31/10/2010 - 11:02

مؤتمر عن مقاربات النحو في مجمع أكاديمية القاسمي

مؤتمر عن مقاربات النحو في مجمع أكاديمية القاسمي
عقد في باقة الغربية يوم 21 آذار 2009 مؤتمر عن النحو شارك فيه نخبة من الدارسين المختصين ، وقد رأس الاجتماع د. ياسين كتاني رئيس المجمع الذي تأسس حديثًا في باقة الغربية.

كانت ورقة د. إلياس عطا الله حول الثابت والمتحوّل في النحو العربيّ_ الإعراب نموذجًا، ومما ورد فيها:
لا أجازف إن قلت إن النحو العربيّ- بمفهوميه؛ الكلاسيكيّ الكلّيّ الحاضن لعلم القواعد ومباحثه(grammar)، والحديث أو شبه الحديث الجزئيّ المقتصر على الكلمات ووظائفها في النظم الجمليّ(syntax)- أضحى من المباحث المغلقة الثابتة التي لا تحتمل زيادة بإضافة موضوع إليها، ولا تحتمل حذفًا إن أردنا المحافظة على اكتمالها وتناغمها، ولا يُعدّ الإرجاء أو التخفيف أو التسهيل أو عدم إدراج هذا المبحث أو ذاك من الحذف النحويّ، هو حذف من مادّة تدريس، أو هو حذف من مقرّر منهجيّ مدرسيّ، أو حذف موقّت، ولا بدّ لهذه المرجآت، أو المسكوت عنها، من العودة في مرحلة ما من مراحل التخصّص بجرعات تقتضيها الضرورة المعرفيّة.
ورغم هذا الثبات أو الانغلاق الاكتماليّ، هل من متحوّلات في هذا الثابت تتجاوز قضايا الاجتهادات والمقاربات والتيسيرات والتحليلات؟ هل ترك النحويّون القدماء لنا شيئا؟
سنحاول في هذا المُتاح الزمني أن نلامس هذا القضايا، مركّزين على ضرورة البحث عن المتحوّل في قدس أقداس النحو؛ الإعراب، الذي هو تبيين وظائف الكلمات حين دخولها في الجملة، لا الإعراب الذي هو ضدّ البناء، وإن كان الرابط بين المصطلحين هامّا ومتينا.

أما ورقة المستشرق أهارون جيبع فكانت حول نظرية إبراهيم الكوني اللغوية والنظرية النوسترية ، ومما ورد فيها:
اشتهر إبراهيم الكوني، الكاتب الليبي الذي ولد عام 1948، كقاصّ ومؤلف للروايات، وله مؤلفات أخرى يربو عددها على الأربعين نتاجًا. ومما تجدر الإشارة إليه، أن الكوني، علاوة على مساهمته الهامة في مجال الأدب، فقد عرف أيضًا بنظريته الفريدة في الحقل اللغوي. صدر للكوني، بين السنوات 2000– 2006، كتاب في ستة مجلدات يحمل عنوان "بيان في لغة اللاهوت" حاول التوصل فيه إلى طريقة جديدة لوصف تطور الجذر الساميّ، متبنيًّا وجهة نظر مختلفة تمام الاختلاف عما عهد لدى علماء الصرف والشكل والنحو في العالم العربي. فهو يرد الجذر الساميّ والعربيّ إلى ما يسمى بالأحادية.
والأحادية هي أن الكلمة البدائية تكونت من حرف واحد لا غير، فلكل حرف وحرف مدلوله الاشتقاقي الذي يرجع إلى دائرة دلالية معينة. فعلى سبيل المثال لا الحصر، يسمى حرف الباء عنده "باء الروح" لأنه يدل أصلا على الروح الموجودة ليس فقط في الإنسان بل أيضا في الحيوان. ويمكننا القول، بشكل عام، إن إبراهيم الكوني يشارك غيره من المختصين بعلم اللغات الساميّة المقارن، في وجود قاسم مشترك يربط بين اللغات الساميّة القديمة. ولكنه يختلف عن زملائه في اعتقاده أن للغة الطوارق – وهي فئة تقطن في منطقة الصحارى الكبرى التي تمتد من مركز ليبيا إلى جنوبها باتجاه المغرب وتشاد ومالي وموريتانيا— الأسبقية الزمنية لتطور اللغات السامية.
لقد شهد الاتحاد السوفياتي، في فترة ستالين، نشوء النظرية النوسترية. وكلمة nostre اللاتينية تعني "الذي يعود لنا". أي أن هذه النظرية، والتي لها جذور شيوعية، تحاول إيجاد القاسم المشترك بين لغات الشعوب المختلفة في العالم. وهذا يذكرنا بقصة برج بابل الذي ذكر في القرآن الكريم وفي العهد القديم. تقول النظرية النوسترية أن لأغلبية الألسن في جميع أرجاء العالم لغة أمّ واحدة قديمة؛ وليس القصد هنا ما يعتقده علماء كثيرون بما يسمى الساميّة الأمّ Proto Semitic بل الحديث عن لغة مشتركة بين أكثرية البشر. وهنا تلتقي النظرية النوسترية ونظرية إبراهيم الكوني في قاسم مشترك هو أن هذه اللغة العالمية المشتركة قد بدأت من كلمات مكونة من حرف واحد لا غير.
ويبقى السؤال مفتوحا: أحقا أنّ لهاتين النظريتين أسسًا راسخة متينة؟
يحاول د. جيبع كلاينبرجر الإجابة عن هذا السؤال موفرا المعلومات والمعطيات المفاجئة المتعلقة بمدار البحث هذا.

