31/10/2010 - 11:02

لغة الهيبروآراب المحتلة / سليم ابو جبل

لغة الهيبروآراب المحتلة / سليم ابو جبل
عند احتلال البلاد العربية في القرن الماضي، لجأ المحتلون إلى إحلال لغتهم محل اللغة العربية، كما حدث في المغرب والجزائر وتونس، فوظف الاحتلال طاقاته المادية والفكرية، واستطاع بوسائله المختلفة جعل من لغته، لغة التعامل اليومي بين الناس، ولغة العلوم والتفكير والبحث، وفي ذلك تطبيق للمبدأ الذي وضعه ابن خلدون الذي يقول:"المغلوب مولع أبدًا بالغالب في شعاره، وزيّه، ونحلته، وسائر أحواله وعوائده، والسبب في ذلك؛ إن النفس أبدًا تعتقد الكمال فيمن غلبها وانقادت إليه".

لغة الهبروآراب

تفرض وسائل الإعلام الإسرائيلية نفسها علينا من خلال برامج الإذاعة والتلفزيون، وهي برامج موجهة إلى العرب. وإحدى النواقص التي تواجه المثقف العربي الفلسطيني هو النقص في استخدام "اللغة المهنية"؛ إذ يلجأ الكثير من المتخصصين إلى استخدام اللفظ العبري لأنهم لا يعرفون المصطلح المهني المرادف بالعربية".
فهل نسير في اتجاه إيجاد لغة ثالثة محكية عند الفلسطينيين؟ هذا ما حذر منه الدكتور عبد الرحمن مرعي عندما قال:"هذه الظاهرة آخذة بازدياد مطرد، وستنتج في نهاية المطاف "لغة وسطى" وهي خليط من الفصحى والعامية والعبرية يطلق عليها اسم: "هبروآراب".

كلمة "أصلانية" كمثال.

لاحظت في الفترة الأخيرة أن الكتاب والصحفيين العرب في الصحف والمجلات ومواقع الانترنيت العربية المحلية يستعملون كلمة أصلانية في كتاباتهم، وهي صياغة غريبة بالنسبة لي، ووقد يقصد بها الكاتب "أصلي" من كلمة أصل. قمت بعملية بحث محدد في شبكة الانترنيت عبر محرك البحث غوغل وياهو وذلك بوضع علامتي المزدوجين قبل الكلمة وبعدها على النحو التالي: "أصلانية"، ثم "اصلانية" من غير الهمزة على الألف، ثم " أصلانيه" بوضع الهاء محل التاء المربوطة، ثم " الأصلانية" مع أل التعريف، وذلك بسبب الأخطاء الإملائية الشائعة. وصل مجمل عدد مرات ورود الكلمة في مواقع الانترنيت العربية 55 مرة، وهو عدد قليل، ويعني أن الكلمة تكاد تكون غير مستعملة، ويعود سبب ذلك أنها وردت في المواقع العربية التالية:صحيفة بانوراما، موقع مدار، موقع المشهد الاسرائيلي، موقع مدى الكرمل، موقع أروقة التابع للمؤسسة العربية لحقوق الإنسان، موقع عرب 48، المركز الفلسطيني للإعلام، مركز عدالة، جمعية بلدنا... وهي مواقع يكتب بها مثقفون وإعلاميون محليون..وعدد منهم من الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967. والسؤال هل هذه الكلمة العربية نتيجة تأثير الإعلام الإسرائيلي؟ وهل نشكك في سلامتها اللغوية؟

مصداقية أم وقاحة صحفية؟

يقول الأستاذ الدكتور خليل عودة من جامعة النجاح الوطنية في نابلس في دراسة له حول الآثار السلبية للاحتلال على اللغة العربية في فلسطين:" كثيرًا ما يصاحب احتلال الأرض احتلال النفوس، ولا سيما إذا أخذنا بعين الاعتبار التقارب بين العربية والعبرية في نواح كثيرة". ويضيف:"تُفرض المفردات العربية التي يختارها الإسرائيليون بدقة في خطابهم السياسي الموجه إلى العرب، ويُجعل من هذه المفردات شائعة في لغة الإعلام الإسرائيلي المهيمن على الإعلام العربي، مما يعني استسلام العرب، ليس فقط إلى المفردات العبرية، وإنما المفردات العربية التي يختارها الإسرائيلي".

ومن بوادر التأثير الإعلامي الإسرائيلي استعمال الصحفيين العرب للهجة الصحافة العبرية في الراديو والصحف اليومية بشقها الوقح والفج، فرغم ما تحويه الصحافة العبرية من مهنية في العمل، فإنها تطلق أحكامها على الآخر بطريقة خالية من الأدب. هذا السلوك يتبناه الصحفيون العرب دون غيره على أنه سلوك ديموقراطي، فيلجا البعض إلى تبني لهجة تجريحية، ولغة غير مهنية، مما يحدث النفور عند القراء، ويفقد الصحفي والصحيفة المصداقية.

تضع لغة أو نهج الهيبروآراب أقدامها الثقيلة فوق أعين القراء وأذانهم، وتستطيع مع الوقت أن تفرض نفسها وثقلها على الواقع الثقافي المعاش، وهي بذلك تحتل الفلسطيني من جديد بقفازات ناعمة.
على أقل تقدير لا بد من المطالبة بتتبع الحالة ودراستها وفهمها، والطموح المشروع هو أن يكون هناك مجمع لغة عربية يتابع حال اللغة العربية في فلسطين التاريخية، ويضع الناس أمام حالة اللغة التي يستعملونها.

التعليقات