جديد دار "قدمس"..( 6 إصدارات)

-

جديد دار
(الكاهن، الكاهنة، النبي، الشاعر، الحازي، الساحر، الرائي، العرّاف، الرب، ذو إله، الحمس . . .)

ترجمة: حسن عودة، رندة بعث
مراجعة: زياد منى
تقديم: رضوان السيد
إصدار: شركة قدمس للنشر والتوزيع
عدد الصفحات: 560 صفحة من الحجم الكبير

لابتياع نسخ إلكترونية وورقية (www.arabicebook.com


كتب رضوان السيد في التقديم:

تبدو الكهانة العربية، بحسب تعريفها الوصفي، وعبر تجلياتها، مرتبطة غاية الارتباط بالنبوة التي هي جذرها الأصلي، أو على الأقل درجتها الأولى. ليس ثمة انقطاع يفصل بين هذين المفهومين المتكاملين اللذين يبدو ثانيهما، بوصفه تفتحًا للأول. غير أن خطًا فاصلاً سيرتسم بينهما في اليوم الذي تغيرت فيه الشروط الاجتماعية عبر الانتقال من البداوة إلى التحضر أو من النظام القبلي إلى النظام الملكي. وفي اليوم الذي تبدلت فيه طبيعة الرسالة الإلهية ومحتواها تبدلاً كاملاً عبر الانتقال من الإيمان بآلهة متعددة، إلى عبادة إله واحد وإلى التوحيد. فالكهانة والنبوءة هما التعبير الحي والفعال عن مجتمع محدد في حقبة معينة من تاريخه.

والواقع أن الكاهن العربي، الذي كان في البداية انخطافيًا، ولاسيما في ظل تسميته بالأفكل، أو الرب، أو ذو إله، كان يستمد إلهامه من المصدر ذاته الذي كان يستمد منه النبي، أي: من الإله الذي كان الكاهن خادمه والناطق باسمه في آن معًا. وكان يمارس عمله الاجتماعي وينقل الرسالة الإلهية تحت تسميات السادن والحازي والعراف والكاهن والسيد، بالروح ذاتها إن لم يكن بالطريقة ذاتها التي كان يزاولها النبي. وقد بدأ وحيهما وفعلهما في الافتراق حينما لجأ الكاهن إلى وسائط أخرى بينه وبين الإله الموحي، في حين أن النبي عزز إلى أعلى درجة الروابط الشخصية بينه وبين الإله الذي يوحي إليه.

[. . . ]

ما أردتُ في الواقع التقديم لكتاب الأستاذ الكبير توفيق فهد عن الكهانة أو العرافة العربية، بل للترجمة التي استمتعت بروعتها ودقتها بما يفوق ما أذكر أنني استمتعتُ به عند قراءتي للكتاب بالفرنسية للمرة الأولى عام (1975).

والكتابُ صعبٌ صعبٌ لدقة الموضوعات وغرابتها، وللغة فهد الفرنسية العالية البلاغة والإبلاغ. بين أن المترجِمَيْن ما كانا أقل قدرة على الإفصاح والدقة عن المؤلف نفسه. وقد ردّا مئات النصوص إلى الأصول التي اقتبست منها، فلم يقعا في مرض ترجمة الاقتباسات العربية عن الفرنسية، بل وابتدعا أسماء وتعابير لكي تظل الترجمة أمينة للعالم المصطلحي للنص، بما جعل من النص العربي آية في الدقة والجمال والعذوبة في الوقت نفسه.

لقد راجعت الترجمة بدقة، وأود الإشادة بالمترجمين وبالناشر الذي دأب على ترجمة نصوص نادرة ورائعة.
رضون السيد، بيروت في 6 آب 2007.
الكتاب: الاستعمار، الكتاب الأسود (1600-2000)
بإشراف: مارك فرو
ترجمة: محمد أحمد صبح
إصدار: شركة قدمس للنشر والتوزيع، 2007

عدد الصفحات: 980، من الحجم الكبير

المجال الجغرافي:
القارتان الأمريكتان، الشمالية والجنوبية، أمريكا الوسطى، أستراليا، فييتنام، لاوس، كمبودشا، ماليزيا، إندونيسيا، الفلبين، الصين، شبه القارة الهندية، أفغانستان، آسيا الوسطى، المشرق العربي، وفي القلب منه فلسطين، العراق، الخليج العربي، اليمن، السودان، مصر، ليبيا، تونس، الجزائر، المغرب، موريتانيا، السنغال، الداهومي، ساحل العاج، ساحل الذهب، الكونغو، ناميبيا، جنوب إفريقيا، أنغولا، روديسيا، نيجيريا، النيجر، تشاد . . . والقائمة تطول وتطول.

