31/10/2010 - 11:02

نتنياهو يعيدنا إلى قرار التقسيم / حسن عبد الحليم

-

نتنياهو يعيدنا إلى قرار التقسيم / حسن عبد الحليم
لم تزد المخاطر على مستقبل القضية الفلسطينية، في عهد الحكومة اليمينية الحالية، أو بعد خطاب نتنياهو، بل اتضحت أكثر، وظهرت سافرة دون أقنعة، ودون تجميل ومراوغة لفظية. وما التأييد الكبير لخطاب نتنياهو في المجتمع الإسرائيلي(71%) سوى انعكاس لحالة التطرف التي تجتاحه باطراد، بـتأثير فعال لعدة عوامل من بينها الشعور بالقوة مقابل الوهن العربي، وتذويت أساطير توراتية تملكت العلمانيين والمتدينين على حد سواء، وأنتجت زوبعة من التطرف لم يعد فيها مكان للتعقل. وأنتج هذا المجتمع المأخوذ بانفعالاته وبحميته، في أوج تلك الزوبعة، نخبة سياسية شوفينية عنصرية تغالي في التنكر للآخر وحقوقه، بل وتتسابق فيما بينها على التطرف.

انتهجت الدعاية الصهيونية على مدى العقود الماضية سياسة ترويج الأكاذيب وتكرارها إلى أن تذوت كحقيقة، وبعد ذلك يعاد تكرارها لترسيخها وشيوعها. وعندها- لا تعود المحاججة بها وقاحة كما نراها نحن، بل موهبة خطابية، كالتي تنسب لرئيس الوزراء بنيامين نتنياهو.
وصف نتنياهو في خطابه الأحد الماضي الأراضي المحتلة عام 1967 بأنها «جزء من أرض إسرائيل»، ووصف المستوطنين بأنهم «رياديون صهيونيون». وتحدث عن الـ «لاجئين اليهود من البلاد العربية» وما تركوه من أملاك.
«اللاجئون اليهود» تقليعة جديدة من إنتاج العقلية المتغطرسة المتمادية في غيها، وها هي تأخذ زخما ودفعة في الفترة الأخيرة وتتناقلها الألسن. والهدف منها إنتاج قضية متخيلة موازية لقضية اللاجئين الفلسطينيين، وبالتالي اختزال الواحدة بالأخرى. لا بل، لا عجب إن أفضت حسابات الإسرائيليين إلى أن يطالبوا العرب بتعويضات!
ويعني ذلك مبادلة حق من هٌجر من وطنه- بباطل من حل مكانه. ويشبه ذلك إلى حد بعيد مطالبة السارق- ليس فقط بحقوق الملكية على المسروقات التي بحوزته، بل أيضا بأن يدفع صاحبها ثمنها له!

تطرق نتنياهو لجذور الصراع، واعتبر أنها لا تعود إلى اغتصاب فلسطين وتهجير أهلها، بل إلى عدم اعتراف العرب بهذا الاغتصاب وبمولودته غير الشرعية، التي كان مخاضها وولادتها ونشوؤها على أنقاض وآلام الشعب الفلسطيني. وقال نتنياهو إن "جذور الصراع بدأت بعدم اعتراف الفلسطينيين والعرب بقرار التقسيم".
مع العلم أن أول خطوة قامت بها إسرائيل بعد الإعلان عن قبول هذا القرار، الذي اعتبرته ترخيصا دوليا لكيانها، هو التوسع واحتلال الأجزاء المخصصة للدولة الفلسطينية. أي أنها قبلته على مستوى التصريحات ونقضته على مستوى الممارسة. وهذه السياسة ما زالت تتبعها حتى يومنا هذا.

