31/10/2010 - 11:02

الإخوان المسلمون والشيوعيون العرب ساخطون على اخوانهم ورفاقهم العراقيين بسبب مشاركتهم في مجلس الحكم الإنتقالي / شاكر الجوهري

الإخوان المسلمون والشيوعيون العرب ساخطون على اخوانهم ورفاقهم العراقيين بسبب مشاركتهم في مجلس الحكم الإنتقالي / شاكر الجوهري
غير أن مواصلة النقاش تقود الناطقين باسم الحزب الشيوعي العراقي في دمشق إلى الإفلات من الأسئلة المحرجة عبر الإشارة إلى نقص المعلومات لديهم عما يجري داخل العراق، خاصة وأن حزبهم مشغول الآن بإعادة تنظيم صفوفه. وحين تزيد جرعة الإحراج، لا يتردد الناطقون باسم الحزب الشيوعي العراقي في دمشق عن التلميح بلباقة رفاقية إلى أن المشاركة في مجلس الحكم الإنتقالي هي مسألة داخلية.

غير أن الشيوعيين العرب، باستثناء الحزب الشيوعي الأردني، لا يبدون اقتناعا حتى الآن بهذه الطروحات، وهم ينتظرون تفسيراً خطيا من رفاقهم العراقيين لخطوته المثيرة للجدل. وها هو الدكتور يعقوب زيادين القائد التاريخي للشيوعيين الأردنيين، ورئيس حزب الشغيلة الشيوعي الأردني يوزع على اصدقائه عبر الفاكس ما سبق له أن حرره من نص مقابلة مطولة اجراها حميد مجيد موسى امين عام الحزب الشيوعي العراقي مع اذاعة "صوت الشعب العراقي" التابعة للحزب بتاريخ 25 نيسان/ابريل الماضي، تأكيداً على أن حميد مجيد باشتراكه في مجلس الحكم الإنتقالي يكون قد خالف طروحاته بشأن رؤيته لحل معضلة الإحتلال الأميركي للعراق، ومستقبل العراق.
يلخص زيادين تصريحات حميد مجيد السابقة على النحو التالي: يطرح الحزب ضرورة التعجيل بتشكيل حكومة عراقية وطنية مستقلة مؤقتة لكي تباشر واجباتها في ادارة شؤون البلاد ومعالجة المشكلات الكبيرة الناجمة عن فقدان الأمن والإستقرار وغياب الخدمات الأساسية كالماء والكهرباء والعلاج والغذاء. وتوفر عودة الموظفين إلى اعمالهم والعاملين في المؤسسات والمصانع والخدمات واستئناف الدراسة في المدارس والجامعات والمعاهد وعودة الحياة الطبيعية وانهاء حالة الشلل التي تسود البلاد.

وتحدث حميد مجيد عن الحل الذي يرتأيه عبر اقتراح يقضي بالعودة للوضع الطبيعي عبر العمل على عقد مؤتمر وطني عراقي يجمع اطياف المجتمع العراقي كله، وفي الأساس ممثلي القوى والأحزاب الوطنية المعروفة وممثلي الأطراف القومية والدينية والطوائف في الشمال والجنوب ومن الداخل والخارج ويسبق عقد المؤتمر تشكيل لجنة تحضيرية موسعة تضم القوى الرئيسية.

وقال: القوى الوطنية تستطيع أن تتحدث بقوة وثقة بالنفس طالما تدعو إلى عقد هذا المؤتمر والذي سيتخذ الإجراءات الضرورية، وفي مقدمتها حكومة وطنية عراقية مؤقتة وائتلافية تباشر معالجة المشكلات الملتهبة إلى جانب اعداد مشروع دستور دائم للبلاد وتضع قانون للإنتخابات.. وتجرى هذه الانتخابات في اجواء جديدة من الحرية والنزاهة، ويتسلم السلطة اخيرا من سيمنحهم الشعب الثقة عبر صناديق الاقتراع.