الممارسات:
مختلف صنوف الاضطهاد، قتل، قتل جماعي، اغتصاب، تعذيب، استرقاق، عبودية، متاجرة بالبشر، مصادرة الأراضي، الاستيلاء على الثروات، التهجير، الإجلاء من الوطن، نهب الثروات الطبيعية، تدمير البيئة، نشر الأوبئة، نشر بذور الفرقة، القضاء على التراثات والثقافات الوطنية المحلية، نشر الأمية والجهل والتخلف، تسخير الضعيف في خدمة القوي . . هنا أيضًا، تطول القائمة لتضم شرور العالم جميعها. إنها الوحشية منفلتة العقال. هذا هو الاستعمار.

الفترة الزمنية:
قرون طوال، كان كل يوم فيها، من منظور المستعمَر المضطهّد، كأنه ألف عام.

النتائج:
من غير الممكن حصر الخسائر بأرقام، بسبب ضخامتها، وأيضًا لأن أرواح البشر لا تعوضها أي أموال.
النتائج الأخطر، الثغرة القائمة بين المستعمِر السابق والمستعمَر، الحروب والأزمات التي تعصف بالعالم "الثالث" . .

هذا الكتاب يتعرض بالتفصيل "المختصر" إلى مختلف أنماط جرائم الاستعمار في معظم دول العالم "الثالث"، وآثاره المدمرة القائمة إلى يومنا هذا. لكن كل كتب العالم لا يمكنها تغطية تاريخ المستعمِر وممارساته المخزي والدموي.
إنه ليس فقط وثيقة فريدة، ولكن أيضًا شهادة، مضمخة بالدم، على حقبة من تاريخ البشرية، على أبناء المستعمِر "السابق" دراستها في المدارس والجامعات، ليرى، بأم عينه، كيف بنى الغرب جزءًا كبيرًا من ثروته ورفاهه على حساب الضعفاء في هذا العالم.

مهمة هذا الكتاب الرئيسة: إمكانية الصفح، لكن: كي لا ننسى.
الكتاب: عودة إلى "التوراة جاءت من جزيرة العرب" - The Arabia Bible revistied
عنوان فرعي: "أورشليم" و"الهيكل" و"إحصاء داود" . . في عسير.
المؤلف: كمال الصليبي
ترجمة: صخر الحاج حسين، زياد منى
عدد الصفحات: النصوص العربية (126) صفحة؛ النصوص الإنغليزية: (92) صفحة
إصدار: قدمس للنشر والتوزيع/ 2008
السعر: 8 دولار.

يعود كمال الصليبي في هذا المؤلف المزدوج (بالعربية والإنغليزية) إلى موضوعته: التوراة تسجيل لتجربة بني إسرءيل التاريخية والدينية في جزيرة العرب عبر مجموعة من الأبحاث المترابطة لم يسبق نشرها من قبل، والتي تضيف براهين جديدة على صحة الموضوعة.

وقد اختار المؤلف موضوعات (طبوغرافية سفر التكوين 14؛ مسألة جليات وداود؛ جغرافية "إحصاء" داود؛ الفرار من أورشليم، مسألة "أورشليم"؛ إضافة إلى ملاحظات لغوية على التوراة العبرية) منطلقًا لتأكيد آراءه تلك التي تستند إلى شواهد لغوية وجغرافية وغيرها.

ويحوي الكتاب محاضرة المؤلف التي ألقاها في كلية سمث بالولايات المتحدة في منتصف التسعينيات والتي تتعامل مع قضايا علاقة العربية والعبرية.

