31/10/2010 - 11:02

قمة التعرية العربية../ حسن عبد الحليم

-

قمة التعرية العربية../ حسن عبد الحليم
تعوّد الشارع العربي أن لا يأخذ القمم العربية على محمل الجد، واعتبر أنها «كلها قمم»، بذات النكهة والألوان والبيانات والبروتوكولات. وتبدو الصور الجماعية متشابهة، كذلك الجلسات المستديرة وتصريحات عمرو موسى، والاستقبالات في المطارات واللقاءات الثنائية. لكن قمة دمشق التي اختتمت قبل أيام لها طعم آخر. وكونها اختتمت ببيان كباقي القمم لا يعني أنها كباقي القمم، على الأقل ليست كالقمم التي أعقبت نكسة حزيران عام 1967.

طالما استخف المواطن العربي بالقمم العربية، وفقد الأمل منها، لأنها كانت بعيدة آلاف الأميال عن الحد الأدنى من طموحاته، ولأنه يعتبر أن المناورة بين الأبيض والأسود خيانة لطموحه.

انتهت القمة بمن حضر، وبمن غاب، أو تغيب أو غُيب وبقيت الغصة في قلوب من لم تكن القمة تعني لهم شيئا في السابق، ووجودها وعدمه كان بالنسبة لهم سيان، ولكن الأسابيع التي سبقت القمة جعلتهم يخفضون سقف أمنياتهم التي لم تلبها القمم السابقة، وأصبح التمني ينحصر في مجرد انعقاد القمة بحضور كافة الزعماء، لأن غير ذلك يعني ما نحاول أن لا نراه، أو نراه ونشكك به، أو نراه وندرك- ولكننا نتمسك بأشلاء أمل.

أثبتت القمة التي أسقطت كثيرا من الأقنعة، أن سياسات بعض الدول العربية تتساوق بشكل شبه كامل مع السياسة الأمريكية ومشاريعها في المنطقة، أو ربما تتساوق إلى حد ما، وفي ذات الوقت تلتقي مصالحها مع تلك المشاريع والسياسات. صحيح أن قمة دمشق ليست الأولى التي تعقد في حقبة القطب الواحد، وفي ظل العجز العربي، ولكنها القمة التي عرت الواقع العربي وكشفت تشرذمه وانقساماته وارتباطاته الخارجية بحيث يمكن تسميتها «قمة التعرية العربية».

لا يختلف المحللون أن دمشق امتصت الضربة التي وجهت لها والرامية إلى عزلها ومعاقبتها على مواقفها الرافضة للتدخل الأجنبي في لبنان وسوريا والوطن العربي. وتجاوزت ذلك بكثير من الحكمة والتعقل وضبط النفس، وبعيدا عن الانفعالات، وسجلت نقاطا على من قاطعوا القمة برغبتهم أو برغبة غيرهم.

إن مقاطعة القمة باسم أزمة لبنان هي ضربة للبنان أولا ولسوريا ثانيا ولكافة قوى الممانعة في الوطن العربي. وسخرية القدر أن كل الأجانب يعيثون فسادا في لبنان وفي ذات الوقت يطلقون تصريحات رافضة للتدخل الأجنبي فيه، ويعنون سوريا، ويحذرون من مغبة هذا التدخل، بالرغم من أن الأزمة الحقيقية قائمة بوجودهم ولا أزمة بدونهم، إذ يسعون إلى تفصيل لبنان على مقاساتهم. وكما في فلسطين، في لبنان أيضا، لولا وجود مجموعة تتساوق مع تلك السياسات الدخيلة لما وجدت لها موطئ قدم.

بعد القمة، نحن على أعتاب حقبة جديدة، تكشفت فيها الأوراق رغم أنها كانت ظاهرة، وأصبح أدنى حد من التضامن العربي في خطر، وربما نكون قد دخلنا فعلا في مرحلة تكريس صراع المحاور المصطنع، والاضطلاع بأدوار في صراع مزيف هو صنيعة أمريكية صهيونية، تحكمه مصالح ضيقة على حساب المصالح الجماعية والوطنية والقومية.

آن الأوان لإعادة الحسابات، وربما صراحة الرئيس الليبي معمر القذافي التي رافقته طوال عشرات السنين كان لها وقع مختلف هذه المرة، وربما ينبغي أن يأخذها الزعماء العرب على محمل الجد..

التعليقات