"رامبو -الشاعر الذي جعل العالم يزهر مثل عاصفة في نيسان"

-

هل بقيت زاوية في حياة رامبو وأعماله لم يُلق عليها ضوء؟ قد لا تحصى الكتب والمقالات والنصوص التي تناولت ظاهرة هذا الشاعر – الفتى (1854 – 1891)، ليس في اللغة الفرنسية فقط وإنما في سائر لغات الأرض، وسعت كلها الى الإحاطة به، حياة وشعراً، وإلى محاصرته من جهات عدة. وربما لم يحظ شاعر آخر بما حظي به شاعر «فصل في الجحيم» من قراءات نقدية متعددة ومقاربات، ناهيك بسيرته التي ما برحت تغري الأقلام دافعة اياها الى البحث عن سر هذه الظاهرة الفريدة في تاريخ الشعر الفرنسي والعالمي.

واللافت ان «الحقل» الدراسي الذي يحمل اسم رامبو ما زال مفتوحاً امام المزيد من الأبحاث التي نادراً ما تحمل جديداً في شأن هذا الشاعر حتى وإن حاولت ان تعيد قراءته من وجهات اخرى وزوايا غير مطروقة. وقلما تمضي سنة لا يصدر فيها كتاب عن رامبو في فرنسا والعالم أو لا تصدر اعماله الشعرية او بعضها، علاوة على رسائله المهمة، في طبعات جديدة. قد يكون في هذا الأمر مبالغة ما، وخصوصاً من ناحية الفرنسيين الذين يعتبرون رامبو من تراثهم الحضاري الحديث ومن الأرث الذي رسّخته الثورة الفرنسية، لكنّ من يقرأ رامبو يشعر حقاً بأن عالم هذا الشاعر لا يمكن ان يُستنفد او ان يحاط به كلياً وفي كل نواحيه. وفرادة «ظاهرة» رامبو تكمن في كونها مزيجاً من كتابة وحياة، من شعر وتجربة، حتى ليصعب الفصل بين الحياة التي يسميها «الحياة الحقيقية» والشعر الذي يتخطى الأنواع والمدارس منفتحاً على المغامرة الكبيرة والخطرة. ومثلما يقبل القراء على قراءته حتى الإدمان، يقبل النقاد على الكتابة عنه, عن حياته وشعره، عن صمته و»جنونه»، عن تناقضاته الكثيرة، عن هروبه من حياة الى حياة، عن موته الذي يشبه موت القديسين.

لعل كتاب «رامبو بعد رامبو» الصادر قبل اشهر في باريس عن دار «ثكستويل» من «اطرف» الكتب التي تناولت رامبو في الحقبة الأخيرة. هذا الكتاب هو عبارة عن «مختارات» مما قيل في رامبو او عنه، فرنسياً وعالمياً وقد جمعها وقدّمها كلود جانكولاس وساهم في ترجمة بعض النصوص غير الفرنسية. اهمية هذه «المختارات» تكمن في انها تبرز حجم الأثر الذي تركه رامبو في الأدب الحديث والثقافة الحديثة، وكذلك حجم «الثورة» التي احدثها في الشعر والفن. أدباء وشعراء وفلاسفة ونقاد وعلماء اجتماع ونفس ورسامون وموسيقيون وسينمائيون... يتحدثون عن هذا الشاعر الذي فتنهم وأثر فيهم وفتح امامهم دروباً ما كانوا يتوقعونها. بعض هؤلاء يكبرونه كثيراً وكأنهم من جيل ابيه وربما جدّه، بعضهم ايضاً من عمر اساتذته، لكنهم يبدون امام اعماله وكأنهم من ابنائه، من ابناء هذا الفتى الذي انهى «حرفة» الشعر في العشرين من عمره ليبدأ «حرفة» الحياة الأخرى، الحياة الهائمة والحرة والغريبة والصامتة... على ان صوت رامبو كان في آن واحد صوت طفل وصوت عجوز، صوتاً مضطرباً لا يمكن التمييز فيه بين نبرة الحكمة وصرخة الحرية وصدى المجهول.