كمال الصليبي يطرح أبوابًا جديدة للجدل العلمي في كتابه الجديد بالعلاقة مع "مسألة أورشليم" لم يسبق له طرحها في مؤلفاته السابقة. الجديد ينطلق من تأكيد التوراة أن "أورشليم" لم تكن مدينة بل إقليمًا، ما يفتح آفاقًا جديدة للحوار مع تاريخ فلسطين القديم بعيدًا عن الأحكام المسبقة.
جديد دار قدمس:
عميان عن التاريخ؟!
العرب وألمانيا النازية واليهود
تأليف: مجموعة من الأكاديميين بإشراف: غرهرد هب، بيتر فين، رينيه فلدنغل
ترجمة: محمد جديد
مراجعة: زياد منى
عدد الصفحات: 448
تاريخ الإصدار: شركة قدمس للنشر والتوزيع (ش م م)، بيروت 2007


يتناول هذا الكتاب بالبحث موضوعًا قل العثور على مراجع عنه في المكتبة العربية، ألا وهو علاقة بعض قادة الحركات السياسية العربية بألمانيا النازية وسياساتها تجاه اليهود.

ويعالج هذا الكتاب، الذي ساهم في كتابته مجموعة من المستشرقين، إضافة إلى أستاذين من المغرب، مواقف العرب، أو بعضهم، من المحرقة، وكذلك من موضوع "نفي المحرقة" والمسائل المرتبطة بها، ومن ذلك على سبيل المثال مؤتمر المراجعة التاريخية الذي كان مقررًا عقده في بيروت في عام (2001 م) ومواقف مختلف الأطراف منه.

لقد خاض المشاركون في كتابة هذا المؤلف في مواقف قوى سياسية عربية عديدة إزاء الفكر النازي، بدءًا من حركة رشيد عالي الكيلاني في العراق، إلى الحزب السوري القومي الاجتماعي ورئيسه المغدور أنطوان سعادة، وفي ما إذا كان ذلك الحزب قد انتهل من الفكر الفاشي مصدرًا لبرنامجه باحثين عن جوهر تلك الإيديولوجيات وأي علاقة بينها، حقيقية كانت أو وهمية.

كما يتعامل بالنقد مع مواقف قوى عربية سياسية وغير سياسية أخرى تجاه الموضوع في المغرب ومصر حيث يركز على موقف مجلة الهلال وصاحبها جرجي زيدان على نحو خاص.

ويتعرض فصل آخر إلى موقف مفكرين وصحفيين وكتاب عرب من المحرقة وموضوع نفيها، إضافة إلى رأيهم في كتابات المراجعين، ومنهم كل من عزمي بشارة وعبد الوهاب المسيري ومحمد حسنين هيكل وجمال الغيطاني وعزت القمحاوي ومحمد سيد طنطاوي ومحمد سلماوي وغازي أبو عقل وأدونيس ومحمود درويش وإدوارد سعيد وأحمد الخميسي وإلياس الخوري وحازم صاغية، ومحمود عباس وغيرهم.

ومن المواضيع المهمة الأخرى التي تتعرض إليها فصول من هذا الكتاب ضحايا النازية من العرب "الضحايا المنسيون"، إضافة إلى الخطاب الفلسطيني عن المحرقة وإسرائيل والخطاب الصهيوني عن الحركة الوطنية الفلسطينية.

إن دار قدمس تقدم هذا الكتاب-الدراسة الفريدة إلى القراء والبحاثة العرب، بهدف المساهمة في في إذكاء حوار هادئ ورزين في قضايا تهم ماضينا وحاضرنا، وموقعنا في عالم البحث العلمي الجاد المتوازن. فالبحث العلمي المتناهي في هذا الموضوع المعقد والمثير لكثير من العواطف هو الذي سيوصلنا إلى الحقيقة التاريخية، وليس نفي المحرقة أو التصريحات الاستفزازية والكيدية.

لذا فإن التزام دار قدمس بنشر هذا الكتاب لهو إثبات على أن البحث العلمي الرصين هو الذي سيسهم في الوصول إلى الحقيقة وليس إصدار القوانين والقرارات الغبية والجائرة في الغرب التي تفرض على عالم البحث العلمي.



