31/10/2010 - 11:02

تقرير عن المواقف والألغام في "قمة الخائفين من الحرب"/طلال سلمان

تقرير عن المواقف والألغام في

لم تفشل “قمة الخائفين من الحرب"، فهي قد انعقدت (ولو متأخرة) ثم إنها قد حددت "موقفاً " واضحاً ضد الحرب الأميركية على العراق، وجددت الالتزام (المعنوي!) بموجبات النضال الفلسطيني ضد الاحتلال الإسرائيلي، وإن هي بقيت دون الحد الأدنى ممّا يطمح إليه المواطن العربي مدركاً أن مطامحه تتجاوز قدرات المجتمعين في شرم الشيخ.

كان الرهان أن الخلافات التي سبقت “القادة” إلى المنتجع المصري عند بوابة خليج العقبة، سوف تمنع اكتمال عقدها بتغيّب أو تغييب العديد منهم، أو أنها قد تفجرها من الداخل فتمنع صدور موقف عنها، أو قد تنهيها في أحسن الحالات ببيان مائع الكلمات، غامض الدلالات، يشجع الإدارة الأميركية على خوض عدوانها مطمئنة إلى تواطؤ “عربي” مغلف بشيء من التمنع، بدل أن يردعها فيمنع الحرب الظالمة على واحدة من أهم الدول العربية وأعرقها.

لكن الإحساس بخطورة اللحظة، والخوف على الذات من مغبة الفشل، بل من العجز عن بلوغ “الموقف الأوروبي” الذي أوصل دولاً غربية عريقة في تحالفها مع “قيادتها” الأميركية، مثل فرنسا وألمانيا، إلى التصادم معها، ورفضها منطقها الفوقي في تبرير الحرب، فضلاً عن موقف الاعتراض الروسي والصيني، ثم موجة الاحتجاج الهائلة التي أنزلت الملايين الى الشوارع في مختلف دول العالم الغربي، بما في ذلك المدن الأميركية، ناهيك بالغضب العارم الذي عبّر عنه العالم الإسلامي، كل ذلك زاد من خوف “القادة” من الفشل ومواجهة شعوبهم مرة أخرى بعجزهم عن حمايتها، حتى عندما يطال التهديد الأميركي هذه الأنظمة القائمة، فيلوّح بإسقاطها تمهيداً لإقامة “شرق أوسط” جديد تكون إسرائيل نموذجه الأكمل والقوة المهيمنة فيه، تحت الرعاية الأميركية.

أما العنصر الحاسم في بلورة “القرار” الذي أنقذ القمة من الفشل، وأنقذ العديد من “القادة” العرب من أن يوصموا بالعار ويدانوا بتهم تتراوح بين الخيانة والتوريط، فقد تمثل في موقف الرئيس السوري الشاب بشار الأسد.

ولعل سوريا ومعها لبنان وقلة قليلة من الدول العربية قد جاءت الى القمة مسبوقة بموقف معلن ومحدد ولا مجال للمساومة عليه أو القبول بما هو دون ما تضمنه “البيان” الشهير الذي صدر عن وزراء الخارجية العرب، في القاهرة قبل أيام، واعترض عليه البعض، وقال آخرون إنهم قد “تحفظوا” عليه، وتهرّب بعض ثالث من المسؤولية عن إصداره بإحالتها الى “أصحاب القرار”.

لقد كان بشار الأسد في القمة أقرب ما يكون الى المواطن العربي المجروح في كرامته، المهدد في حياته، المطارد بالذل والإذلال في حقوقه في أرضه، والمتجرع المهانة وهو يرى “الغرباء” ينتصرون لحقه أكثر ممّا يُسمح له بأن يحفظه أو يحميه هو ولو بالقتال..

طرح الرئيس بشار الأسد “الموقف” الطبيعي (وهو يبدو في مثل هذه اللحظة في عيون الكثير من القادة العرب وكأنه تهور) الذي وحده يمكن أن ينقذ القمة من فشل مدوّ..
فكان “الموقف” شجاعا بغير مزايدة، موجعا في صراحته بغير مجاملة، وعمليا في تحديد المطالب، ولو بحدها الأدنى بغير تهاون، وفي الإصرار على الأخذ بها لاستنقاذ القمة (بل الأنظمة) من تهمة التفريط بسلامة الأوطان والدول، والصدوع للأوامر القاضية بفرض الوصاية الأميركية على “عراق ما بعد صدام حسين”، وبالاستطراد مجموع الأنظمة تمهيدا لقيام “الشرق الأوسط الجديد” كما تريده إدارة جورج بوش (وحليفها أرييل شارون)..
كانت القمة أمام أقسى امتحان يتعرض له المشاركون فيها، فاللحظة أخطر من أن يمكن أن تعالَج ب”اللاموقف” أو “بالموقف الرمادي”: ففشل القمة يعني فشل هؤلاء القادة الملتقين فيها ويعني تسليم القرار في الشؤون العربية (الخارجية والداخلية) إلى الأجنبي، الأميركي بالدرجة الأولى، والخضوع لوصايته بالمطلق..

