31/10/2010 - 11:02

الجلاء" وثقافته المفقودة ! / د.مجيد القضماني

الجلاء
نحتفل اليوم بالذكرى التاسعة والخمسين لعيد الجلاء- يوم رحيل آخر جندي أجنبي عن أرض سوريا الغالية الذي كان حصيلة نضال جماهير شعبنا الأبي من حوران جنوبا إلى حلب شمالاً ومن اللاذقية غرباً إلى دير الزور، ضرب من خلاله أروع الأمثلة البطولية وقدم التضحيات الجسام مؤكدا في كل موقعة انه يرفض الإذلال والتبعية وأنه متمسك بسيادته وعروبته. ولهذا تكتسب ذكرى الجلاء في ظروفنا الحالية أهمية استثنائية في معانيها ومصادر قوتها.
ان "سر القوة" التي جعلت شعبنا ينتصر على فرنسا ومعداتها الحربية والاستخباراتية ويفوز بالحرية والاستقلال، هو وحدة كلمة الثوار وتحليهم باليقظة العالية والهمة النضالية الدائمة في مختلف بقاع الوطن وعلى مدار أكثر من ربع قرن من الكفاح منذ ان وطئت فيها القوات الفرنسية بقيادة الجنرال غورو ارض سوريا وحتى جلاء آخر جندي غاز عن أرض الوطن.
وفي أجواء هذه الذكرى ودروسها العظيمة، لا بد لنا في الجولان المحتل، ونحن من الورثة الشرعيين لهذا الإرث النضالي المجيد الذي شارك أجدادنا في صنعه، لا بد لنا من التنبه إلى مخططات إسرائيلية قد تكون تحاك حاليا وتستهدف "السمعة الجماعية" لأهالي الجولان عبر استدراج أطراف محلية غير متنبهة بما يكفي لخطورة الترويج لمنطق "تقاطع المصالح بالصدفة" مع الاحتلال.
الدولة المحتلة لم تتمكن من الانتصار على الحركة الوطنية في معظم المعارك العلنية التي خاضتها ضدها منذ بُدء بتشيدها مع بدايات الاحتلال على يد مجموعة قليلة من المناضلين الصادقين المفعمين بالمحبة للوطن والإخلاص للعروبة، إلى ان اتسعت سنة بعد سنة حتى بلغت ذروتها ابان فترة الإضراب المفتوح ومعركة الجنسية وقانون الضم، وصولا إلى يومنا هذا حيث المئات من الشبان والصبايا المصرين على صون هذه الانجازات المشرفة التي تحققت على يد من سبقهم من الوطنيين الجولانيين.
الدولة المحتلة، مهما اعتقدت أنها تمسك بخيوط اللعبة، ستبقى بعيدة عن امتلاك ناصية الحقيقة في مجتمعنا، كونها غريبة ودخيلة عليه وليس بمقدورها استيعابه وسبر أغواره، ومهما بدت للوهلة الأولى قوية و"تمسك بخيوط اللعبة" إلا أنها في حقيقة الأمر وفي المنظور التاريخي ضعيفة واحتلالها زائل لا محالة.
ولكن الإيمان بالتفوق التاريخي والأخلاقي عليهم، لا يعفي الحركة الوطنية الشبابية في الجولان من ضرورة التيقظ دائما صونا للإرث النضالي والثوابت الوطنية. ولأجل ذلك نحن بحاجة إلى المزيد من الحوار إن كان عبر لقاءات مباشرة أو بواسطة الكتابة على ان تكون "بأسماء حقيقية" وليس مستعارة تثير التساؤلات حول مصداقيتها وتدفع بأصحاب الرأي المخالف إلى أن ينأوا بأنفسهم عن الدخول في مناقشة جادة مع "أشباح"..! على أي حال هذا الموضوع يتطلب من أصحاب المواقع الانترناتية الجولانية دراسته وتقديم تصورات عملية للخروج من "لعبة الغميضة" هذه حتى لو أدى ذلك إلى انخفاض في مستوى التفاعل مع المقالات المنشورة.(تعقيب واحد باسم حقيقي أفيد من عشرة بأسماء مستعارة).
نحن بحاجة إلى هذه الحوارات الصريحة والجريئة حتى تساعدنا على استشراف أفاق تطورنا المستقبلي. فأي تجمع بشري مهما قل تعداده، ومهما كانت ظروفه يحتوي على العديد من الآراء ومن المستحيل أن نكون نسخة واحدة، بل أنه خطير فلولا التنوع في الطبيعة لكانت فنيت منذ أمد، ولولا الخلاف الفكري لفقدت الحياة لذتها ومتعتها وانعدم الاجتهاد وهو الدافع للتقدم والتطور. ولكن في الوقت نفسه الاختلاف في القناعات والمعتقدات دون ضوابط محددة ودون توفر آلية تنسيق ملائمة هو طريق للتحارب والصراع.
فقط بعد عودة السيادة السورية كاملة على الجولان يحق لكل منا أن يبحث عن الانسجام الكلي مع ذاته وان يعبد "الرب" الذي يروق له وفق ما يراه مناسبا، أما في ظروف الاحتلال فان تغليب القواسم المشتركة وتكريس مبدأ التشاور والتنسيق هو مطلب شرعي ومحق ولا استغناء عنه.
هل من الممكن إيجاد آليات صحيحة للتشاور والتنسيق في الظروف الراهنة؟ وهل هناك من ضرورة لها؟

أن الإجابة بكلمة نعم على هذا السؤال جلية للغاية وقد ترتقي إلى مستوى البديهة. إذ من الممكن القول، بأن مهمة التصدي للاحتلال دفاعا عن عروبة وسورية هذه الأرض وسكانها يفترض بذاته توحيد جهود الجولانيين. إلا أن الماضي القريب يجعل من هذا الحكم البديهي إشكالية فيها من التعقيد ما يكفي لعدم توهم الحل السهل.

فعندما يصر البعض على رفض مرجعية "الشرق" كمرجعية عليا فانه يدفع إلى تعميق حالة الخلاف وعندما يصر البعض الأخر على "القدسية المطلقة" لهذه المرجعية لدرجة عدم السماح حتى بمناقشتها، فانه يعمق حالة الخلاف تلك. وبين هاتين الحالتين "الراديكاليتين" تنعم السلطة المحتلة وتتلذذ بأنصاف الحلول!

ان الإقرار بـ"مرجعية الوطن" كمرجعية عليا، تسعى لتجاوز "الخلل" الذي رافق الحركة الوطنية في الفترة المنصرمة. وهي رؤية تدريجية تتحقق عبر تربية الذات الفردية والجماعية بخصوص مفهومي "الدولة" و"السلطة" وان الأولى هي للجميع بغض النظر عن قناعات سياسية نقدية حيال "السلطة" لدى هذا أو ذاك من الشباب الوطني. وفقط العلاقة الصحيحة والسليمة مع مفهومي "الدولة" و"السلطة"، هي المؤهلة لترتيب منظومة مؤسساتية تستجيب لمتطلباتنا الحياتية واحتياجات مجتمعنا المعنوية والمادية التي تزداد يوما بعد يوم.

باعتقادي، ليست هناك من صيغة قادرة على تأمين هذه المتطلبات ومقبولة وطنيا، أكثر من "مأسسة" العلاقة بين الأرض المحتلة والوطن وهي عملية حساسة ومرهفة لا تحتمل "نزقية" أو مراهقة سياسية خاصة وانها ستضع المشروع الوطني في الجولان أمام مهمة تنظيم ذاته كما وانها سترفع مستوى خطابه من "تقصير رسمي" إلى تفعيل محلي.

التعليقات