وأكد انه من الخطر جدا انفراد طيف دولي واحد يحتكر مهمة المسألة العراقية. كما أكد على ضرورة وجود الأمم المتحدة واشرافها على مؤتمر القوى الوطنية وعلى تشكيل الحكومة العراقية المعبرة عن مصالح الشعب وعلى اجراء الإنتخابات البرلمانية. وبدور ضروري لإضفاء الشرعية على عملية الإنتقال إلى الديمقراطية في بلادنا ولضمانة مساهمة المجتمع الدولي في امكانياته.
وتؤكد مصادر قيادة الحزب الشيوعي العراقي في دمشق وجود انشقاق تحت مسمى "الكادر"، لكنها تقول إن هذا الإنشقاق محدود وقديم وليس حديثاً وذلك في اتصالات اجراها معها قادة بارزون في حزب الشغيلة الشيوعي الأردني، وكذلك الحزب الشيوعي السوري، اللذان فوجئا بمشاركة أمين عام الحزب الشيوعي العراقي في مجلس الحكم الإنتقالي، واجريا اتصالات للإستفسار عن الحيثيات والتفاصيل.

لكن مصادر قيادة الشيوعيين العراقيين في دمشق، نفت التفاصيل التي اوردها بيان "الكادر". وقالت إن كل هذه التفاصيل كاذبة وغير صحيحة، واشارت إلى أن حميد مجيد أمين عام الحزب الشيوعي العراقي عاد لبغداد أمس الأول (الأحد) بعد أن شارك في مؤتمر الحزب الشيوعي الإيطالي.

وبرر الشيوعيون العراقيون لرفاقهم الأردنيين والسوريين مشاركتهم في مجلس بريمر بالقول إنهم كانوا مضطرين للمشاركة بعد أن شاركت احزاب عراقية أخرى كثيرة من بينها حزب الدعوة وجماعة الإخوان المسلمين (الحزب الإسلامي العراقي). وحين رد القائد الشيوعي الأردني البارز على محدثه الشيوعي العراقي مبديا عدم اقتناعه بما يسمعه منه، أكد الأخير توحد وتماسك الحزب الشيوعي العراقي، معتبرا ما تنشره بعض الصحف عن حزبه من قبيل التشويش.

ولا يتردد الناطقون بلسان الحزب الشيوعي العراقي في دمشق في ابلاغ رفاقهم في الأحزاب الشيوعية العربية أن المقاومة الشعبية المتصاعدة للإحتلال الأميركي ليست منظمة، انما هي مقاومة انفعالية لا يقف وراءها الرئيس السابق صدام حسين، الذي ينتهزون أية فرصة لتوجيه سيل من الشتائم لشخصه ولنظامه، قبل أن يستدركوا مؤكدين أنهم ضد اميركا ويعملون ضدها، ولا يمكن أن يقبلوا باستمرار الإحتلال.. ثم يعرجون إلى تاريخ حزبهم في مقاومة الإستعمار والامبريالية ويتساءلون: هل يعقل أن يضع حزبهم نفسه بعد كل هذا التاريخ تحت راية الإمبريالية والإستعمار..؟انقسام خطير داخل الحزب الشيوعي العراقي، وسخط لدى تنظيمات جماعة الإخوان المسلمين في العالم العربي.
هكذا تبدو صورة المشهد الناجمة عن مشاركة الحزب الشيوعي العراقي، وجماعة الإخوان المسلمين في العراق (الحزب الإسلامي العراقي) في عضوية مجلس الحكم الإنتقالي الذي شكله بول بريمر الحاكم الأميركي للعراق.
الإنقسام داخل الحزب الشيوعي العراقي عبر عن نفسه من خلال رفض الكادر الحزبي لمشاركة حميد مجيد موسى أمين عام الحزب في عضوية مجلس بريمر، واصدار بيان تشهيري بحقه. وقد اتهم البيان امين عام الحزب بعقد صفقة مع بريمر مقابل قبول عضويته في المجلس، حيث قام الحاكم الأميركي للعراق، ونائبه سيوزر بزيارة مقر الحزب الشيوعي في ساحة الأندلس ببغداد والتقيا موسى، وعرضا عليه الصيغة النهائية لشروط تعيينه في المجلس، فوافق عليها دون تحفظ مقابل ضمه إلى التشكيلة المؤقتة.

