اعادة اكتشاف علي الجارم كاتبا روائيا

-

اعادة اكتشاف علي الجارم كاتبا روائيا
سيفاجأ كثير ممن عرفوا علي الجارم شاعرا بارزا في النصف الاول من القرن العشرين بأن تراثه النثري يكاد يكون أكبر حجما من ديوانه الشعري كما أن بعض معاصريه اعتبروا رواياته التاريخية أهم من نثر أحمد شوقي الذي لقب بأمير الشعراء.

وصدرت الاعمال النثرية الكاملة للجارم في القاهرة عن الدار المصرية اللبنانية وتقع في 1040 صفحة تضمها ثلاثة مجلدات.

وقال أحمد علي الجارم في مقدمة الجزء الاول ان والده كتب عشر روايات مشيرا إلى أن ما اعتبره تأخرا في اهتمام الدارسين بتراث الجارم يعود إلى عدم اتاحة أعماله "لفترة زمنية طويلة حين منعت الرقابة العسكرية ابان حكم (الرئيس المصري الراحل جمال) عبد الناصر الشمولي اعادة طبع مؤلفات الجارم بالاضافة إلى مؤامرة الصمت التي حيكت حوله في هذا العهد."

وضم المجلد الاول روايات (فارس بني حمدان) 1945 و(الشاعر الطموح) 1947 و(خاتمة المطاف) 1947. في حين ضم المجلدان الثاني والثالث قصتي (الفارس الملثم) 1949 و(السهم المسموم) التي نشرت عام 1950 بعد وفاته اضافة إلى روايات (مرح الوليد) 1948 و(سيدة القصور.. اخر أيام الفاطميين في مصر) 1944 و(غادة رشيد) 1944 التي كانت في السنوات الماضية مقررة على طلاب المدارس الثانوية في مصر وتتناول كفاح الشعب ضد الاستعمار الفرنسي (1798 - 1801).

وبدا أن لدى الجارم حنينا إلى ما يعتبره البعض جنة العرب في الاندلس كما في روايتي (هاتف من الاندلس) 1949 و(شاعر ملك.. قصة المعتمد بن عباد) 1943 اضافة إلى ترجمته عام 1944 لكتاب المستشرق البريطاني استانلي لين بول وعنوانه (قصة العرب في اسبانيا).

ويستعرض الجارم في مقدمته حياة واثار العرب في الاندلس التي يراها عجيبة ومثيرة أيضا حيث يشير إلى أن العرب عاشوا في الفتن نحو 800 عام "قل أن تستطيع أمة سواهم البقاء في مثلها. وليقس ابن خلدون وأمثال ابن خلدون على العرب كما أرادوا. أليس من التجني على الحقائق أن يدعي ابن خلدون أن العرب لا يصلحون لسياسة الأمم وأنهم أمة جهل وتدمير."

درس الجارم (1881 - 1949) في الازهر ثم التحق بكلية دار العلوم بجامعة القاهرة وبعد تخرجه ذهب إلى بريطانيا في بعثة دراسية عام 1908. وتدرج في وظائف وزارة المعارف وأصبح عام 1932 عضوا بمجمع اللغة العربية الذي يطلق عليه مجمع الخالدين.

وفي مقدمة الجزء الاول اشارة لما رثى به اللغوي المصري أحمد العوامري عضو مجمع اللغة العربية زميله الجارم قائلا إنه كتب في سنواته الست الاخيرة "ثماني روايات هي من مفاخر ما كتب في القصص التاريخي بالعربية... والعجب من الجارم الذي لا عهد لنا به من قبل قصاصا كيف استوت له هذه الملكة في كهولته وكيف حذق أن ينسج من خيوط التاريخ الجافة هذا النسيج البديع."

كما تضمنت المقدمة أيضا قول الناقد المصري عباس حسن عام 1951 في كتابه (المتنبي وشوقي) على سبيل المقارنة أن "النثر الادبي البليغ والنثر العلمي المتأدب الرفيع لاديبنا المرحوم علي الجارم ليمتاز به الجارم على المتنبي وشوقي وسائر شعراء العرب قديما وحديثا كما تنطق بذلك كتاباته النثرية الصادرة عن موهبة فنية أصيلة جعلت منها سلاسل الذهب."

كما استشهدت المقدمة بقول الباحثة مونا خيري عبد العزيز الاعصر في دراسة حملت عنوانها (علي الجارم والقصة التاريخية) حصلت بها على درجة الدكتوراه من جامعة عين شمس المصرية "ان الجارم كاتب القصص التاريخي لم يظفر من الكتاب والنقاد والباحثين بالاهتمام اللائق بكاتب مثله كان له فضل السبق والريادة في هذا الميدان."

ولاتزال أعمال الجارم النثرية التي تضمها هذه المجلدات بحاجة إلى دراسة نقدية وتاريخية بعيدا عن الحفاوة التي تهدف إلى الاشادة ولو بأثر رجعي كما في قصيدة عباس محمود العقاد التي رثى بها الجارم والمنشورة على الغلاف الاخير وفي بعض أبياتها يقول.. "فجعت مصر يوم نعي علي/ بالاديب الفهامة الالمعي... يا عليا له مكان علي/ بين دان من جيله وقصي."

فالجارم خاصة في مقدمة كتاب (قصة العرب في اسبانيا) بدا متحمسا للعرب باكيا على دولة الاندلس التي يراها بعض المؤرخين العرب بعد مرور أكثر من 500 عام على انتهائها مجرد غزو كان لابد أن ينتهي.

وينفي الجارم على سبيل المثال عن العرب تهمة الهدم وعدم التحضر مشددا على أن "الهدامين لاثارهم ومدنياتهم انما هم أعداؤهم من البربر والافرنج والتتار وغيرهم."

ويبدو أن كتاب بول الذي يشيد بحضارة العرب وعلمهم وجد هوى في نفس الجارم فسارع إلى ترجمته والا فالاجدر "بهذا القلم أن يحطم وأخلق بصاحبه ألا يباهي مرة أخرى بعروبته."

التعليقات