31/10/2010 - 11:02

تشومسكي: الاحتلال الامريكي للعراق اسوأ من نظام فيشي

تشومسكي: الاحتلال الامريكي للعراق اسوأ من نظام فيشي
يتهمونه بأنه يصف الولايات المتحدة بأنها «الامة الارهابية الرئيسية» ويعتبره الكثيرون شيطاناً، أو معاديا للمسيحية، أو على أقل تقدير ملاك الاكاديمية الأسود. وعنونت مجلة نيويوركية مقالة لها تدور حوله بأنه «محاسب إبليس». لذلك فإن أي لقاء مع نعوم تشومسكي، الاستاذ الجامعي والباحث والمنظر المشوق والشرس معاً، والذي كان له صوت مخالف فيما يتعلق بالحادي عشر من سبتمبر يظل فيه دائما الكثير من المفاجيء وغير المتوقع.


في البداية، يتحدث بصوت خفيض جداً، ويستمر بالوتيرة نفسها حتى عندما يؤكد ان الاحتلال الاميركي للعراق يعد اسوأ من نظام فيشي وأن الانتخابات تشترى وتباع في الولايات المتحدة او انه تتوجب محاكمة بوش جنباً الى جنب مع صدام حسين. مكتبه في معهد ماساشوستس للتقنية تقليدي بالكامل مع نافذة تطل على الرواق. تشومسكي يرتدي دائما الجينز وقميصا مكويا بشكل سييء وينتعل زوجا أبيض من الأحذية، أي الزي الرسمي لسكان الضواحي الأميركية.


في الستينيات، كان تشومسكي مجرد واحد من ألوف المثقفين اليساريين الذين احتجوا على الحرب في فيتنام. لكنه في المقابل بقي وحيداً من الناحية العملية عندما عارض القصف الأميركي لأفغانستان.


لذلك فليس مفاجئا ان تحقق كتبه افضل المبيعات بدءا بكتاب «أسرار وأكاذيب وديمقراطية» ومرورا بـ «دول مارقة» وليس انتهاء بـ «هيمنة أم بقاء على قيد الحياة: السعي الأميركي للسيطرة العالمية». ومن أجل من يبحثون في الولايات المتحدة عن أصوات تكسر الاجماع السائد فيما يتعلق بضرورة مواصلة شن الحرب على الارهاب، فإن تشومسكي يمثل احد تلك الاصوات القليلة.


ـ إلى أي حد يبدل اعتقال صدام حسين المشهد السياسي في العراق؟


ـ لاعتقال صدام معنى رمزي لا أكثر، فالناس لم تعارض حرباً في العراق لأنها افترضت أن صدام ما كان ليعتقل أبداً. والمشكلة في العراق ليست هذه. فالمدهش في الأمر هو أننا نجد أنفسنا في بلد مدمر عملياً من جراء العقوبات التي فرضت عليه طويلاً، حيث كان هناك طاغية، لكن هذا الطاغية لم يعد هناك، حيث لا يوجد دعم عالمي لأي نوع من المقاومة للاحتلال الأميركي وتسيطر الولايات المتحدة على جميع الموارد الطبيعية، وقد أجبرت مجلس الحكم العراقي على قبول برنامج اقتصادي يبيع العراق للرأسمال الأجنبي، وحيث تستطيع الولايات المتحدة انفاق الأرصدة التي تريدها على حملتها العسكرية.


وذلك يبدو احتلالاً سهلاً إلى أقصى حد. ويتطلب عبقرية غير عادية لإفشاله. ومع ذلك، فلقد فشلت الولايات المتحدة حتى الآن. والألمان كانوا أفضل بكثير في السيطرة على أوروبا خلال الحرب العالمية الثانية، حيث شكلوا حكومات محلية، مثل حكومة فيشي، مع قوات أمنية محلية. لكنهم كانوا وراء هذه الحكومات بشكل جلي. وروسيا فعلت الشيء نفسه مع بلدان أوروبا الشرقية، حيث وضع دمى محلية في تلك الدول، ووقفوا خلفها. ولقد حدث كل هذا في ظروف أشد قسوة إلى أقصى حد مما وجده الأميركيون في العراق.


ـ ما هو مرد هذا الفشل؟


ـ لقد تحدثت حول ذلك تماماً مع مسئول رفيع في إحدى المنظمات الرئيسية للمساعدة الإنسانية، والذي لا أستطيع ذكر اسمه، طبعاً. وهو رجل ذو خبرة هائلة على امتداد العالم كله وشاهد كل شيء. وكان عائداً من بغداد بعد قضاء بضعة أشهر هناك، وكانت تسيطر عليه مشاعر الاستنكار والدهشة. وقال لي إنه لم ير أبداً تركيباً مماثلاً للعجرفة والجهل وعدم الكفاءة كالذي يجسده الاحتلال الأميركي في العراق. وربما كان على حق.