ويضيف البيان أنه من بين الشروط التي قبلها مجيد ان لا يمثل الحزب الشيوعي وانما أن يمثل الطائفة الشيعية كأحد علمانييها، وأن يقوم بإعادة صياغة برامج الحزب، لترفع منه كليا أي كلمة أو جمل تشير إلى "استعمار" او "امبريالية" او "استقلال وطني" او "الدفاع عن الوطن" وكل ما يمت إلى هذه المصطلحات من مفاهيم، فإن لم يستطع تغيير النظام الداخلي فليجمده حتى المؤتمر القادم، مع وجوب خلو صحافة الحزب الداخلية والخارجية من تلك المصطلحات، على أن يشار إلى بريمر باسم "السيد بريمر" وإلى سلطات الإحتلال باسم "حكومة التحالف".
واشترط عليه أيضا أن يتعاون الحزب الشيوعي مع الجيش الأميركي ضد "المخربين" الاسلاميين وانصار النظام السابق، أو القوميين وغيرهم ممن يرفعون السلاح بوجه الجيش الأميركي، وأن يقوم بالإخبار الففوري عن المشكوك بهم، كما يتوجب عليه المشاركة الفعالة في حفظ الأمن علناً وسراً.
ولا تعلق المصادر على وجهة النظر التي ترى أن مشاركة اخوان العراق في المجلس لا تعادل التمثيل الطائفي، بقدر ما تقر المعادلة الجديدة التي تبدو مختلة لصالح طائفة دون بقية الطوائف، لكنها ترى أن تضخيم التمثيل الشيعي يهدف اميركيا إلى:

اولا: محاولة تحييد أبناء الطائفة الشيعية في المواجهات اليومية التي تفرضها المقاومة الشعبية العراقية على قوات الإحتلال.
ثانيا: حرق التنظيمات الشيعية سياسيا، وهي التي كانت "تشيطن" الولايات المتحدة عبر وصفها بـ"الشيطان الأكبر".
ثالثا: إلى ذلك، فإن تمثيل المنظمات الشيعية في المجلس يحرمها من تصدر وقيادة مقاومة الإحتلال على غرار حزب الله في لبنان.

لكن موقف الإخوان المسلمين العراقيين لا يبدو مختلفا عن موقف المنظمات الشيعية، وفقا لما افصحوا عنه لإخوانهم العرب، كما تؤكد مصادرنا. فهم ابتداء لم يبدوا استعدادا لمقاومة قوات الغزو الأميركي بحجة عدم استعدادهم للدفاع عن نظام الحكم السابق الذي كانوا يرونه آيل للسقوط. وهم الآن يتحفظون على المقاومة الشعبية المسلحة للإحتلال، ويقول "لا نستطيع أن نضع أنفسنا في فوهة المدفع ونقاوم الأميركان.. نريد أن نعطيهم فرصة كي يغادروا العراق، وهذا موضع اجماع العديد من القوى السياسية العراقية".

وماذا إن لم يخرج الأميركيون من العراق..؟ يجيبون على ذلك قائلين "لكل حادث حديث".