الكتاب: تاريخ نصارى العراق (100-2006 م)
المؤلف: رفائيل بابو إسحق
تحديث: المطران غريغوريوس صليبا شمعون
تقديم: المطران يوحنا إبراهيم (متروبوليت حلب)
إصدار: شركة قدمس للنشر والتوزيع ش م م، بيروت (2007 م)
عدد الصفحات: 282 مع خريطة تفصيلية للعراق

ثمة سؤال يطرحه الكثيرون حول جذور المسيحيين في هذا الشرق، هل هم دخلاء أو غرباء أم قادمون من خارج المنطقة ؟ هل جذورهم ممتدة في أعماق الأرض، ولهم حقوق بعد تأدية الواجب على أكمل وجه؟ والسؤال الأهم هل تاريخهم يبدأ من حيث تسميتهم الجديدة ب: المسيحيين، أسوة بالتلاميذ الذين عُرفوا بالمسيحيين في أنطاكية أولاً (أعمال الرسل 11: 26).

كل هذه الأسئلة تُطرح من وقت إلى آخر، ويبقى الجواب، أن التاريخ يشهد على أن المسيحيين في هذه البلاد كانوا مواطنين أصيلين، وجذورهم تمتد إلى الشعوب التي ساهمت في بناء الحضارة في هذه المنطقة، وبنت مجداً مكللاً للصرح الثقافي الذي نتغنى به حتى يومنا هذا. وبقيت عطاءاتهم متواصلة عبر الدهور والأجيال، ولا يحتاج العالم إلى شهادة جديدة تُعطى لهم، لتؤكد أصالتهم وعراقتهم. فالمنطقة بأوابدها، وآثارها، ولغاتها القديمة، وشواهدها التاريخية، ومصادر التاريخ عندها، تثبت أنهم جزء من هذا النسيج الوطني الذي يمثل الفسيفساء الجميلة التي ترصع به جبين هذا الوطن.

ونصارى العراق مثل المسيحيين في بلاد الشام والجزيرة العربية، كلهم نشأوا وترعرعوا في هذه الأرض الطيبة. وعند ذكر العراق لا ننسى بلاد ما بين النهرين مهد الحضارة البشرية، هذه البقعة من الأرض الواقعة بين النهرين العظيمين دجلة والفرات، والممتدة من سلاسل جبال طوروس إلى شواطئ الخليج العربي، عرفت أقدم حضارة للبشرية فيها. وكما قال المستشرق الأميركي صاموئيل غرامر: بدأ التاريخ من سومر. وسومر منبت السومريين عرفت أقدم نصوص مسمارية وأنشأت آكاد وبابل قبل أن تظهر جيوش الآشوريين. وفي العراق وبعد هذه المرحلة نقرأ عن بلاد آشور في الشمال، وبلاد بابل في الجنوب، والحدود بينهما كانت تمر عبر مدينتي هيت على الفرات، وسامراء على دجلة، هذه الأرض كانت مصدر الخصب لفترة طويلة من الزمن، وعرف البابليون والآشوريون كيف يستثمرون تلك الأرض، وساعدتهم وسائل كثيرة منها الجدية في العمل، والإخلاص في العطاء، والشجاعة في الحروب، والوفاء في كل مجالات الحضارة. وبعد أن احتلت اللغة الآرامية مكانة اللغة الأكادية أدركوا مدى أهمية تصدير اللغة إلى كل شعوب المنطقة!.
[ . . ]

وإعادة طباعة هذا الكتاب في هذه الظروف الصعبة التي تمر على العراق بخاصة، والأمة العربية بشكل عام، هو دعوة موجهة إلى كل العراقيين رغم انتماءاتهم المتنوعة ودياناتهم المتعددة ومذاهبهم الكثيرة، ليدركوا أنهم في الأصل يعودون إلى أُرومة واحدة، وكلهم يتوجهون إلى الله الواحد الأحد خالق السموات والأرض في عبادتهم. عسى أن يكون هذا الكتاب باباً جديداً لإعادة النظر في علاقاتنا مع بعضنا بعضاً.


