عبدالله ابراهيم: المركزية الغربية.. اطروحة صعبة ومصدر معلومات

المجلد الضخم يشكل جولة طويلة في كثير من الفكر الغربي وغير الغربي احيانا وهو في النهاية مصدر جيد للمعلومات.. وتبقى كلمة "لكن".

عبدالله ابراهيم: المركزية الغربية.. اطروحة صعبة ومصدر معلومات

المجلد الضخم يشكل جولة طويلة في كثير من الفكر الغربي وغير الغربي احيانا وهو في النهاية مصدر جيد للمعلومات.. وتبقى كلمة "لكن".

قد يشعر القارىء احيانا بشيء من "الخوف" ازاء المجلدات الضخمة التي يبدو من عنوانها انها تسعى الى طرح نظرية او نظريات او دحض اخرى. وقد يتذكر البعض امثالا شعبية مثل المثل الذي يقول بالمحكية اللبنانية "اللي بيكبر الحجر ما بيضرب" وهو يعني في بعض ما يعنيه ان الذي ينتقي حجرا كبيرا ليرمي به بعيدا يعجز عن القائه كما يود.

عمل الكاتب والباحث العراقي المعروف الدكتور عبد الله ابراهيم والذي حمل عنوانا هو (المركزية الغربية) يمثل دون شك جهدا كبيرا بذله الباحث الذي عرف باعمال عديدة واسعة النطاق منها مثلا (موسوعة السرد العربي) وغيرها.

وقد اتى كتابه الجديد هذا سجلا مكثفا لافكار واراء فلسفية منذ القدم حتى ايامنا وهو في هذا المجال -واذا اعتبرنا ان غايته هي "تعريفية" اي تعريف القارىء بهذه الافكار او تقديم سجل مهم لا افكار فلسفية- حقق غايته دون شك.

اما حين نعتبر ان الطرح الرئيسي في الكتاب هو اظهار الشك او فلنقل رفض ما سمي "المركزية الغربية" فيبدو ان المجلد الضخم لم يأتنا بكثير من الجديد. ومن هنا الحديث عن الحجر الكبير والرماية.

كثير من النتائج التي توصل اليها الدكتور عبد الله ابراهيم -على عمق تفكيره وغزارة علمه- لم تكن جديدة في صلبها وان اختلفت الاراء في تفاصيلها احيانا.

اما اهمية الكتاب الحقيقية فتبقى كما جاء سابقا في انه جاء مجلدا تثقيفيا مفيدا على عدة مستويات. وهو هنا في بعض المجالات يشبه تلك الكتب التي تتناول تاريخ الفلسفة مثلا وان كان المؤلف يتدخل فيه داعما اتجاها او رأيا او رافضا اخر.

الكتاب الذي صدر عن "الدار العربية للعلوم ناشرون" في بيروت وعن "دار الامان" في الرباط في المغرب جاء في 477 صفحة كبيرة القطع وتوزع على ثلاثة ابواب في كل منها فصول مختلفة فضلا عن مدخل استغرق 61 صفحة.

ولابد من الاشارة بسرعة الى بعض محتويات الكتاب القيم دون شك.

في "مدخل" نجد معظم وجهات النظر التي طرحها ابراهيم الناقد والباحث والاستاذ الجامعي المتخصص في الدراسات الثقافية والسردية. بعض عناوين هذا الباب تشير الى ما فيه.

العنوان الرئيسي كان "المركزية الغربية - حيثيات المفهوم واشكالاته" وفيه ستة اقسام هي "تمخضات تاريخية..كشف الاخر وهواجس الانتليجنسيا الغربية" و"تفرد الرؤى وخرافات الاصل.. قضية النقاء" و"الغرب الكوني وتعارض الانساق الثقافية" و"منهج الوحدة والاستمرارية واعادة انتاج الماضي" و"نهاية التاريخ..خلاصة فوكوياما" و"نقض مبدأ الاطراد..بوبر ونقض قانون الحتمية".

اما العناوين الرئيسية للابواب الاخرى دون فصولها المختلفة فهي "الركائز الفلسفية لنزعة التمركز الغربي" و"فلسفة الروح وبناء التمركز" و"التأصيل الفكري واصطناع المعجزة الاغريقية" و"نقد المركزية الغربية - استشعارات داخلية".