ولعل فشل هذه القمة بالتحديد كان مطلوبا بإلحاح: الفشل في عقدها، فإذا ما أمكن تخطي الصعاب وجرى عقدها (بأعجوبة) فإن ألغاما كثيرة معدة سلفا لتفجيرها من داخلها تكون جاهزة، ويجري تفجيرها عن بعد (عبر مكالمة من كولن باول مثلا للأمين العام لجامعة الدول العربية)، أو عبر اقتراحات مرتجلة ومباغتة كالاقتراح أن “تأمر” القمة صدام حسين بالتنحي (مع ضمانات له ولأسرته!!) وان يُعهد بترتيب مرحلة ما بعده إلى الجامعة العربية والأمين العام للأمم المتحدة!

والمتأمل لوقائع الجلسة الأولى (واليتيمة) للقمة التي انعقدت “مسلوقة” وأُنهيت “محروقة”، لا بد من أن يستغرب انهيارها المباغت بعد الصدام الذي شجر فجأة؟! ومن دون مقدمات مقنعة بين العقيد معمر القذافي والأمير عبد الله بن عبد العزيز.

فما سمعه الناس (في البث المباشر) من قائد ثورة الفاتح في ليبيا لا يستدعي غضبة مضرية كالتي انفجر بها ولي العهد السعودي. لم يكن القذافي يتهم أو يدين، بل كان يسرد واقعة معينة مر عليها الزمن (من العام 1990) بغير اتهام للسعودية أو إدانة لملكها أو لنظامها. ولا يمكن تفسير الهجوم المباغت الذي شنه الأمير عبد الله بما سمعه الناس، بل بما لا يعرفونه (اليوم) وقد لا يعرفونه إلا بعد وقت طويل، وربما يحتفظ بسره الطرفان المعنيان.

لكن اللافت أن كلا منهما قد اتهم الآخر بأنه يفرط بسيادته ويخضع للأميركيين، أو أنه ومنذ وصوله إلى السلطة صنيعة الأميركيين.. مع ذلك تبقى الحدة التي تصرف بها الأمير عبد الله والتي استغربها الجميع غير مفهومة، خصوصا أن كلامه تضمن شيئا من التهديد للقذافي: “ليس وراءك غير الكذب وليس أمامك غير القبر”!
في معلومات مسؤولين كبار شاركوا في القمة و”قرأوا” ما كان قد دبر لها في ليل، ان أكثر من محاولة لتخريبها قد جرت، ولكن الحريصين على انجاح القمة افشلوها.

وفي معلومات هؤلاء الدقيقين في ملاحظاتهم ان “المروجين للحرب الأميركية” او “المتواطئين” مع الأميركيين، او الخائفين من الخروج بموقف محدد وواضح، قد اخترعوا مجموعة من المسائل الخلافية التي كان يمكن ان تمنع صدور بيان، أي بيان، عن هذه القمة، فكيف ببيان قوي يرفض الحرب و”يحرم” المشاركة فيها، ويدين التدخل الخارجي في شؤون الوطن العربي، وتطوير انظمته، وهو أمر “تقرره شعوب المنطقة بما يتفق مع مصالحها الوطنية والقومية”، ويستنكر “ما يتردد عن محاولات رامية الى فرض تغييرات على المنطقة او التدخل في شؤونها”.

لكن البيان صدر، بالنتيجة. وهو، عمليا، “أقوى” مما كان متوقعا صدوره عن قمة الخائفين على انفسهم أكثر من خوفهم من الحرب على العراق.

ثم ان البيان قد أكد على “بديهية” الترابط بين الحرب الأميركية التي يراد تدمير العراق بها، وبين الحرب الإسرائيلية المفتوحة على شعب فلسطين وسلطته والتي تلتهم كل يوم المزيد من الشهداء ومن البيوت والمرافق المحدودة.

الأهم ان القمة قد خرجت باتفاق على تشكيل وفد عربي يذهب بهذا “الموقف” الى دول العالم، لا سيما الى الاعضاء الدائمين في مجلس الأمن، والى أوروبا التي يمكن ان يقال انها وقفت مع العرب أكثر مما وقف العرب (عبر أنظمتهم) مع أنفسهم..

وقد جاء تشكيل الوفد وفق الاقتراح السوري: من يمثل رؤساء القمم الثلاث، السابقة والحالية واللاحقة، أي لبنان والبحرين وتونس، والأمين العام لجامعة الدول العربية.

ويبدو ان مصر غيرت رأيها فقررت المشاركة في هذه اللجنة، وثمة اقتراح بأن تنضم سوريا اليها فتصير خماسية ( الأمين العام للجامعة).