الكتاب: المدينة ذات العباءة القرمزية (سلسلة ولاّدة - رواية).
تأليف: أصلي إردوغان
ترجمة: بكر صدقي
عدد الصفحات: 160
تاريخ الإصدار: آذار 2008


كتب بكر صدقي (صحيفة الحياة 04/11/2007):

تصدر بالعربية عن دار قدمس (دمشق) الرواية الأولى للكاتبة التركية الشابة أصلي اردوغان وعنوانها «المدينة ذات العباءة الحمراء»، هنا بورتريه للكاتبة الشابة.

اختارت مجلة «لير» الفرنسية قبل أشهر خمسين كاتباً من أنحاء العالم، متوقعة لهم أن يتبوّؤا صدارة الرواية العالمية، في القرن الحادي والعشرين، مفترضةً ضمناً أن نوع الرواية سيحافظ على تألقه في المئة سنة المقبلة، وهو رهان ينطوي على مخاطرة، على ضوء التشاؤم السائد حول مستقبل الرواية. ومن هؤلاء الكتّاب، الروائية التركية أصلي أردوغان التي بدأت بنشر أعمالها قبل بلوغها الثلاثين، وشهد نتاجها الإبداعي صعوداً لافتاً. وإذا كانت أعمالها الأولى لم تلق الرواج الكبير ولا الترحاب المرجو لدى النقاد، فهي استقطبت كبير الاهتمام، بعد روايتها الثالثة «المدينة ذات العباءة الحمراء» التي كرستها روائيةً تمتلك أدواتها ورؤيتها الخاصة، وترجمت إلى عدد من اللغات الأوروبية. أما قصتها «طيور من خشب» ففازت بالجائزة الأولى في مسابقة للقصة في ألمانيا. فمن هي أصلي أردوغان، وما الجديد الذي أضافته الى فن الرواية في الأدب التركي؟

ولدت أردوغان في العام 1967، في اسطنبول، وتخرجت من إحدى جامعاتها في قسم هندسة الكومبيوتر، ثم تخصصت في دراسة الفيزياء والفيزياء الذرية في جامعات سويسرا والبرازيل. ريو دي جانيرو التي أمضت فيها عامين، ستكون بطلة روايتها «المدينة ذات العباءة الحمراء». بعد عودتها إلى تركيا، تفرغت للكتابة فأصدرت ثلاث روايات (الرجل القشرة، الماندرين المعجزة، المدينة ذات العباءة الحمراء)، وكتاباً يتضمن نصوصاً نثرية حار النقاد في تصنيفها، وهو بعنوان «في صمت الحياة»، فضلاً عن كتابين جمعت فيهما مقالاتها التي نشرتها في الصحافة.

وإذا كان من الجائز الحديث عن العالم الروائي لكاتبة يمكن اعتبارها في بداية مسيرتها الإبداعية، فعالم أردوغان الروائي يتمحور أساساً حول قيمة الحياة، في عالم شديد القسوة يحيلها إلى قيمة فرعية هي البقاء على قيد الحياة. في روايتها الأبرز «المدينة ذات العباءة الحمراء» يحضر الموت بكثافة وقوة مخيفتين، ومعه الخوف من الموت، الرعب الذي يشل الإرادة من رصاصة قد تأتي في أي لحظة وتنهي حياة الكائن بسخافة وبساطة. في بيئة من هذا النوع، يصبح البقاء على قيد الحياة قيمة مطلقة ومهمة صعبة، تضفيان على الحياة معنى وجمالاً.

بطلتان

البطلة الأولى للرواية، مدينة ريو دي جانيرو، بقيظها الذي لا يطاق، وبؤس سكانها، وعصابات مهربي المخدرات الذين «يعلنون» عن توفر بضاعتهم بإطلاق النار في الهواء فيما يشبه الألعاب النارية الاحتفالية التي تضيء سماء الليل. تلك العصابات التي تصفي الحسابات في ما بينها في الشوارع قتلاً، في بيئة من الفلتان الأمني وغياب الدولة. فإذا أضفنا إلى ذلك البؤساء الذين يسلبون المارة ما بحوزتهم من نقود تحت تهديد السلاح، أو أولئك الذين يموتون جوعاً، يصبح الموت (ونقيضه الملازم: الحياة) البطل الثاني للرواية.