في المقدمة البديعة التي وضعها للمختارات، يتحرى كلود جانكولاس اثر رامبو على الشعراء والأدباء والفنانين في القرنين التاسع عشر والعشرين. فهذا «الشاعر الفتيّ، ما زال يفتن، منذ زمن بعيد، وجودنا، وجودنا الحقيقي»، يقول في المقدمة. ويضيف: «اننا نجد رامبو حتى في المكان الذي لم يذهب إليه البتة، في المكان الذي لا يمكن انتظاره فيه». فهذا الشاعر – الساحر لا يتوانى عن الظهور ايضاً في كل الأزمات، في حركات التمرد، في اللحظات التاريخية الحرجة: ايار باريس 1968، ساحات الهيبيين، حرب فييتنام، سقوط جدار برلين... ويقول: «رامبو فعل خارق، خارج كل ادب، ظاهرة لم تُعرف من قبل وقد لا توجد ابداً من بعد. من هو رامبو حقاً كي يؤدي هذا الدور؟ ماذا فعل كي يكتسب هذا الحيز في حياتنا، هذا الذي بقي مراهقاً موهوباً، مأخوذاً بالحرية، عاشقاً لهذا الشعر الجديد الذي اكتشفه ورمى منه بضع اوراق في الريح، وقد ادار له ظهره ذات يوم، بعدما خاب منه، محملاً إياه اسباب سقوط حلمه, ورحل الى البعيد...؟».

يظل رامبو دوماً في الأمام، في واجهة المشهد الشعري الفرنسي والعالمي, في قلب الحداثة وما بعدها، في صميم التجربة التي خاضها بروحه وجسده. وعلى رغم مضي الأعوام الطويلة «ما زال رامبو، هنا، قريباً جداً، الى جانبنا، في الأمام... وصوته لم ينطفئ مع انقطاعه عن الكلام، حتى مع موته لم ينطفئ صوته. ما تراه يكون هذا السر، هذا الافتتان به وقد يتملكنا؟ من أي سحر مصنوعة هذه الظاهرة؟ لقد اصبح رامبو بطل حداثتنا. إنه احد الأساطير الرئيسة في هذه الحداثة، الأساطير التي اسست هذه الثقافة غير اليقينية، المضطربة. مسلكه, صوته وحضوره... كل هذه تسربت في كل الآداب، كل الفنون، في الرسم، النحت، الموسيقى، راهنة اكثر من قبل، «حقيقية» أكثر». هكذا يرسخ كلود جانكولاس في المقدمة حقيقة الأثر الذي حفره رامبو في ذاكرة الشعر في عصره والعصر الذي تلاه والعصور المقبلة. ولعل الأقوال والنصوص التي اخترنا بعضاً منها ونقلناها الى العربية تمثل فعلاً عمق هذا الأثر «الأبدي» الذي سيظل بارزاً في تاريخ الأدب العالمي ومستقبله.


«الشاعر الذي جعل العالم يزهر مثل عاصفة في نيسان» (ترجمة: عبده وازن)

حسناً فعلت في أن رحلت، ارثور رامبو! نحن بضعة أشخاص، نؤمن من غير برهان، بالسعادة الممكنة معك.

رينه شار (1947)

رامبو الشاعر الحالم كان كشافاً، بمبادرة شخصية ومن دون أي تشجيع ولا موارد سوى اصراره على الحرية والرحمة.

بول غوغان (1899)

كتب رامبو كل ما يحدث الآن. وفي رأيي، ليس من تناقض بين رؤيته الى العالم والحياة الأبدية ورؤية كبار المجددين الدينيين اليهما.

كان رامبو ذئباً مستوحداً.

هنري ميلر (1970)

أعتقد ان رامبو سبر أموراً حديثة كثيرة.

