31/10/2010 - 11:02

أحمد زكي في الفصل الأخير من مسرحيته الأخيرة؟

أحمد زكي في الفصل الأخير من مسرحيته الأخيرة؟
يبدو أن رجعة أحمد زكي الى القاهرة، بعد إجرائه الفحوص الطبية في باريس، كأنها شبه تأكيد على أنه من الأفضل أن يقضي الفنان أيامه التي تمنى الملايين ألا تكون الأخيرة، في وطنه. ذلك أن عبارات مخففة كالخلايا النشطة التي تعشش في صدره، كما كان يصفها الأطباء والصحافيون، أملاً بأن تكون هذه الخلايا مجرد خلايا قابلة للمكافحة، يبدو أن هذه العبارات استبدلت في بعض الصحف بخلايا سرطانية متقدمة في الرئة.

الفنانون المصريون والعرب، الذين يرافقون أزمة أحمد زكي بعقولهم وقلوبهم، بعدما صار الذي خافوا أن يكون، في مرحلة الدعاء والصلوات وكذلك في مرحلة التأبين والرثاء. الإثنان يمشيان معاً. ابتهال أن يجترح معجزة، ودمع على فنان كبير، كأنه على الضفة الأخرى من الوداعات والمناديل. بل كأن هذه العاطفة الكبيرة التي يكنّها الناس لأحمد زكي، تعبّر عن نفسها باعتبارها انحيازاً الى الحياة، أكثر مما هي استسلام للموت. ذلك أن "النمر الأسمر" كوّن على امتداد حياته الفنية، سجلاً حافلاً بالأعمال المميّزة، واحتل موقعاً خاصاً في تاريخ الأداء السينمائي العربي. فهو جايل كبار المخرجين المصريين ممن صنّفوا تحت "موجة" "سينما الواقعية الجديدة" كمحمد خان، وخيري بشارة، وداوود عبد السيد، وعلي بدرخان، ورأفت الميهي وعاطف الطيب.. ومعهم، أو مع معظمهم اشتغل في أفلام كانت مفاصل أساسية في اتجاه السينما المصرية الى مرحلة جديدة، بعد جيل صلاح أبو سيف ويوسف شاهين، وهنري بركات، وكمال الشيخ.

إذاً، كان مع عدد من الممثلين كنور الشريف، ومحمود ياسين، وحسين فهمي، ومحمود عبد العزيز، ويحيى الفخراني، وسواهم، مساهمين في تركيز صورة سينمائية أخرى. ولكن أحمد زكي، على أهمية هؤلاء، تجاوز كثيراً من الأطر الأدائية التي لم يستطع الممثل العربي تجاوزها، لا سيما الميلودرامية، والانفصال عن تأثيرات المسرح حركة وصوتاً وتعبيراً. كان أقرب الى التقشف في تجسيد أدواره. أقرب الى البساطة الصعبة، أو الى السهل الممتنع. لكنها بساطة تنبع من حس درامي عميق، ومن استبطان داخلي متوازن في الأداء ومن تنوع في الحالات، والأعمال والشخصيات، إذ كان دائماً على مسافة من دوره، لكن كان أيضاً على اتصال حميم به. اتصال جواني يخرج بأدوات سينمائية خالصة. لا اكسسوارات مسرحية. ولا التباس بين الشاشة الكبيرة والشاشة التلفزيونية. لذا يمكن القول أن أحمد زكي هو أكثر الممثلين السينمائيين العرب سينمائية. وهذا لا يعني أنه لم يلمع عندما لعب على المسرح، منذ دوره المحدود في "مدرسة المشاغبين" مع عادل إمام وسعيد صالح، لكن لغة المسرح يجب أن تكون مسرحية، وكذلك لغة السينما، أو التلفزيون. لكل منها خصوصيتها. وهذا بالتحديد ما جعل أحمد زكي فتى الكاميرا السينمائية الأول، بكل إغراءاتها، وفخاخها، وقوتها ونفاذها.

اليوم، أحمد زكي في الفترة الحرجة، الكئيبة، اليائسة، لم تعد له سوى شخصية واحدة ربما يلعبها هي شخصيته، ودور واحد هو دوره، ومسرحية واحدة هي مسرحية النهايات، فهل يكذب المنجمون والأطباء، ويخرج على هذه الشخصية الأخيرة، والدور الأخير، والمسرحية الأخيرة، ليعود وينضم الى الحياة... أو هذا المسرح الحي المفتوح؟

______________________________________________

( حازم الليلكي- جريدة "المستقبل"، بيروت)

التعليقات