31/10/2010 - 11:02

حول "المجالس المحلية" / د.مجيد القضماني

حول
هناك من لا يتعلم من الماضي ودروسه. فها هم يحاولون مجددا تمرير مشروع "المجالس المحلية"، ولكن هذه المرة بمساعدة " شخصيات شبابية مقبولة اجتماعيا" تحت حجج خدماتية-نفعية، كان مجتمعنا قد رفضها بالماضي معتمدا مبدأ ان الحياة ليست فقط "مصالح ومنافع" وإنما هي أيضا مواقف كرامة..!

لقد عرف التيار الوطني في الجولان المحتل كيف يتفاعل بنجاح مع المهمات النضالية منذ أيام الاحتلال الأولى رافضا الخنوع والتذيل لسلطات الاحتلال ومعاديا للذين يقفون في خندقها من المتساقطين والأعوان. ولقد تمكن، مرحلة اثر مرحلة، وعبر اختياره لإشكال نضالية ممكنة بالنسبة لواقعنا وظروفنا من إفشال مخططات الاحتلال والحفاظ على انتمائنا السوري مستمدا قوته من "أبعاد أخلاقية ومعنوية" في وجه إغراء الحاجيات والمتطلبات المعيشية.

لقد اختار التيار الوطني المواقف المشرفة لمجتمعنا الجولاني ومواقف العزة والكرامة الوطنية ولم يتذرع بـ " الخدمات والرفاهيات " ليقدم على تنازلات مبدئية..! لقد تبنى مجتمعنا، طوال سنوات الاحتلال، مواقف حرة وشجاعة دفاعا عن كرامته الوطنية، رافضا "الرشوة" من قبل سلطات الاحتلال وإغراءاتها، وبذلك يكون قد حاكى الضمير الحي وأصالة أبناءه وكبرياءهم ولم يحاك جيوبهم ومصالحهم.

ولكن هناك على ما يبدو من يعتقد ان الأمور تبدلت والأحوال تغيرت، فقد أعلنت مجموعة من الأفراد ( ليست ذات صفة تمثيلية وغير مخولة من أكثرية المجتمع) عن لقاء عقدوه مؤخرا مع "متصرف لواء الشمال" وقالوا انهم تباحثوا معه في شؤون "مجدل شمس والمجلس المحلي" وان "المسؤول" وعدهم بفحص قائمة طلبات والرد عليها " ولكنه ليس واثقاً من قدرته على حل جميع المشاكل"..!( هكذا إذن. أصبحنا نحن الذين نستجديهم وهم "يتثقلون" ويطلبون مهلة للتفكير..!!)

لنفرض "جدلا" ان البعض قرر رمي "الموقف المبدئي" جانبا من اجل تحقيق خدمات نفعية لمجتمعه وأبناء بلدته، هل هناك من يستطيع ان يضمن ان الأوضاع الخدماتية ستكون أفضل حال مما هي عليه لدى إخواننا من "عرب48"؟! وهل "تزفيت شارع" أو "إنارة حارة" يستحق هذه التضحية بالمبادئ والثوابت؟! هل "تخفيض سعر الكهرباء" أو "إقامة منطقة سياحية على طريق اليعفوري " أو "تنظيم شبكة المجاري" تستاهل مقابلا لها التضحية بـ "الوثيقة الوطنية"؟!!

ثم لماذا المبالغة وتصوير الأمور وكان مجدل شمس تعيش ظروفا اقتصادية وخدماتية سيئة وخطيرة لهذه الدرجة؟! لنكن جديين ونعترف بان الذي ينقصنا هو من الكماليات وليس من الأساسيات، أما إذا كان بعضنا يريد مسك العصا من جانبيها فهذا أمر آخر: من جهة، وطنيون وصامدون (أمام التلفاز والإذاعات) ومن جهة أخرى، مستعدون لتجاوز ثوابت وطنية، مقابل " إنارة شارع"!!!