غيّوم ابولينير (1916)

مغامرة فريدة في تاريخ الفن, مغامرة فتى لمسه مبكراً جداً وباندفاع، جناح الأدب، وهو قبل أن يكاد يوجد، استنفد أقداراً عاصفة وعظيمة، من دون اللجوء الى المستقبل.

ستيفان مالارمه (1896)

انني، اذ أعيد قراءة أعمال رامبو، أجدها «شعرية» جداً، لكن رامبو الشخص هو في نظري أكثر من شاعر، انه أحد الأبطال الانطولوجيين في ثقافتنا. كان هارت كراين يقول ان رامبو هو آخر شاعر كبير عرفته حضارتنا.

كينيث وايت (1976)

عزيزي والاس فولي: أردت فقط أن أشكرك على ترجمتك لرامبو، كنت في حاجة اليها لأنني لا أقرأ الفرنسية بسهولة. انني مغنّي روك وترجمتك ترافقني في كل تنقلاني.

جيم موريسون (1968)

الا انّ الأجمل بين هذه الملائكة الشنيعة

كان له ستة عشر عاماً، تحت إكليله الذي من زهر.

ذراعاه مكتوفان على القلائد والسجف،

يحلم، عينه مملوءة لهباً ودموعاً.

ما تراه يقول بصوته العميق والناعم

الذي يأتلف مع الاصطفاق الصافي للنار

والذي ينتشي القمر لسماعه؟...

بول فيرلين (1873)

كان والدي شخصية يصعب بشدة وصفها أمام جيلنا... وكان لي أن أفكر أن رامبو، رامبو الحقيقي، الذي ليس شخص الأساطير، كان له أن يشبه أبي كثيراً.

مارغريت يورسنار (1981)

غير أنه لا يستطيع أن يصمت حقاً الا ذاك الذي كُلّف أن يقول ما يوضح الطريق وقد قاله فعلاً، بقدرة الكلمة التي مُنح اياها. هذا الصمت هو أمر يختلف عن السكوت العادي. فعدم كلامه هو ما قيل. هل ترانا نسمع بوضوح كافٍ في قول شعر أرتور رامبو، ما قد صمت عنه؟ هل ترانا أبصرنا هنا الأفق الذي بلغه؟

مارتن هيدغر (1976)

ليس من كاتب في العالم، اليوم، يمكن أن يقارن تمرده بتمرد رامبو... «مسألة رامبو» الحقيقية ليست مسألة سيرة ذاتية. مسألته الحقيقية هي مسألة الشعر.

أرشيبالد ماكليش (1960)

رامبو هو الطفولة التي عبّرت عن نفسها من خلال وسائل تنتهك شرطها. الطفولة الرجولية، الحرية التي لا وزن لها ولا مقياس، الطفولة التي تجاور الموت، أصلاً وخاتمة... مثال رامبو يدركنا دوماً في صميم وعينا. حدّته تعبّر عن نفسها في تجاوزٍ دائم: تجاوز للقيم الجمالية التي أبدعها، تجاوز لحدود عصره... مثال رامبو يحثنا على اعتبار المعرفة شيئاً لا يمكن ان نتيقن من امتلاكه الا في نهاية الحياة...

تريستان تزارا (1948)

رامبو هو سوريالي في مزاولة الحياة ومكان آخر.

نعلم الآن ان على الشعر أن يفضي الى جهة ما. على هذا اليقين يرتكز الاهتمام الشغوف الذي نوليه لرامبو.

اندريه بروتون (1924)

رامبو يفلت منّي. رامبو، الذي قرأته وأعدت قراءته على مرّ حياة طويلة، لا يتوانى عن أن يفلت منّي مثلما تفعل حفنة ماء، أرغب فيها بشدّة... يجب عليّ اذاً أن أسائل رامبو، في مطافه العنيف، كنهر من نار ومركب ثمل وكسيل جموح...

