تبدي الحكومة الإسرائيلية تجاه رئيس السلطة الفلسطينية، محمود عباس، بوادر تلبس رداء حسن النية إلا أنها في حقيقة الأمر بوادر سوء نية، وتسعى من خلالها لتعميق الشقاق الفلسطيني وتكريس احتلالها بأدوات فلسطينية مستخدمة تصنيفات مشوهة في إطار الدجل الذي يسمى صراع المحاور.
تعتبر الحكومة الإسرائيلية الحالية من أضعف حكومات الدولة العبرية إلا أن ضعفها يجعلها أكثر خبثا ودهاء ومراوغة لضمان بقائها، ورغم أن مراوغتها مكشوفة إلا أنها تجد من يصدقها، أو ربما من يتحالف معها دون أن يصدقها.
لقد صرح رئيس الوزراء الإسرائيلي في أكثر من مناسبة أن الحكومة الإسرائيلية ستعمل للحيلولة دون أي تقارب بين محمود عباس وحماس، وذلك لأن مثل هذا التقارب ينسف كافة المخططات الإسرائيلية ويعري الكذبة التي تسوقها الحكومة الحالية بأن الصراع هو صراع محاور. وتصنف إسرائيل نفسها مع محور المعتدلين إلى جانب رئيس السلطة الفلسطينية، مغيبة واقع المحتل والواقع تحت الاحتلال، في حالة هي فريدة من نوعها، لا يوجد لها مثيل في التاريخ، إذ لا يوجد في تاريخ شعوب العالم أي تصنيف جمع بين المستعمر والواقع تحت الاستعمار أو المحتل والواقع تحت الاحتلال، إلا في أيامنا هذه، في عهد رئيس الحكومة الإسرائيلية الخائب إيهود أولمرت. وتسعى إسرائيل من هذا التصنيف إلى إيجاد قوة فلسطينية تقوم بالمهمات نيابة عنها، أي خلق وكيل فلسطيني للاحتلال دون إبداء أي نية لإنهاء هذا الاحتلال ضمن الحد الأدنى من المطالب الفلسطينية.
هذه الحكومة ضعيفة وغير قادرة على اتخاذ قرارات مصيرية، لهذا تبحث عن مخارج لأزمتها وليس لأزمة الفلسطينيين، ويلعب الانقسام الفلسطيني، الذي غذته، لصالحها..، لتلعب لعبة المعتدل والمتطرف في أكبر عملية تزييف في القرن الحالي. وسؤالي لمن يراهنون على نوايا حكومة الاحتلال: هل أبدت إسرائيل استعدادها للانسحاب إلى حدود الرابع من حزيران عام 67 ويعني ذلك إزالة المستوطنات والجدار، حتى تراهنوا عليها؟ الجواب بطبيعة الحال لا.. ولو كان كذلك لما حدث الانقسام الفلسطيني ولما وصل الواقع الفلسطيني إلى ما وصل إليه، ولما كان بمقدور أولمرت أن يلعب لعبة التطرف والاعتدال.
ترفض إسرائيل حتى مجرد الحديث عن قضايا الحل الدائم مع رئيس السلطة محمود عباس الذي بعد سنوات من مراهنته على التسوية ومن علاقاته الودية لم يحصل سوى على أموال الضرائب و256 أسيرا من بين 11 ألف أسير وتحريك حاجز عدة أمتار، في حين يتواصل تهويد القدس وبناء الجدار والاعتقالات والاغتيالات والملاحقات وانتشار الحواجز التي تقطع أوصال الضفة الغربية، ويلتقيه أولمرت ليحدثه عن الأفق السياسي، الدجل الإسرائيلي الذي يسمى الأفق السياسي، الذي لا يُعرف له لون ولا طعم أو رائحة..! هل يمكن لرئيس السلطة أن يُعرّف لنا الأفق السياسي بجملة واحدة غير " الدجل السياسي"..
رفضت إسرائيل والولايات المتحدة والغرب نتائج الانتخابات الفلسطينية وفرضت حصارا جائرا على الشعب الفلسطيني، ولو لم يكن في الشعب الفلسطيني من صنفوا أنفسهم معتدلين لما نجح الحصار.. ولو لم يكن من وعد إسرائيل بالإفراج عن أسيرها مجانا لما انتظروا حتى يومنا هذا ولو كان التعامل مع الاحتلال على أنه احتلال وليس حليفا أو شريكا في نفس المحور لما وصلت الأمور إلى هنا... ولكن حين تستشرس الصراعات الداخلية وتتملك الحسابات الفئوية والنزعات الشخصية القرار، يصبح التحالف مع الشيطان مبررا، وكلما زادت حدة هذه الصراعات خف الشعور بالخجل من تلك التحالفات وتصبح المجاهرة بها لها ما يبررها بنظرهم.
يدرك السواد الأعظم من الفلسطينيين أن أولمرت لا يعول عليه في أي حل، ولكن يتم التعاطي معه من نافذة الصراع الداخلي، وهو أبعد ما يكون عن المصلحة الوطنية.
مبروك لـ 256 عائلة فلسطينية خروج أبنائهم إلى الحرية ولو كانت ببادرة سوء نية من المحتل، وكل الحزن والأسى لأكثر من 11 ألف عائلة فلسطينية يقبع أبناؤهم في السجون ومثلهم استشهدوا ومثلهم معاقون، ومثلهم مطاردون، وحزني على من ينتظرون على الحاجز ومن لا يجدون قوت يومهم وعلى من يؤمنون بصراع المحاور..
31/10/2010 - 11:02
بوادر سوء نية تلبس رداء حسن النية../ حسن عبد الحليم
-
التعليقات