قراءة في كتاب لوليد دقة / أحمد أبو حسين

-

قراءة في كتاب لوليد دقة / أحمد أبو حسين
يوميات المقاومة في مخيم جنين 2002
إعداد وتحرير : وليد دقة
إصدار "مواطن" المؤسسة الفلسطينية لدراسة الديموقراطية
عدد الصفحات : 120

أن تحاور المقاتلين وهم في الأسر لأنهم مقاتلون، أن تستجوب هؤلاء لاشتراكهم في معركة عظيمة "هبلت" المحللين العسكريين والمؤسسة الإسرائيلية الأمنية، هذا بحد ذاته يمنح الكتاب "يوميات المقاومة في مخيم جنين 2002 " أهمية عن باقي الشهادات التي كتبت حتى الآن عن معركة "المخيم" . إنه " وثيقة ساخنة وحية تروي فيها الوقائع يوما بيوم، وبالتفاصيل، ومن جميع الاتجاهات :الاشتباك العسكري، تكتيكات المقاومة، الأسلحة المستخدمة والعلاقة مع أهالي المخيم .. "

إنها محاولة "لتقصي الحقائق" أو على الأصح معرفة حقيقة ما جرى في المعركة التي لاقت اهتماما إعلاميا وشعبيا . وعندما يكون المحاور أسيرا ينتمي للمرحلة الرومانسية من العمل الوطني الفلسطيني! يعمل قدر المستطاع من خلال انحيازه للمقاومة وبعيدا عن المزايدة أن ينقل لنا الحقيقة كما هي ومن أفواه رفاقه الجدد في الأسر. يكشف لنا أن المقاتلين الذين استشهدوا من جراء الاجتياح لم يتجاوز ال 35 شهيدا وأن عدد المقاتلين المدافعين عن المخيم لم يزد عن مئة مقاتل، وسقط ما يقارب 60-70 شهيدا من المدنيين، منهم من تم إعدامه وتصفيته من قبل الجيش الإسرائيلي .

نجح الكتاب أن ينقل لنا الموقف "العسكري" للمقاومة، كيف صمدت، أين أخطأت، مثل الإعلان عن وجود إستشهاديين بغرض تخويف الغزاة الذين اتخذوها ذريعة لإعمال القصف والقتل والتدمير في المخيم، وكيف أن الإعلام لم يرحم المقاومة في "عش الدبابير" كما أسمى شارون مخيم جنين في حينه .

يضطر الكاتب المحاور وليد دقة أن يعيش حالة إستفزاز ذاكرته تعيده إلى أيامه النضالية الأولى بعدما سمع شهادات مقاومين من مخيم جنين كما نلاحظ في المقدمة ويروي لنا حكايته عن التحاقه في العمل العسكري الفلسطيني، ويشعر بغيرة على مسيرة النضال مما تجعله "يحترق" من أجل أن نتعرف على هؤلاء الذين دافعوا عن كرامة "مخيم" من المفروض أن يعتبر مكانا مؤقتا .

يقول وليد في مقدمة كتابه "إن نشر رواية الأسرى المقاومين من شأنه أن يعزز صمودهم ويحافظ على ذاكرة النضال ويحافظ على المناضلين كقيمة وطنية ومعنوية " .

هذا التأكيد لا بد منه فمن حق وليد أن يخاف على ذاكرة نضاله ونضال المقاومين في زمن أصبحت المقاومة فيه تسمى "إرهابا"، والنضال عند المتساوقين مع المشاريع الأمريكية عهرا .

لم نتعلم بعد أن نحترم ونستعيد ذكرى أبطالنا وشهداء شعبنا ومقاتليه، فيوم الشهيد لم يعد يوما ويوم الأسير أصبح نشاطا يقتصر على الأهل، ونسمح لأنفسنا هنا في هذه العجالة أن نوّجه نقدا عابرا بأن الفعاليات والنشاطات بالنسبة لبعض أهالي المعتقلين والأسرى تسجل لرفع العتب .

فالشهداء الأبطال بدون "أسماء"، وتكاد تنسى في زحمة لائحة الشهداء، ولكل واحد إسم كما تعلمنا من عذابات اليهود وغيرهم في المحرقة النازية، أبو جندل ومحمود طوالبة وأشرف أبو الهيجا وعبد الكريم السعدي وجمال وعبدالكريم الصباغ وطه الزبيدي ومحمد التركمان وغيرهم .

الكاتب، صديقنا وليد دقة، مناضل يقبع في السجن الإسرائيلي منذ سبعة عشر عاما بتهمة الانتماء للجبهة الشعبية، مثقف مجتهد ومتابع وأحد قادة الأسرى في السجون، ولولا ذلك لما استطاع استجواب ألأربعة من المقاتلين على الصفوري وجمال الحويل , يحيى الزبيدي وعبد الجبار خباص .

وبرغم الشهادات الأربعة التي تسنى لوليد الحصول عليها بالصدفة –صدفة اللقاء مع المقاتلين في سجن عسقلان مع أننا نعرف انه كلما ازداد عددها اقتربنا أكثر وأكثر إلى الحقيقة والتعلم أكثر مما تعلمناه في هذا الكتاب .

إنها شهادات تعيد للمقاومة اعتبارها وتستعيد روحها من أجل التحرر والديموقراطية والإستقلال .

التعليقات