صلاح ستيتية (1993)

عبقرية رامبو هائلة.

لا يبقى أمام عيوننا الا السمو الخارق لرامبو الوحيد: المولود وحيداً، العاشق وحيداً، المتكلم وحيداً، الميّت وحيداً. منذ أن أصبح غائباً عن نفسه، لم يكن قادراً على ان يتخيل خلال احتضاره، أن تلك الصفحات الشريرة التي تركها لفيرلين ستنشئ ذات يوم احد أجمل الأعمال الشعرية عندنا، وهو قال عن أعماله تلك: «لم أعد قادراً على ان أكمل، سأصبح مجنوناً...».

بيار جان جوف (1946)

مسألة رامبو هي ان يجد القصيدة، الفعل الشعري الملائم.

جيل دولوز (1978)

غامض دوماً، غريب الأطوار وعبثي. غير صادق، له طبع امرأة، طبع فتاة، شرير بالفطرة ومتوحش، رامبو يملك هذا النوع من الموهبة المهمة التي لا تحوز الاعجاب.

ريمي دو غورمان (1896)

أي شمسّ!

رينه دومال (1929)

أعمال هي أخيراً خارج الأدب، والأرجح فوق كلّ الأدب.

فيليكس فينيون (1886)

كنت أسعى الى ان أشبه رامبو وألا أكتب إلا نصوصاً كاملة، كتباً رفيعة تضم نصوصاً كاملة حيث كل كلمة تكون برّاقة ولبقة وإباحية ورومنطيقية وصوفية...

ألن غينزبرغ (1947)

أفعال رامبو تبدو دوماً كأنها تنبثق مثل بهاء بعض البلّورات الفضية الطالعة من الكيمياء... منذ رامبو، فن الشعر تقدم قليلاً أو لم يتقدم.

عزرا باوند (1918)

لجأ رامبو الى النور الساطع والسحري للحدس ليضيء وجه السرّ. كانت القوّة تنبثق منه مثل تجديف.

ستيفان زيفيغ (1951)

كان ارتور رامبو متصوّفاً في حال متوحشة، ينبوعاً مفقوداً يخرج من أرض مشبعة.

بول كلوديل (1912)

هناك ما أراد أن يقوله رامبو، ما نعتقد انه أراد قوله، لكن الأهمّ بلا شك هو ما قاله من دون ارادته ورغماً عنه.

اندريه جيد (1941)

نراه الآن فيما ينزلون به من جبال الحبشة، على طول الممر الصخري، مستوحداً، في جوّ صامت: اللحظة الآن ثابتة مثل هذا المكان، ويمكن القول انهم يأتون به الينا. يرقد على محفّة، وجهه مغطّى بقماشة سوداء، ركبته مصابة بمرض، ضخم مثل يقطينة، تنفخ الغطاء. يده الجميلة التي هزلت، هذه اليد التي أحبتها أخته، تنزع، حيناً تلو آخر القماشة عن وجهه، وكان يوجه أمراً، الى الرجال السود الذين يحملونه، وقد شاؤوا ان ينزلوا المنحدر بهدوء وفي خط منحرف، فيما هو يريد منهم ان ينزلوا عمودياً، خارج الطريق وبسرعة.

هوغوفون هوفمنستال (1912)

أقلّب كتاب رامبو، وأدوّن عليه ملاحظات. كأن كلّ شيء فيه محتدم. ورق من نور صاف. وكان له كتفان من معدن.

برتولد بريشت (1921)

ذات صباح كئيب، فتحت كتاب «الاشراقات» فإذا الوجه الخدّاع للحياة يمّحي.

لويس أراغون (1918)

ظاهرة خاصة، خارقة وتكاد تكون غير انسانية.

مارسيل بروست (1920)

... انه مركب رامبو الثمل، المركب الذي يقول «أنا» والذي يمكنه، بعد أن تخلّص من تقعره، أن ينقل الانسان من التحليل النفسي للكهف الى شعرية الاكتشاف الحقيقية.