فالعجرفة القصوى وعدم الكفاءة التامة والجهل المطلق هي ميزات الاحتلال في العراق، ذلك أنه إذا كانت للمرء قوة مثل قوة الولايات المتحدة، فلماذا يقلق حيال هذه الصغائر؟ وعملياً فإن الأميركيين يستطيعون استخدام القوة الوحشية كما يحلو لهم، لكني أشك بأنهم سيتمكنون فعلياً من السيطرة على العراق يوماً ما، مهما كلف ذلك.


ـ ما هي وجهة نظرك حول صدام؟


ـ صدام هو مسخ كانت تتعين محاكمته منذ زمن بعيد، لكن في هذه المحاكمة ذاتها وإلى جانبه يتعين أن يقف أيضاً كل مسئولي الحكومة الأميركية. فهم الذين دعموا صدام عندما ارتكب أسوأ فظاعاته وواصلوا إمداده بالأسلحة. وهذا لا يمت بأية صلة للحرب ضد إيران. أتحدث هنا عن السنوات اللاحقة لها حين دعمت الولايات المتحدة الطاغية عندما سحق تمرد عام 1991، الذي كان بإمكانه أن يهزم صدام.


وعندما التقى بوش وبلير وأزنار في القاعدة العسكرية الأميركية في الأزو وأعلنوا الحرب، قالوا بوضوح لا لبس فيه إنه حتى لو ترك صدام وشركاؤه البلاد، فإنهم كانوا سيدخلون العراق بقواتهم. وهذا يثبت كم كان قليل الأهمية اعتقال صدام من وجهة نظرهم. والشيء الوحيد الذي اهتموا به كان التأكد من أن العراق سيبقى كدولة تابعة ومنقادة للولايات المتحدة، وأن يقبل ببرنامج ليبرالي جديد متطرف يترك كل موارد العراق بين يدي الشركات الأجنبية.


ـ النفط بقي للعراقيين؟


ـ إنه الاستثناء الوحيد، لكن أعطه بعض الوقت وسيكون بيد الأميركيين. والخطوة المقبلة التي تم الإعلان عنها ولا ينقصها سوى التنفيذ، هي اتفاق (على الرغم من أن كلمة اتفاق تعتبر شيئاً غريباً بالنسبة لمعاهدة أحادية الجانب إلى هذا الحد) يضمن أن الحكومة الوحيدة التي ستوافق عليها الولايات المتحدة في العراق ستكون حكومة تسمح لها بالبقاء هناك مع قواعد عسكرية.


ـ كيف يؤثر ذلك على بقية العالم؟


ـ بشكل مباشر جداً. بما أن مجريات الأحداث كانت بهذه الدرجة من السوء بالنسبة للولايات المتحدة، فإن ذلك سيمنع واشنطن من أن تتقدم بالخطوة التالية. ما هي هذه الخطوة؟ إنها منطقة الانديز، من فنزويلا حتى حدود الأرجنتين. فلقد كان هذا أحد أهم المشاهد التي كانت تجري عملية تقويم له على قدم وساق، حيث مثلت كولومبيا فيه هدفاً واضحاً للتدخل الأميركي المسلح.


لكن هذا المشروع تراجع خطوة إلى الوراء، وحوّله الفشل في العراق إلى مغامرة باهظة الثمن، وأوجد معارضة واسعة للتدخلات الدولية المسلحة، على الرغم من أنه لن يكون نهايتها بأي حال من الأحوال.


ـ لماذا؟


ـ الأمر بسيط للغاية. يجب أن نتذكر أن الولايات المتحدة لم تعد القوة الاقتصادية الوحيدة في العالم.


فهناك ثلاث كتل أخرى مساوية لها تقريباً، واحدى هذه الكتل مكونة من بلدان أميركا الشمالية جميعها. والاخرى هي أوروبا على ألا ننسى كتلة شمال شرق آسيا التي تعتبر بوضوح الكتلة الأكثر ديناميكية، والتي من الممكن ان تتحول سريعاً الى مركز الاقتصاد العالمي.