واختتمت الجلسة الأولى بورقة الأستاذ الواعد عبد الناصر جبارين حول ملامح التّقليد والتّجديد لدى النُّحاة القدماء والمُحْدَثين - المنهج والتّطبيق، وملخصها:
ارتبطَتْ نشأةُ النَّحْوِ العربيِّ بعوامِلَ مختلفةٍ كانَت الباعثَ لتدوينِ قواعدَ محدَّدَةٍ يُضْبَطُ بها الكلامُ. ولعلَّ أهمَّها هو الحفاظُ على قُدْسِيَّةِ النَّصِّ القرآنيِّ من اللَّحْنِ، الّذي بدأَ ينتشرُ بشكلٍ لافتٍ، لا سيّما إثْرَ دخولِ الأعاجمِ في الإسلام، فرآهُ القدماءُ خطرًا يُهَدِّدُ كيانَ العربيّةِ مِنَ الحَيْدِ عن مسارِها الفصيحِ الّذي عَرَفَتْهُ العربُ.
بَيْدَ أنّ الدّرسَ النَّحْويَّ أَخَذَ بالاستقلالِ تدريجيًّا بعدَ أنْ كانَ يهدِفُ إلى غرضٍ واحدٍ، فاتّسعَتْ موضوعاتُهُ وأغراضُهُ، إذْ لازمَتْ تطوُّرَ الدّرسِ النَّحْوِيِّ علومٌ أخرى نحو التّفسيرِ، وأصولِ الفقهِ، وعلمِ الكلامِ، فكان لها أثرٌ بارزٌ في اتّجاهِ النّحْوِ اتّجاهًا جديدًا، فقد وُجِدَ له دارسونَ مختصّون أرادوا أنْ تكونَ اللُّغَةُ كلُّها ميْدانَ هذا الدّرسِ الجديدِ، وطَفِقُوا يدرسونَ النّحْوَ لذاتِهِ، لا لأنّهُ عَمَلٌ خاصٌّ بالقرآنِ.
ثُمَّ كانَ لسيبويْهِ دورٌ بالغٌ في إرساءِ أُسُسِ هذه القواعدِ حينما نَقَلَ تُراثًا ثَرًّا عمّا سبقوه، خاصّةً عن شيخِهِ الخليلِ بنِ أحمدَ، فوَضَعَ "الكتابَ" الّذي عَدَّهُ النّحاةُ "قرآنَ النَّحْوِ"، ورَجَعَ إليْهِ نحاةٌ كثرٌ، محاولينَ إمّا الشّرحَ، وإمّا التّعليقَ؛ فبَدَتِ الآراءُ المختلفةُ بيْن النّحاةِ مُتَشَعِّبَةً، بلْ تشكَّلَتْ مدارِسُ نَحْوِيّةٌ مختلفةٌ، أبرزُها البصريّةُ والكوفيّةُ والبغداديّةُ والأندلسيّةُ والمصريّةُ، وكَثُرَتْ جَرَّاءَهَا الشُّرُوحاتُ، والمتونُ، والحواشي، والمُلَخَّصاتُ، حيْثُ بَدَا الدّرسُ النّحويُّ مُعَقَّدًا صعبَ المراسِ يحتاجُ أحيانًا إلى شرحِ الشَّرْحِ، والتّعليقِ على التّعليقِ.
كانَ مِنْ بيْنِ هؤلاءِ النُّحاةِ مَنْ اقْتَفَى آثارَ سابقيهِ، وسارَ على غِرارِهم، إذْ لم يَرْضَ بأيِّ تهاونٍ فيما وَصَلَ إليْهِ أسلافُهم فحولُ النّحاةِ، وفي المقابلِ كان مِنْهُمْ مَنْ حاولَ التّجديدَ والتّيْسيرَ، بلْ رَفَضُوا ما وَصَلَ إليْهِ النّحوُ مِنْ وُعورَةٍ وجمودٍ، ممّا دَفَعَ ابنَ خلدون إلى توجيهِ انتقادٍ إلى النّحاةِ الّذين صَرَفُوا كلَّ عَنايَتِهم للقواعدِ النّحْويّةِ، وأرادوا زَجَّ اللُّغَةِ في أَسْرِ المنطِقِ، وإخضاعَها لقوانينِهِ الصّارِمَةِ.
ولعلَّ ابنَ مضاءٍ القرطبيَّ كانَ صاحبَ الثّورةِ الأبرزِ على منهجيّةِ تأليفِ النّحوِ وتدريسِهِ، فدعا إلى إصلاحِ النّحْوِ، وألَّفَ كتابًا بعنوان "الرّدِّ على النّحاةِ"، ونادى فيه إلى إلغاءِ نظريّةِ العاملِ، وإسقاطِ العِلَلِ الثّواني والثّوالثِِ.
أمّا النّحاةُ المُحْدَثون فقد انقسموا إلى فريقيْنِ كذلك، فريقٍ يتشبّثُ بالقواعدِ النَّحْوِيَّةِ المُتّصلةِ بالعواملِ، والقياسِ، والأصلِ، والفَرْعِ، والعِلَلِ، والإجماعِ، واستصحابِ الحالِ، وغيْرِها مِنْ أدلّةِ الأصوليّين، خوفًا منهم على انهيارِ صَرْحِ العربيّةِ المتمثِّلِ بأصولِ النّحْوِ وقواعِدِهِ، وفريقٍ آخرَ يُنادي إلى إصلاحِ النّحوِ، حيْثُ تأثّرَ هؤلاءِ بعدّةِ عواملَ، أهمُّهما: ظهورُ آراءِ ابنِ مضاءٍ القرطبيِّ، والاطّلاعُ على الدّراساتِ اللُّغويّةِ الحديثةِ في الغربِ، والاستغلاقُ في الدّرسِ النّحويِّ، وتعقيدُ مباحثِهِ وأبوابِهِ، ونفورُ الدّارسين والنّاشئةِ منه؛ فثاروا على نظريّاتٍ نحْويّةِ كثيرةٍ، ودَعَوْا إلى إلغاء العاملِ، والتّقديرِ، والإعرابِ المحليِّ، والحركاتِ الفرعيّةِ. مِنْ هؤلاءِ الباحثين: إبراهيم مصطفى، وتمّام حسّان، ومهدي المخزومي، وشوقي ضيف، ومحمّد عيد، وأنيس فريحة.