رولان بارت (1957)

في تناقض مع العصر، عندما أعلن رامبو في «فصل في الجحيم» أنه كان «زنجياً», كان الشاعر يرجع بوعي الى القيم الرئيسة للزنوجة، الى «الغريزة»، أي الى حدس الزنجي وتحديداً الى قدرته على التخيل الرمزي.

ليوبولد سيدار سنغور (1984)

عبقرية رامبو، هي التحيّز نفسه والفائدة الانسانية اللذان وضعهما في خطأه.

سان جون بيرس (1913)

يقترب رامبو منّا، عبر ما قاله. من يستطيع الادعاء أنه يقوم من بعده، فيما نحن ربما متأخرون عنه كثيراً، خصوصاً عن «اشراقاته»، تلك البهاءات المضيئة التي يمكننا ان نحياها من جديد، اذا بقينا مستيقظين، عوض أن ننام. فهكذا هي الحال الضرورية لولوج الفكر: اليقظة.

فيليب سولرز (2003)

لعلّ ما جلبه لي رامبو، ما أصابني في أعماله بالصدمة القاطعة، ما يهم أكثر ما يهم، والذي طالما تكرر، هو أنني، للمرة الأولى واليتيمة، لم أتبين في أعماله القدرات الأدبية وهي تفيض بها، لقد توجهت فوراً الى ما تتضمن من مادة، ولم أدركها من ثم إلاّ في الظلمة الباهرة.

بيار ريفردي (1954)

نحن رامبويّون، من دون علمنا ورغماً عنا. انه سيّد أوضاعنا وأعذارنا العاطفية، نجمة الأسى الجمالي الحديث.

هوغو بال (1916)

عندما بلغ تلك النقطة حيث بدأت أعماله، التي دمرت «الأنا» مثلما دمّرت العالم، تدمّر نفسها، كانت له الشجاعة، هو ابن التسعة عشر عاماً، في أن يصمت. هذا الصمت هو جزء أساسي من أعماله الشعرية نفسها. وما كان من قبل الحرية الكبرى في الشعر أصبح حرية الشعر.

هوغو فردريك (1956)

شعر غريب يكتم في الحين نفسه المعنى الواضح والحدس الخالص. لا تعليمية ولا تطفلن: الطفولة بطبيعتها، الطفولة وأصل الكلمة.

غاستون باشلار (1948)

لا يحارب رامبو العدو جهاراً، ومن الخارج، بل في الظل، انه يجعل التمرد في قلب ما يريد هدمه. هدفه هو التخريب من خلال الاغواء.

ماريو فارغاس يوسا

جعل العالم يزهر مثل عاصفة في نيسان.

جان كوكتو (1922)

الحلّ على طريقة رامبو يغريني دوماً. إن وقعت حرب في مكان ما، سأكون ضمن القتلة.

انني أفكر جاداً في الرحيل الى أثيوبيا لألتقي رامبو.

لورانس داريل (1936)

عندما يؤكد رامبو تذوقه الرسوم البلهاء والساذجة فإنما هو يتمرد هكذا وبدراية، على الفن الرسمي المتحجر. لكنه كان الوحيد الذي تكلم هكذا.

رينه ماغريت (1930)

لم يكن الشيطان ولا الإله، كان ارثور رامبو، أي شاعراً كبيراً، أصيلاً قطعاً، ذا نكهة فريدة، لغوياً خارقاً, - فتى ليس كالآخرين، أكيداً لا! لكنه كان نقياً، عنيداً وبلا أي خبث وفي منتهى الرقة، وقد كانت له الحياة، هو الذي أريد له أن يتنكر كإنسان متوحش، في الأمام في النور والبأس، جميلة بالمنطق والوحدة مثل شعره.