مع الأخذ بعين الاعتبار ان الولايات المتحدة لا تسيطر اليوم إلا على بعد واحد هو القوة العسكرية، وأن الحكومة الاميركية تتصرف لصالح الأغنياء بشكل فاحش فقط، حيث المثال الأكثر وضوحاً يتمثل في كيفية قيامها بالقضاء على جميع الإنجازات التقدمية في القرن الأخير لتدخل السعادة الى قلب الأغنياء. فها نحن نجدهم يلغون، على سبيل المثال، الضرائب التقدمية ويقتطعون الأرصدة المخصصة للتعليم والصحة والضمان الاجتماعي للناس الأكثر فقراً.


ـ هذا عام انتخابي في الولايات المتحدة، هل تعتقد ان هناك امكانية لحدوث تغييرات؟


ـ يبدو لي ان احتمالية حدوث ذلك ضئيلة جداً والسبب هو ان الانتخابات في الولايات المتحدة تباع وتشترى، حيث كل شيء لا يعدو كونه استعراضاً يقدم للجمهور، لكن لم يتبق شيء من الثقافة الديمقراطية عملياً، فالمرشحون الذين يمثلون الناس العاديين بشكل حقيقي لا يستطيعون أن يحلموا بالمنافسة، بحيث لا يمكن أبداً أن يحدث ما حدث في البرازيل، حيث فاز مرشح شعبي على الرغم من معارضة دوائر الرأسمال المركز ووسائل الإعلام.


وكي تأخذ فكرة عن مدى سيطرة الشركات الكبرى على السياسة الداخلية والرأي العام، فكر فيما كان الانجاز التشريعي في الأسابيع الأخيرة وقوانين خدمة المساعدة الطبية «ميدكير» التي يقولون انها تزود كبار السن بالأدوية.


الآن إذا نظر المرء بتمهل الى التشريع الجديد، فإنه يدرك على الفور ان الناس العاديين لن يحصلوا على شيء منه، لا بل ان النظام باهظ الكلفة. أما المستفيدون الوحيدون فهم أصحاب شركات الادوية. وأمثلة مثل هذه موجودة بكثرة. وهذا يشير إلى أن انتخابات في هذه الظروف لا معنى لها، وحتى يتبدل هذا الوضع فإنها لن تكون أكثر من مزحة.


ـ بعد 11 سبتمبر قارنت عمل بن لادن مع عمل الولايات المتحدة في باقي العالم، والكثيرون فسروا ذلك بأنك تلمح إلى أن أميركا «كانت تسعى لذلك العمل».. هل هذا صحيح؟


ـ لا طبعاً، ومن غير المعقول أن يكون قد فسر على هذا النحو، فالشيء الوحيد الذي قلته: هذه فظاعة مريعة، لكن لسوء الحظ ان عدد القتلى كان غير عادي. والشيء الوحيد غير العادي كان الوجهة التي صوبت لها الاسلحة. لكن إذا كان الأمر جريمة عندما يرتكب ضدنا، فهو كذلك ايضاً عندما نرتكبه نحن.


ـ في مقابلة حديثة أجرتها معك صحيفة «نيويورك تايمز» سألوك عما إذا كنت ترغب بالذهاب للعيش في مكان آخر وأجبت ان الولايات المتحدة هي «أفضل بلد في العالم».. ترى هل تشعر بذلك حقاً؟


ـ المقابلة التي تشير اليها مثيرة للاهتمام أيضاً، لأنها تقول الكثير حول الصحافة الأميركية، ولأنها مقابلة لم تحدث على أرض الواقع، فلقد وجه اليّ الصحافي الذي أجراها سلسلة من الاسئلة الحمقاء بالكامل، ورحت أشرح له بالتفصيل الممل طوال ساعة ونصف الساعة لماذا ما كنت لأرد على كل واحد من تلك الاسئلة. لكن ما فعله الناشر لاحقاً هو استخراج جملة واحدة من كل توضيح قدمته ووضعها كجواب.


ـ لكن هل رغبت بالعيش خارج الولايات المتحدة في وقت ما؟


ـ لا.. لماذا أفعل ذلك؟ انها بلادي، أما إذا عشت في بلد آخر فسيكون من واجبي انتقاد الاشياء التي لا تروق لي هناك. والولايات المتحدة هي ناسها وثقافتها وليس فقط سياستها الخارجية. لدينا أشياء رائعة جداً، وأفضل مما هو موجود في بقية العالم، حقوق وضمانات دستورية كانت ثمرة سنوات طويلة من العمل والنضال، وأنا لا أنسى ذلك، كما انني لا أستطيع العيش في ظل نظام استبدادي.


ترجمة: باسل أبوحمدة

«لاناسيون» ـ الارجنتين

التعليقات