وفي الجلسة الثانية تحدث الدكتور فهد أبو خضرة عن خطوات عملية في تجديد النحو العربي، فذكر أن
هناك مشكلة حقيقية في مسألة إتقان القواعد العربية، وهي مشكلة خطيرة واسعة الانتشار، ولا شك أن معالجتها ضرورة قومية ودينية وثقافية، خاصة وأن إتقان القواعد يؤثر تأثيرًا مباشرًا على إتقان اللغة.
تنبه الباحثون العرب إلى وجود هذه المشكلة منذ ما يقرب من تسعين عامًا، وحاولوا معالجتها. وقد ظهرت محاولات عملية ونظرية عديدة، إلا أن المشكلة رغم هذا ما زالت قائمة. ونحن مطالبون بالتصدي لها والقيام بخطوات إضافية.
على هذه الخطوات اليوم أن تتجه، كما اتجهت المحاولات السابقة، اتجاهين متوازيين: اتجاهًا نظريًا واتجاهًا عمليًا.
في هذا اللقاء سأتجه اتجاهًا عمليًا، متناولاً ست نقاط محددة. هذه النقاط هي:
تسكين اسم العلم المفرد. وذلك بعد أن أقرّ مجمع اللغة العربية في مصر تسكين أسماء العلم حين تتوالى.
تجنب إعراب صيغتي التعجّب، لما في هذا الإعراب من تصنع، والاكتفاء باستعمالها استعمالاً سليمًا مع الشكل.
ترك الإمكانيات الإعرابية التي لا ضرورة لها، والتي لا يؤدي تركها إلى أي إخلال، لا بالمعنى ولا بالشكل، كما نجد مثلاً في إعراب بعض أسماء الاستفهام.
اعتبار "أيها" حرف نداء، والتوقف عن اعتبارها منادى، أما "يا أيها" فتعتبر حرف نداء مركّبًا.
إجازة الوقف على الاسم المنصوب المنون بالسكون في الشعر، بعد أن أجازه الشعراء لأنفسهم منذ العصر العباسي، وهو اليوم منتشر جدًا في الشعر العربي كله.
إجازة صرف الممنوع من الصرف في النثر، على غرار صرفه في الشعر.