كان نوع من العذوبة يلمع ويبتسم في تينك العينين الضاريتين بأزرقهما الصافي وعلى ذلك الفم القوي الأحمر ذي الثنية المحزنة: صوفية وشبق...

بول فيرلين (1887)

تتبدى عظمة رامبو في كونه رفض القليل من الحرية الذي كان في امكانه، في عصره وفي مكانه، أن يجعله لنفسه، ليشهد على استلاب الانسان ويدعوه الى ان يجتاز بؤسه الأخلاقي الى المواجهة المأسوية للمطلق. انه هذا الحزم وصلابته ساهما في جعل شعره الأكثر تحريراً (والأجمل من ثم) في تاريخ لغتنا.

إيف بونفوا (1961)

نعم. كان لرامبو أثر كبير عليّ. عندما أكون في جولة ويخطر لي أن أقرأ كتاباً يمسّني، أدخل مكتبة وأقرأ كلماته.

بوب ديلان (1976)

عندما حاول رامبو أن يصبح مؤلف نفسه وقد وصف محاولته بجملته الشهيرة «الأنا آخر» لم يتردد في أن ينجز تحوّلاً جذرياً لفكره، اختار الاختلال المنظم لحواسه كلها.

جان بول سارتر (1947)

حاملاً في نفسه الاشراق والجحيم، محقراً الجمال ومحيياً اياه، صنع من تناقض لا يختزل غناء مزدوجاً ومتعاقباً، انه شاعر التمرد والأكبر. ولكن أين هي اذاً فضيلة هذا الذي حاد عن التناقض وخان عبقريته قبل أن يقاسيها حتى النهاية؟

شاعر كبير ومدهش، الأكبر في عصره.

ألبير كامو (1951)

ولكن في العام 1968 آلاف من رامبو كانت لهم متاريسهم ومن ورائها كانوا يوجهون ويرفضون أي تسوية مع الأسياد القدامى للعالم.

ميلان كونديرا (1973)

كلّ شيء لا يعقل، كل شيء يخالف المألوف، لدى رامبو، ما عدا صمته. لقد بدأ من النهاية، وبلغ على الفور حداً لم يكن قادراً على اجتيازه الا عبر نفي نفسه.

سيوران (1965)

الأول الذي رأى – في معنى الادراك الحسي كما في معنى الرؤيا – في الحقيقة الحاضرة الشكل الجحيمي والدائري للحركة، كان ربما رامبو. شعره ادانة للمجتمع الحديث، لكن عمله الأخير «فصل في الجحيم» ادانة للشعر أيضاً.

لم يعد ممكناً، بعد «فصل في الجحيم»، كتابة قصيدة من دون قلق.

أوكتافيو باث (1965)

كلّ الأدب المعروف مكتوب في لغة المعنى المشترك، ما خلا رامبو. اخترع رامبو أو اكتشف مقدرة «التنافر المتناغم». واذ بلغ هذه النقطة القصوى، النقطة الحادة للاثارة الطوعية لفعل اللغة، لم يكن قادراً الا ان يقوم بما قام به – الهروب.

بول فاليري (1943)

عذبوك/ وحرقوا روحك،/ احتجزوك/ داخل جدران أوروبا/ وكنت تقرع/ الأبواب/ بجنون./ وعندما أخيراً/ استطعت/ الرحيل/ رحلت جريحاً،/ جريحاً وصامتاً،/ ميتاً رحلت.

ليس صحيحاً/ انك سرقت النار،/ انك كنت تركض/ مع السخط السماوي/ ومع حجارة الجحيم الكريمة/ وما فوق البنفسجية،/ لا ليس الأمر هكذا،/ لا أصدّقه،/ لقد حرموك/ البساطة، والمنزل/ والخشبة/ نبذوك/ وأغلقوا الأبواب في وجهك/ ولأجل ذلك/ حلّقت.

بابلو نيرودا (1972، من: نشيد الى رامبو)



"عبده وازن"

التعليقات