في تطبيع العلاقات مع الدول العربية.

الاهتمام الإسرائيلي بالمبادرة السعودية لا يعني أن إسرائيل تتجه نحو قبول الحل العربي الذي يعتبر معتدلا إلى حد كبير، وكان بمثابة تنازل عن مواقف تاريخية والتقدم خطوة نحو إسرائيل بغية حل الصراع. وتنظر إسرائيل إلى المبادرة على أنها مجموعة مواقف تصلح لأن تكون أفكارا ابتدائية في المفاوضات بين الطرفين. وحاولت جاهدة إلى حمل العرب على تعديل المبادرة العربية لإسقاط حق العودة، معززة بوثيقة بوش التي سلمها لشارون عشية فك الارتباط عن قطاع غزة والتي تعهد فيها بحل قضية اللاجئين ضمن تسوية شاملة من خلال الدولة الفلسطينية في حدود عام 67. وسعت إسرائيل والولايات المتحدة إلى تليين بعض المواقف في المبادرة العربية ومنح بعض البنود صياغات مرنة. كل هذا ليس لكي تقبلها وتنفذها.. بل لتكون أساسا للتفاوض..

غاب إسرائيليا الحديث عن المبادرة العربية، اللهم إلا على لسان وزير الأمن عمير بيرتس، الذي لا يعول على تصريحاته ولا تؤخذ على محمل الجد، بعد أن بات واضحا لإسرائيل أن القمة العربية لن تقدم مزيدا من التنازلات ولن تجر أي تعديل على المبادرة. وأن الفلسطينيين يعتبرونها الحد الأدنى من مطالبهم ولا ينوون التفاوض حولها. وعادت دائرة صنع القرار في إسرائيل إلى الحديث عن خارطة الطريق واستحقاقاتها، وإلى اعتبار الخطة العربية مواقف عربية تقابلها مواقف إسرائيلية وكلاهما خاضعان للتفاوض. وجاء تعريفها بشكل واضح لا يقبل اللبس على لسان الفهلوي وكبير السبط، نائب رئيس الوزراء الإسرائيلي، شمعون بيرس، حيث أعرب يوم أمس عن رفضه للمبادرة العربية كخطة سلام متكاملة لأنها بذلك تعتبر "إملاءات" ولكنه على استعداد لأن يقبلها كمواقف ابتدائية مطروحة للتفاوض.

العرب بعد أن اعتبروا طرح المبادرة العربية، موقفا تاريخيا، وشكلوا وفدا لتسويقها لدى الإدارة الأمريكية والدول الأوروبية، معتبرين أن الطرح بمثابة فرصة تاريخية لإحلال السلام، وأنهم تراجعوا عن المطالبة بكل فلسطين، إلى التصالح على حوالي 22% من فلسطين التاريخية لإقامة الدولة الفلسطينية. اعتقدوا أن العالم سيتلقف هذه المبادرة ويعمل على إخراجها إلى حيز التنفيذ، واعتقدوا أن إسرائيل ستسارع إلى القبول بها وبدء تطبيقها. ولكنها نامت نوم أهل الكهف وطويت في النسيان إلى أن قرر أولمرت إيقاظها ومنحها زخما خاصا واهتماما قلما رافق أي قمة عربية، وذلك على خلفية رؤية التحالفات الجديدة في الشرق الأوسط وضمن سياسة المحاور، أي تغزلا بأصحاب الخطة وليس في الخطة ذاتها.

وبالعودة إلى الأفق السياسي الذي ستتحاور إسرائيل بشأنه مع رئيس السلطة الفلسطينية، محمود عباس، كما وعد أولمرت رايس. وسيسأل كل منا السؤال البديهي ما هو المقصود بالحوار حول الأفق السياسي؟ الجواب يأتينا من وزيرة الخارجية الإسرائيلية تسيبي ليفني. فإلى جانب تأكيدها في خطابها على غياب النية الإسرائيلية لأي تقدم سياسي على المسار الفلسطيني بقولها أن " الحل الدائم غير ممكن في هذه الأوضاع"، أوضحت أن إسرائيل ستتحاور مع الفلسطينيين حول "الأفق السياسي" كمقدمة للعودة إلى المرحلة الأولى من خارطة الطريق وستعود إلى مطالبة الفلسطينيين باستحقاقات تلك المرحلة دون أي استحقاق منها.

ونستنتج من حديث ليفني أن "الأفق السياسي" بالمنظور الإسرائيلي هو مماطلة وتسويف، ولقاءات استعراضية تنتهي بتعهد إسرائيلي بإزالة حاجز، وبناء آخر على بعد عدة أمتار. وتبث تلك اللقاءات عبر الفضائيات وتخلق انطباعا لدى المشاهد أن هناك مفاوضات وعلاقات حميمة وندية واحترام. ويظهر الرئيسان وخلفهما أعلام الدولتين، وتجرى مراسم استقبال وبروتوكولات رسمية. ويكرر أولمرت مقولته في اللقاء أن "إسرائيل ستقدم تنازلات مؤلمة". وتدفع تلك المشاهد جانبا كل مشاهد القتل والهدم والدمار لاحتلال غاشم. لقاءات "الأفق السياسي" تخدم الدعاية الإسرائيلية دون أن تقدم شيئا للفلسطينيين، بل تزيد من مطالب إسرائيل منهم. وتختزل قضية شعب تحت الاحتلال وآلاف الأسرى بغلعاد شاليت أو أي مشهد ثانوي ليس ذي صلة..مشهد آخر عبثي تستطيع إسرائيل تسليط الضوء عليه وتكراره بوتيرة تجعله جزء من أجندتنا.

الحكومة الإسرائيلية غير مستعدة وغير جاهزة وغير قادرة على دفع أي مسار سياسي، لا على مستوى هضبة الجولان المحتلة ولا على مستوى القضية الفلسطينية. وستحاول الحفاظ على الوضع القائم وإرجاء أي حل ... وستعود إلى طرح فكرة الدولة الفلسطينية بحدود مؤقتة تؤجل من خلالها كل القضايا الرئيسية، وترجئ البت في القضايا المختلف عليها. وما "الأفق السياسي" الذي تتحدث عنه سوى سراب.. ووسيلة للمكاسب الإعلامية ولذر الرماد في العيون... حاجز آخر يتم تفكيكه ليبنى من جديد على بعد عدة أمتار..




التعليقات