__________________
شاكر الجوهري - عمانلذلك، وفي ضوء الضغوط السابقة التي حالت دون مواصلة التمثيل في لجنة المتابعة المنبثقة عن مؤتمر لندن، والمشاركة في مؤتمر اربيل، وخشية التعرض لضغوط جديدة، فقد اقدمت الجماعة في العراق على اتخاذ قرار المشاركة في مجلس الحكم الإنتقالي بشكل مفاجىء، ودون تشاور مع أحد، لكنها قدمت تفسيرات وتبريرات لاحقة لهذا القرار تمثلت في:
اولا: الخشية من أن يؤدي عدم المشاركة إلى خروجها من المعادلة السياسية العراقية بشكل نهائي.
ثانيا: الخشية من أن يؤدي غيابها إلى انفراد المنظمات والقوى الشيعية بالإمساك بزمام الأمور.
ثالثا: تعرضها لضغوط من قبل الاخوان الأكراد (الإتحاد الإسلامي الكردستاني)، وكذلك من قبل الدكتور عدنان الباجه جي رئيس تجمع المستقلين الديمقراطيين الذي قال لهم لا يمكن القفز عن مشاركة الحزب الإسلامي العراقي.
رابعا: مشاركة حزب الدعوة والحزب الشيوعي بعد أن كانا يعارضان المشاركة في عضوية المجلس.
خامسا: خشية أن يقدم الحاكم الأميركي على ادانة الجماعة في العراق بـ"الإرهاب" في ظل وجود مقاومة مسلحة تشارك فيها تنظيمات اسلامية أخرى.
سادسا: الإحساس بأن مشاركتهم من شأنها أن تزيد حجم التمثيل السني في المجلس مقابل تضخم التمثيل الشيعي، الذي تتعدد الولاءات داخله.

ومع ذلك، فإن قرار المشاركة تسبب في انتاج ازمة كبيرة داخل تنظيم الجماعة في العراق، واشكالية مع تنظيمات الجماعة الأخرى في العالم العربي، بما فيها مأمون الهضيبي المرشد العام في القاهرة. ولذلك، تقول المصادر الإعلامية أنها لاحظت لدى متابعة جلسة قسم اليمين لمجلس الحكم الإنتقالي أن ممثل الإخوان ظهر في مظهر من ارتكب فعلة شنيعة.. ذلك أن المشاركة في هذا المجلس ليس بالأمر السهل.تنظيمات جماعة الإخوان المسلمين في العالم العربي اجرت اتصالات مماثلة مع تنظيم الجماعة في العراق (الحزب الإسلامي العراقي) إثر مشاركة محسن عبد الحميد أمين عام الحزب الإسلامي العراقي في عضوية مجلس الحكم الإنتقالي، وقد بلغ الأمر بجماعة الإخوان المسلمين في الأردن حد ارسال رسالة استفسار رسمية بواسطة الفاكس كي تحصل على رد موثق، بعد أن لم تفلح الإتصالات الهاتفية في اقناعها بصحة موقف "الإخوة" في العراق.

وما ضاعف من انزعاج اخوان الأردن أنهم كانوا من بين تنظيمات اسلامية أخرى مارست ضغوطا على "اخوان العراق" جعلتهم ينسحبون من لجنة المتابعة التي انبثقت عن مؤتمر المعارضة العراقية الشهير في لندن، وسحبوا ممثليهم الثلاثة من هذه اللجنة، ويمتنعوا عن المشاركة في مؤتمر أربيل بالرغم من رغبتهم في ذلك، وهو المؤتمر الذي مورست عليهم ضغوط مقابلة لإقناعهم بالمشاركة فيه، خصوصا من قبل تنظيمات شيعية وكردية من بينها جماعة الإخوان المسلمين الأكراد (الإتحاد الإسلامي الكردستاني) الذين شاركوا في المجلس.

تنظيمات الإخوان المسلمين العربية التي مارست ضغوطها على "اخوان العراق" هي اضافة إلى "اخوان الأردن" الذين يؤيدون المقاومة العراقية المسلحة للإحتلال، الإخوان المسلمين في مصر، حيث المرشد العام للجماعة، وحركة المقاومة الفلسطينية "حماس" المنبثقة عن اخوان فلسطين، وهي مركز الثقل الأساسي الآن من بين تنظيمات الجماعة الأخرى، وكذلك حركة النهضة التونسية برئاسة الشيخ راشد الغنوشي الذي يقيم في لندن وأجرى اتصالات مكثفة مع الدكتور اسامة التكريتي مراقب عام الجماعة في العراق، ورئيس حزبها الإسلامي العراقي، وهو يقيم في العاصمة البريطانية.

التعليقات