زاهي وهبي.. حطاب الاحزان والبرد القارس على المرتفعات

زاهي وهبي.. حطاب الاحزان والبرد القارس على المرتفعات
يبدو زاهي وهبي في قصائد مجموعته الشعرية الاخيرة "ماذا تفعلين بي" على غير صورة النجم الاعلامي التي عرفه بها الناس في برامجه التلفزيونية الواسعة الانتشار.

واذا كانت اول مجموعة شعرية لزاهي قد حملت عنوانا هو "حطاب الحيرة".. والحيرة قد تكون ابنة الابواب العديدة والوعود والاحلام والنوافذ الكثيرة المشرعة.. فمجموعته الاخيرة هذه جديرة بعناوين منها مثلا "حطاب الاحزان" و"حصاد الاحزان".

واذا كانت التجربة الشعرية كما يقول تي. اس. اليوت تشبه عملية كسر قشرة الحياة اليومية الصلدة او الصفحة الجليدية التي تشكل سطح هذه الحياة والنفاذ عبر ذلك الى نهر المعاناة البشرية فالشعر يصبح عندئذ التجسد الحقيقي لهذه المعاناة الخبيئة.

وليس موضوع الحزن غريبا او بعيدا عن نتاج زاهي السابق او نتاج معظم الشعراء خاصة في فترة الشباب لكن مجموعته الاخيرة التي صدرت في 119 صفحة متوسطة القطع عن دار رياض الريس للكتب والنشرK تلفت النظر اذ تكاد تقتصر على مشاعر الحزن واليأس والتعرض للغدر والخيانة والطعن في الظهر ويتحول فيها العالم عامة الى ما يشبه الغاب والناس الطيبون الى شهداء احياء. الا ان الشاعر وجد الطريق الوحيد للخلاص او الهرب من ذلك كله وهي الحب.. اهم انواع العزاء القليلة في هذا العالم.

وحين تفيض قصائد زاهي بهذا القدر من المرارة والشعور بالغربة والوحشة وهو في ذروة نجاحه وصعوده المهني والاجتماعي يخالج القارىء شعور يصعب صده وهو ان الشاعر يبدو كمن يقول لنا ان البرد قارس وشديد في المرتفعات وان النفس البشرية المتسائلة تحمل الامها في كل الامكنة.

الا ان الشاعر مع كل هذا يحتفظ في عالم مشاعره بمكان مهم جدا للمناضلين ولشعراء ابطال في العالم العربي والعالم الكبير كما في قصيدة "شجرة العائلة" المهداة الى سمير القنطار الذي يوصف بانه عميد الاسرى اللبنانيين في السجون الاسرائيلية. وزاهي هو احد خريجي المعتقلات الاسرائيلية في جنوب لبنان.

وهناك عن الشعراء قصيدة "ليلة مقتل لوركا" وقصيدة "تليق بك الحياة" المهداة الى محمود درويش.

يستهل وهبي المجموعة بقصيدة "عين الذئب" الذي قيل فيه انه ينام بعين ويبقي الثانية مفتوحة يقظة. يقول "وحيدا كعازف جاز/ وحيدا كراع هرم/ وحيدا كسلحفاة/ وحيدا كساعي بريد في صبيحة ماطرة/ وحيدا كجيش مهزوم/ احصي انكساراتي/ ابكي مثل قمر شتوي/ دمعتي تلمع في الظلام/ دمعتي عين الذئب/ لا تنام."

في قصيدة "رافقيني قليلا" الاولى.. نواجه ما يبدو ابعد من مجرد الحنين والوحشة الرومانسيين اذ يصور العالم مكانا رهيبا مليئا بالغدر والخيانة ولا ملجأ سوى الحب. يقول "رافقيني/ ليتبدد صقيع الكون/ لتغدو اقل وحشة هذي الحياة/ لم يعد متسع لضحكة الا في وجهك/ ولم يعد امان."

ويتحول الكلام الى اشارات تصبح رغم سماتها الرومانسية العامة ذات مدلولات فردية خاصة. يضيف "اذن رافقيني قليلا/ لتحيد عن ظهري الطعنات/ ثم تعالي نغرس ورودا صغيرة/ في خراب ايامهم/ نحاصر بغضاءهم بالضحكات/ ومن مياه حبنا/ نسقي قلوبهم اليابسة/ ربما تخضر فيها شجرة الحياة."

وفي قصيدة "رافقيني قليلا" الثانية.. وعلى رغم الجو الرومانسي العام تأخذ الصورة مزيدا من سمات حال محددة وتذهب بعيدا عن الخيال الرومانسي الصرف اذ يقول "ليلنا حب اعرف/ وليلهم غدر وخيانات/ اذن رافقيني/ ليتضاعف عمري على صدرك/ ولتحلو قليلا هذي الحياة/ فما همي/ وقدمك الصغيرة الناعمة/ تميمة ترد العيون الحاسدة/ وصوتك ناصع كالرجاء/ فما همي/ وصلاتك العذبة تسيج عمري/ وتجعلها اقل وحشة/ هذي الحياة."

في القسم الثاني من المجموعة التي قسمت الى ثلاثة اقسام "قصائد" صغيرة "مكثفة" تبدو عصارة تجارب تمتزج فيها المرارة بايمان يشبه علاقة محبة مباشرة مع الله. فتحت عنوان "الهي" يقول الشاعر "لانك تحاصرني بالنور/ في العتمة اراك اكثر وضوحا". وفي "دمعة" كأنه يرى ان الحزن هو لغة الشعر الوحيدة وان كل نفس لم تحترق لا تنير على حد تعبير الياس ابي شبكة. يقول زاهي "دمعتي/ تغسل عيني من قذارة العالم/ دمعتي/ حبر القصيدة". اما في "ملاذ" فهو يقول "هل لي غير قلبك/ حين الارض موحشة/ والعالم رازح بثقله على الفقراء."

وما الذي يبقى بعد كل ذلك من الوطن. يبقى الحب الذي يحرس سهرنا الطويل الموحش حتى انبلاج الفجر. في قصيدة "بقية" يقول الشاعر "عيناك كل ما تبقى من بلادي/ صوتك كل ما تبقى من الاغاني/ فهل كثير علي ان احرس حواسك الخمس/ ساهرا على شرفة نومك/ حتى مطلع الحرية."

التعليقات