وعلى اهمية ما ورد هنا فلا بد من القول انه -اجمالا- لم يحمل جديدا سواء في التحليل او عرض المعلومات فكثير من ذلك هو من المعروف تماما لدى من يهتم بهذه النواحي الفكرية. المقصود بهذا انه لم يخرج برأي خاص يشكل اضافة الى ما سبق. اما فضله التثقيفي بالنسبة الى القراء عامة فامر لا يمكن انكاره.

وقد يقول قائل -وربما عن حق- ان الباحث لم يدع انه يقدم فهما جديدا او تحليلا جديدا للمسائل التي عرضها ولذا فلا يمكن محاسبته في هذا المجال. قد يكون هذا صحيحا لكن نهج عرض الموضوعات وايحاءات ما رافق ذلك يوحيان بنقد يسعى الى تقديم قراءة خاصة لكنه اكتفى بتقديم ما هو معروف سابقا.

هنا يعود الكتاب ككل ليحسب توثيقا فكريا تاريخيا وعرضا لوجهات نظر مختلفة وان بدا انه يميل الى ترجيح بعضها. وهذا في حد ذاته عمل قيم.

يبدأ الدكتور ابراهيم كلامه في "المركزية الغربية - حيثيات المفهوم واشكالياته" بالقول "يتعذر على وجه الدقة تحديد اللحظة التي ولد فيها مفهومان متلازمان هما.. "اوروبا" و"الغرب" والواقع انهما من تمخضات تلك الحقبة الطويلة والمتقلبة التي يصطلح عليها "العصر الوسيط". الحقبة التي طورت جملة من العناصر الاجتماعية والدينية والسياسية والثقافية فاندمجت لتشكل هوية اوروبا.

وبانتهاء تلك الحقبة ظهر الى العيان مفهوم "الغرب" بابعاده الدلالية الاولية وسرعان ما ركب من المفهومين المذكورين مفهوم جديد هو "اوروبا الغربية" هذا المفهوم ذو الدلالات المتموجة لم يمتثل ابدا للمعنى الجغرافي الذي يوحي به فقد راهن منذ البدء على المقاصد الثقافية والسياسية والدينية.

ومن ثم ثبت مجموعة من الصفات والخصائص العرقية والحضارية والدينية على انها ركائز قارة تشكل اسس هويتها وغذى هذا الاختزال ولادة مفهوم حديث ذي طبيعة اشكالية هو "المركزية الغربية".

حبذا لو اتسع مجال كلام الدكتور ابراهيم -وهو حسب علمي من خلال الكتاب لم يفعل- لعرض بعض "البدائيات" والبدائيات قد تكون مهمة وتحاول ان تلقي اضواء احيانا وذلك على سبيل الذهاب بعيدا في الزمن ومن ذلك اسطورة قدموس اليوناية القديمة.

وقدموس الفينيقي هو ابن ملك صور. تقول الاسطورة -كما يعلم الدكتور ابراهيم دون شك ويعلم كثير من الناس- ان "زيوس" كبير الالهة اغرم باوروب شقيقة قدموس وحاول استمالتها اليه فلم يفلح.

الاسطورة تشرح كما هو معلوم واقعا وهو انتقال الحروف الابجدية الفينيقية الصوتية الى اليونانيين القدامى. وهي ايضا تتناول امورا اخرى منها نشؤ فكرة " الغرب" واسم اوروبا.

تمضي الاسطورة فتشرح كيف حول زيوس نفسه الى ثور وخطف "اوروب" واتجه بها غربا الى جبل الاولمب مقر الالهة وملعبهم. سأل قدموس عن اوروب والى اين ذهبت فابلغوه فقصد اليونان محاولا -عبثا- اعادتها الى وطنها.

المهم في هذه "البدائيات" ان الغرب واوروب واوروبا لاحقا شيء واحد كما يبدو.

والغرب هو جهة غروب الشمس فهي تغيب في البحر والبحر يقع الى الغرب من الشاطيء الفينيقي. ويرى لغويون ان كلمات العربي والعبري والغرب والغروب اي المساء ومثيلتها "عريف" العبرية هي ذات اصول مشتركة عند بعض الجماعات " السامية" ... والله اعلم كما يقال.

المهم في الامر ان المفهوم الجغرافي لكلمة غرب هو نسبي اي نسبة الى مكان ما وهو هنا غرب الشاطيء الفينيقي.

اما ما جرى "فعلا " وقد شرح الكتاب كثيرا منه فشأن يدخل في عالم الواقع وتطوراته وافكاره وفلسفاته.

في المحصلة النهائية عمل الدكتور عبد الله ابراهيم مهم للقارىء العربي دون شك.

التعليقات