لم نسمع أي مسؤول عربي أو فلسطيني رسمي يدحض تزييف وتشويه التاريخ الذي جاء في خطاب نتنياهو، بدء من أرض الأجداد، وأرض إسرائيل، واعتبار الفلسطينيين «جمهورا» يعيش في أرض إسرائيل، وانتهاء بتزييف جذور الصراع، وخلق قضية تسمى اللاجئين اليهود من البلدان العربية. ويشير ذلك إلى حالة الوهن والتردي التي تجتاح دول الاعتدال العربي التي ما زالت تعقد الآمال على الرئيس الأمريكي باراك أوباما، الذي اعتبر خطاب نتنياهو إيجابيا وخطوة إلى الأمام، وبات على استعداد للتوصل إلى حل وسط حول تجميد الاستيطان.

يمكن أن يكون قرار التقسيم الذي ذكره نتنياهو في خطابه سلاحا بيد العرب للتراجع عن التفريط والتنازلات التي قدموها لإسرائيل مجانا في المبادرة العربية، فردت عليهم بالتجاهل أولا ثم الاستخفاف ثم بالرفض الصريح. ورغم أن القرار المشؤوم 181 كان يهدف أساسا إلى إقامة دولة للغاصبين في فلسطين، وليس دولتين، يمكن للفلسطينيين والعرب اليوم ممارسة ضغط على إسرائيل وعلى المجتمع الدولي والمطالبة بحزم بتطبيقه إلى جانب قرار 194 الخاص بعودة اللاجئين، والتراجع عن مطلب دولة في حدود 1967، كسبيل للوصول إلى إقامة الدولة الواحدة. فقرار التقسيم الجائر والمجحف منح الفلسطينيين 44% من فلسطين التاريخية بينما لا تتجاوز حدود 1967 التي يتغنى بها عرب الاعتدال ليلا نهارا الـ 22% من فلسطين.

اقترح نتنياهو في خطابه، على الفلسطينيين، كيانا أشبه بالحكم الذاتي كان قد عرضه مناحيم بيغين في مفاوضات السلام مع مصر. وتجنب في البداية ذكر «الدولة» إلا في سياقات سلبية: "لن نوافق على دولة حماس في الضفة"،" لا يمكن أن نوافق على دولة فلسطينية دون ضمان أن تكون منزوعة السلاح"، وكان ذلك مقدمة لذكرها في سياق الاشتراطات، بعد أن وظف كافة العراقيل الممكنة أمامها. واللافت أن نتنياهو كان قد أطلع اثنين فقط على خطابه قبل أن يلقيه، وهما غلاة التطرف في معسكر المتطرفين: بيني بيغين، وموشي يعلون، وحصل على مباركتهما، ويشير ذلك إلى أن نتنياهو أعاد صياغة موقف الليكود التاريخي وأحاطه ببهرجة كلامية حول "السلام" و"الدولة". تلك الاصطلاحات التي أفقدها الإسرائيليون معناها وباتت وسيلة للاستخفاف بعقول العرب إلى أن أصبحت مثيرة للاشمئزاز.

ولكي لا يقع البعض في الأوهام فإن عرض «كاديما» للتسوية لا يختلف كثيرا عما عرضه نتنياهو. وكلاهما لا يقبلهما أي فلسطيني مهما كان مفرطا -وحتى لو كانت المفاوضات خياره الاستراتيجي الوحيد. وها هي تسيبي ليفني تساند خطاب نتنياهو وتعتبره «خطوة في الاتجاه الصحيح». تماما كما اعتبره الرئيس الأمريكي أوباما.

التمسك بحق العودة الذي يعتبر جوهر القضية الفلسطينية، إلى جانب العودة لقرار التقسيم، قد تكون أفضل خطوة في الظروف الراهنة. المطلوب موقف عربي وفلسطيني موحد في وجه هذه الغطرسة الإسرائيلية، وليس مزيدا من التنازلات، بل سحب التنازلات التي قدمت، وبناء إستراتيجية ضغط ونضال. لم يعد حل الدوليتين ممكنا، ولم يعد يعتبر حلا.



التعليقات