لماذا هذه "الهرولة" باتجاه سلطات الاحتلال وبإمكاننا ان نعتمد على قدراتنا الذاتية، وان نشكل "لجان مهمات" متعددة الاختصاصات وان نصل تدريجيا إلى ما هو أشبه بـ " مجلس بلدي أهلي بديل" يقوم بدراسة احتياجات بلدتنا وما ينقصها من مشاريع اقتصادية وثقافية، وبإمكان هذا "المجلس البديل"، ان يلعب دور "صلة الوصل" مع الاحتلال ومؤسساته وبضمنها المجلس المحلي المعين إذا تطلب الأمر ذلك، ليطالب بحقوق أبناء مجتمعه ومصالحه ولكن ليس عبر استجداء المعونة بل من منطلق نضالي صدامي مع الاحتلال يكون عمقه ومصدر قوته هو البعد الجماهيري والتراث الوطني وليس العلاقات الشخصية لهذا أو ذاك من "أصحاب النفوذ"!

أليس من الأجدر والأفيد ان تتم المطالبة بحقوق أبناء مجتمعنا بناءا على ما تكفله التشريعات والقوانين الدولية المتعلقة بتسيير الأمور المعيشية للمواطنين القابعين تحت نير الاحتلال دون أن نضطر كمجتمع وكأفراد لتقديم تنازلات سياسية قد تطال لاحقا الثوابت الوطنية. من يتوهم ان بمقدوره خدمة مجتمعه والدفاع عن حقوقه عبر "التملق لسلطات الاحتلال ومسؤوليها"، هو واهم جدا وسيكتشف مع الأيام مدى جهله بقوانين وطقوس "العمل الاجتماعي-السياسي".

أليس أفيد لمجتمعنا بدل الهرولة إلى ممثلي سلطات الاحتلال والتباكي إمامهم طلبا للخدمات والرفهيات وتكريس ثقافة الخضوع والخنوع والنفعية والمصالح الضيقة، التفكير بابتكار "أدوات عمل" ضمن سياق خصوصيات وضع أهالي الجولان الذي يختلف اختلافا جوهريا عن وضع "الأقلية العربية بالداخل"، علما ان " نسخ " تجربة المجلس المحلية في البلدات العربية لدى إخواننا عرب48، لن تفيدنا بشيء وهي غنية بالمنغصات والاحباطات وبإمكان من يرغب أن يطلع على صيرورتها ويقف على تجربتهم "الحزينة" في هذا المضمار..!

ولماذا ننسى اننا ننتمي إلى دولة مستقلة، التزمنا وقطعنا عهدا على أنفسنا بصون سيادتها على ارض الجولان المحتل وهي ملزمة برعاية شؤوننا وتقديم البدائل الوطنية المطلوبة. ولكن حتى يتحقق هذا التواصل المنشود مع الوطن، علينا كجولانيين، أولا: أن نرغب ذلك بصدق وبجدية، وثانيا: أن نقوم بتنظيم أنفسنا وتشكيل اللجان المهنية المختصة والملائمة.

على كل حال، المستعمرون، مهما بدوا أقوياء، إلا ان مصيرهم الاندثار. وعلى أصحاب المصالح الضيقة والمشاريع الشخصية أن لا يستخفوا بتاريخ مجتمعهم النضالي وان لا يقللوا من قدرته على التصدي والمقاومة إذا استدعت الظروف ذلك. لقد توهم الاحتلال الإسرائيلي القوة عام 1982 واعتقد ان "أكثرية الناس" سوف ترحب بمشاريعه، فقرر فرض جنسيته على أبناء الجولان ولكن كان له الشرفاء بالمرصاد فأرجعوه على عقبه خائبا. ولن يتوانى شباب الجولان الوطني عن خوض معارك جديدة دفاعا عن ثوابتنا الوطنية وعن عروبة وسورية هذه الأرض وسكانها ولن يحصد من يحاول تمرير مشاريع سلطوية، إلا الخيبة والعار.

التعليقات