31/10/2010 - 11:02

ماذا غير الذكرى؟../ عوض عبد الفتاح

ماذا غير الذكرى؟../ عوض عبد الفتاح
الجمعة القادم، الثلاثون من آذار، تكتمل 31 سنة بعد أعظم هبة شعبية صنعها الفلسطينيون داخل الخط الأخضر منذ عام 1948. يومها نفض أهلنا عن أنفسهم السلبية وغياب المبادرة المنظمة التي ميّزت سلوك الغالبية الساحقة بين النكبة الفلسطينية الكبرى وعام 1976. بعد أن كانت حولتنا النكبة الى بقايا شعب مهزومة.

منذ ذلك اليوم تبدلت مفاهيم، وتغيّرت سلوكيات وأصبح لدينا ملامح شعب، ملامح «أقلية قومية» بمفهوم القانون الدولي ووفق معطيات الواقع في الدولة العبرية.

كان لهذا الحدث الكبير إفرازات وطنية فلسطينية عامة، انضم يومها أبناء شعبنا الواقعون تحت الإحتلال المباشر في الضفة والقطاع والرازحون في مخيمات اللجوء، الى الإضراب العام والمواجهة والصدامات مع القوات الإسرائيلية. وهكذا أصبح يوم الأرض يوماً فلسطينياً وطنياً يحتفي به سنوياً كل أبناء فلسطين.

في الداخل، كان من المفترض أن يولد فلسطيني جديد وأن تنفتح الأبواب أمامه لتحقيق ذاته، في مؤسسات قومية منتخبة، فالإرادة الجماعية البطولية التي تجسدت في 30 آذار عام 1976، كان ينتظر أن تُترجم الى إنجازات عملية تصعّب على الدولة العبرية مواصلة تمرير مخططاتها الإجرامية المتمثلة بمحاصرة الوجود العربي واحتجاز تطوره. غير أنه كان هناك من فرمل عملية إستكمال الإنجاز.

بالتأكيد ولّدت هبة يوم الأرض العظيمة فلسطينياً جديداً، فلسطينيًا فخورًا غير خانع، وغير سلبي، يواجه المؤسسة والفاشيين الصهاينة بندية وبحقوقه الوطنية والمدنية وبالجهر بانتمائه الى شعبه الفلسطيني وأمته العربية.

غير أن المشاعر القوية وتأكيد المواقف السياسية وإن كانت ضرورية للحفاظ على قدر من التوازن الفردي والجماعي، إلا أنها لا تشكل وحدها ضماناً ولا رافعة للنهوض الحقيقي لأقلية قومية تواجه عدواً شرساً لا زال فاغراً فاه لقضم المزيد من الأرض بل لطردنا من التاريخ.

لا شك أنّ لدى عرب الداخل عناصر قوة نمت لديهم، أو هم نمّوها عبر الثلاثة عقود الأخيرة، حين نقارنها مع فترة ما قبل يوم الأرض، غير أن عناصر الضعف التي تفشت بفعل التداخل والتضافر بين مخططات الدولة العبرية وبين عوامل التخلف الداخلي، لا تزال كبيرة.

مظاهر التشوه والإنتهازية والعنف والتدهور الإجتماعي والأخلاقي تزداد، تغذيها سياسة الإقصاء والتهميش الإقتصادي والمادي والسياسي، وغياب المرجعية الوطنية الموحدة التي من المفترض أن تتحدث باسم كيان قومي.

وقد يحتار المرء في تقييم الحالة عندما تشخص الأجهزة الأمنية الإسرائيلية عرب الداخل كخطر إستراتيجي على إسرائيل، ويوازي هذا الخطر «بالخطر النووي الإيراني». هل هذا التشخيص الذي يأتي من رأس الجهاز الأمني (الشاباك) يوفيل ديسكين، هو دليل على إخفاق اسرائيل في سياستها ضد المواطنين العرب وخيبة أملها من فشلها في تحقيق مخططات كنا لا نعرفها؟ أم دليل على نموّ نزوعها العنصري؟ أم هو نجاح المواطنين العرب في إحباط تلك المخططات عبر وزنهم العددي وتنظيماتهم السياسية؟..

ليست المسألة بهذه البساطة، إسرائيل تعاني فعلاً من أزمة حادة لأسباب تتعلق مباشرة في نتائج صراعها مع الحركة الوطنية الفلسطينية والحركة الوطنية اللبنانية، وكذلك وباصطدام أركانها الصهيونية اليهودية مع الوجود العربي المتكاثر داخل حدودها، هذا مضافاً إلى الفساد المستشري، غير أنه أيضاً لدى الحركة الوطنية الفلسطينية بما فيها حركة عرب الداخل، أزمة أكثر حدة.

فالجانب الإسرائيلي مُنظم في دولة لديه القوة المادية (العسكرية والسياسية) لفرض وقائع على الأرض. وهو لا يرتدع إلا بوجود حركة وطنية منظمة ذات رؤية سياسية واضحة وقدرة تجنيدية شعبية داخلية ودولية وهذا للأسف لا يزال غائباً حتى الآن.

عرب الداخل يحتاجون إلى إعادة تنظيم قواهم وعناصر قوتهم المتمثلة في: عدالة قضيتهم، وإنجازاتهم التعليمية والثقافية والسياسية، وكونهم مجموعة قومية لها حقوق جماعية تسندها الشرعية الوطنية والقوانين الدولية. هذا ما يجب أن نعكف عليه نحن عرب الداخل بجرأة وبانفتاح كبيرين وبثقة في المستقبل.

التعليقات