في تقدير مسؤولين كبار شاركوا في القمة و”يقرأون” ما سوف يكون: فإن هذا الموقف العربي، على كونه أقل من المأمول والمطلوب، سيحرج الأميركيين، وسيشجع الأوروبيين ويعزز منطقهم الرافض للحرب، بل هو سيؤثر ايجابا على الموقف التركي الذي ما زال يقاوم الضغوط الأميركية الثقيلة. وإذا ما صمدت تركيا للضغوط فسيغدو شن الحرب الأميركية على العراق صعبا، إذ ستكون معظم دول الجوار معارضة للحرب، مما يحرم جيوش الغزو الأميركية من استخدام جبهات عدة في هجومها المحتمل، فضلا عن تعاظم الجبهة السياسية المعادية للحرب بما يفرض على الإدارة الأميركية ان تعيد حساباتها.

ويمكن القول، في النهاية، ان “البيان” جاء اقوى من القمة.

كما يمكن تسجيل الملاحظات السريعة التالية:
1 -ان الموقف اللبناني كان جيداً. وقد أسقط “وضوح” البيان الصادر عن القمة كل تلك الذرائع التي استخدمت لحملة التشهير بلبنان واتهامه بأنه قد تجاوز حدود دوره، كرئيس للقمة، عندما تولى وزير خارجيته قراءة البيان الصادر عن الاجتماع الطارئ لوزراء الخارجية العرب في القاهرة، في 17 شباط الماضي.
ولقد كان الرئيس إميل لحود ناجحاً في خطاب “تسليم” الرئاسة للبحرين، أكثر من نجاحه في تسلمها من رئيسها السابق الذي أناب عنه رئيس حكومته ولم يحضر، ملك الأردن.

2 - ان الخطاب الفلسطيني إلى القمة كان أضعف مما يجب، وبين أسباب ضعفه “نسيان” القادة العرب لقضية فلسطين والاحتلال الإسرائيلي وفظائعه والتي تتركز الآن، إضافة الى المذابح اليومية، على اعتقال “كل” الشباب الفلسطيني الناشط، وعلى تدمير أحياء بكاملها في مختلف مدن الضفة الغربية وقطاع غزة.

ولا بد من التسجيل أن الرئيس السوري بشار الأسد كان الأوضح والأصرح في ربطه بين الحرب التي تدبرها الإدارة الأميركية ضد العراق وبين المذبحة المفتوحة التي تنظمها إسرائيل لشعب فلسطين (وسلطته) في أرضه.

3 - ان الإدارة المصرية للقمة قد أسهمت في منع فشلها، فلولا استخدام الرئيس حسني مبارك دالته الشخصية على الأمير عبد الله بن عبد العزيز لكان غادر القمة غاضباً، فتسبب في إفشالها، وبالتالي في تحمل المسؤولية عن هذا الإفشال.
كذلك، فإن الرئيس مبارك قد استخدم دالته على العقيد القذافي لكي لا يرد على أقوال الأمير عبد الله... ثم انه قد “ترجم” لملك الأردن عبد الله بن الحسين بعض الملاحظات التي افترضها موجهة إليه، فعدل عن “الانسحاب” احتجاجا!

ولعل الرئيس مبارك قد شارك مع الأمير سعود الفيصل في “حجب” المبادرة التي أعلنت باسم الشيخ زايد، حتى لا يُتخذ طرحها ذريعة لتفجير القمة.

وفي الختام، لا بد من التنويه بالوعي الذي تميز به خطاب الرئيس السوري بشار الأسد، خصوصا في توقفه أمام النقاط الآتية:

أولاً - الربط بين فلسطين والعراق، وبالتالي بين إسرائيل وأميركا.

ثانيا - النقد الذاتي الضمني الذي وجهه، بأثر رجعي، الى الدور العربي في حرب التدخل الدولي، مع أن المتسبب فيها يومها كان النظام العراقي... وهو قد اعتبر ما يجري اليوم امتدادا لتلك الحرب الأميركية التي تهدف الى السيطرة المطلقة على المنطقة وتبديل هويتها، والاستيلاء على ثرواتها الطبيعية، والنفط أساساً.

ثالثاً - استذكار الخلاف الذي وصل الى شفير الحرب بين سوريا والنظام العراقي، والذي امتد لعشر سنوات قاسية، مع الفصل بين آثاره وبين الموقف من الاحتلال الاميركي للعراق.

رابعاً - التركيز على ان بين اهداف الحرب الاميركية تعطيل العقل العربي، من خلال “مصادرة” العلماء في العراق وتدمير الانجازات العلمية التي حققوها.

  

لقد خاف “القادة” من شعوبهم، و”خجلوا” من مؤيدي الحق العربي، في العالم، فأمكن إنقاذ “قمة الخوف من الحرب” من فشل كان عشية انعقادها شبه مؤكد.
ويبقى ان ينجح الوفد العربي الذي سيطوف بعواصم القرار، في ان يعكس هذا الرفض العربي الرسمي الاجماعي للحرب الاميركية على العراق، وان يعزز بذلك موقف المعترضين..
وإنه لأمر بائس ان يصبح العرب (وهم اصحاب القضية) مساندين للمعترضين على الحرب عليهم، بدل ان يكون الوضع معكوساً..
لكن، وكالعادة، ليس بالإمكان أبدع مما كان!
______________________________________________

( السفير - 3/3/2003 )

التعليقات