أما البطلة الثالثة فهي الراوية: فتاة تركية تعيش في ريو بصورة مؤقتة، منقطعة عن أهلها في اسطنبول، تتلقى من أمها، مرة كل بضعة أشهر، اتصالاً هاتفياً لا يغنيها في شيء. وهي تكتب رواية لـ «تصفي حسابها مع هذه المدينة»، فبغير ذلك لن تستطيع إخراجها من حياتها قبل أن تغادرها عائدةً إلى بلادها. فكرت كثيراً قبل أن تجد اسماً لبطلة روايتها، إلى أن وجدته في اسم «أوزغور» وهي كلمة تركية تعني (الحر، الحرة). هذا ليس اسماً اعتباطاً. فلدينا فتاة بلغت أقصى درجات الحرية، بخروجها، مرة واحدة، من بيئتها الأسرية والوطنية معاً، إلى عالم جديد عليها كل الجدة. وهي في منتهى الوحدة، ليس لديها أي علاقات تكبلها. الوجه الآخر للحرية المطلقة، إذاً، هي الوحدة المطلقة. في ليالي كرنفال ريو دي جانيرو الذي يقصده السياح من أنحاء العالم، وهي ترقص بين آلاف الأجساد المتلاصقة، غائبة تقريباً عن الوعي، تشعر البطلة بأقصى درجات الوحدة، فلا تطيق ذلك، وتلقي بجسدها في أحضان أول رجل تتعثر به، من غير أن ترى وجهه بوضوح.

تبدو لنا بطلة الرواية في ثلاثة وجوه متداخلة، فلا نميز، أحياناً ما إذا كانت «أوزغور» بطلة الرواية التي تكتب داخل الرواية، أم الفتاة التركية التي تكتبها، أم المؤلفة أصلي أردوغان نفسها. ذلك أن هذه الأخيرة عاشت في ريو فعلاً، كما أسلفنا، لكن الرواية لم تسقط في فخ المذكرات الشخصية، بل تمكنت أردوغان، ببراعة تسجل لها، من أن تستنبط مما هو ذاتي، قصةً تتمتع بالقيمة العامة. وفي عودة إلى فكرة الوحدة القاتلة للروح، مع أنها صنو الحرية المطلقة، تقدم لنا أردوغان هذه المعادلة اللافتة: في مكالمة مطولة مع أمها، تسألها هذه الأخيرة إن كانت في حاجة لشيء. فترد بطلة الرواية بصمت طويل تفكر في غضونه هكذا: «لم أقل لها إنه على رغم افتقادي كل شيء، من الأمان إلى النقود، فإن الشيء الوحيد الذي أحتاجه بشدة، هو شخص يسألني هذا السؤال». تقيم البطلة عدداً من العلاقات مع الرجال، لكنها لا تمنحها الإحساس بالأمان، بل تخرج من كل علاقة بجراح جديدة لن تندمل، وبإذلال مخيف.

لعل الجديد البارز في هذه الرواية هو في نظرة البطلة التركية إلى هذه البلاد «الأخرى». فهي تعبر بوضوح بأنها تنتمي إلى «العالم القديم» مهد الحضارة الإنسانية، في حين أن هذه البلاد «جديدة» وبدائية في معنى من المعاني. إنها تعكس، بعبارة أخرى، نظرة «الرجل الأبيض» المتمحورة على «المركز» إلى الآخر «المحيطي». لكنها ضعيفة أمام هذا الاختلاف الحضاري، ووحيدة ويتملكها الرعب.

لغة أردوغان سلسة وغنية تتدفق بعذوبة مدهشة. بناؤها الفني متماسك، يخبرك عن كاتبة متمكنة من عملها. تتنقل بين الراوية والرواية التي تكتب داخلها بسلاسة، فيتقبل القارىء انتقالاتها المفاجئة بين ضميري المتكلم والغائب بلا عناء.

التعليقات