وكانت ورقة الدكتور مواسي ورقة نقدية ملحة ، وهي بعنوان "التجديد في كتب -الجديد في قواعد اللغة العربية- ، ودواعي القصور نحوها - تقويم وصفي " – وملخصها:
كان منهاج القواعد الجديد الذي اعتمدته وزارة التربية في أواخر الثمانينيات، وتبعًا لذلك كانت الكتب الصادرة وفقه بدءًا من سنة 1988 - قفزة تعليمية، بل ربما كان فتحًا في أساليب تدريس النحو العربي عامة.
اعتمد المنهاج تقسيم المادة التعليمية بين المرحلتين – الإعدادية والثانوية، فخصص دراسة الناحية الوظيفية للأولى، بينما ركز على الإعراب والشكل في الثانية.
عمدت الكتب إلى النصوص، حيث يشرع الطالب أولاً بفهم مقروئها، ثم يستدل ويستنتج، وذلك من خلال أسئلة متدرجة بطريقة خاصة محفزة له على التعلم، حتى يصل إلى الإجمال.
ثم إن اختيار النصوص الأدبية –بدءًا من القرآن كتاب اللغة الأول- والنصوص التراثية، والحداثية، والواقعية المحلية أضفى على المادة عنصر التشويق، أو على الأقل قوى النزعات الشخصية لدى الطالب.
حاولت الكتب أن تكون دقيقة في التعريف، واهتمت في المرحلة الثانوية بأهمية الشكل وإعراب الكلمة، وأنحت جانبًا مسائل خلافية غير عملية، أو هي نادرة الاستعمال. كما اهتمت على المستوى النظري –على الأقل- بتعليم الصوتيات وفق النظريات الحديثة.
وتمثلت الجدة كذلك في اعتماد الفوائد، والتمارين الاختيارية، وهذان نهجان مخصصان للطلاب الممتازين، والمتابعين من دارسي الموضوع.
غير أن الكتب جوبهت بما يعرقل من مسيرتها، حتى لا يُجزى من نفعها.
والمسؤولية الأولى تقع – في تقديري- على وزارة التربية، فهي لم تخصص الميزانيات الكافية لمتابعة منهاج تتبناه، بل لم توله اهتمامًا بالغًا مدرَكًا. ومن أهم هذه المعوقات :
ثمة مدارس لا تدرّس الكتب، بل وجد المعلمون فيها أن الكتب القديمة التي ألفت سنة 1926 تشفي غليلهم، وذلك بحكم الجري على المألوف، والتحفظ من كل ما هو جديد، فالجديد لدى البعض يدعو إلى الريبة.
ثمة مؤلفون ألفوا كتبًا، وأجازتها وزارة التربية، بدون فحص لمدى تطبيقها المنهج، أو فحص لمدى صحة ما فيها.
لم تكن هناك دورات سنوية مخصصة لمعلمي المادة، ولم يكن هناك إرشاد لجميع المستويات التعليمية، وبصورة دائبة.
لم يكن هناك استطلاعات أو استبانات لدراسة آراء المعلمين، ومدى اكتساب الطلاب، والموازنة بين المنهاج القديم وبين الجديد، تكون في أعقابها دراسة مستقصية ذات نتائج ومؤشرات.
لم تتركز مادة امتحانات البجروت على المعرفة التي وردت في كتب الجديد، وذلك حتى تؤخذ الكتب على محمل الجد، بل ترك الأمر لكلٍ حتى يصول ويجول، فليس هناك في الأسئلة ما يميز هذا الكتاب عن ذاك.
لم يبدأ كتاب المرشد لتدريس القواعد إلا في مرحلة متأخرة، فالكتاب المعد للمرحلة الثانوية صدر سنة 2002، ومعظم المعلمين لا يعرفون به، ولم يتعرفوا إليه.
لم يتقيد كثير من المدرسين بأسلوب الكتاب، بل جعله بعضهم للقراءة في الصف، وبعضهم الآخر لجأ إلى الطريقة القديمة، فلخص القول بالقاعدة في نظره، ثم ما لبث أن انتقل إلى الكتاب بعد أن عرف الطالب خلاصة الدرس.
والأنكى من ذلك، لم يرسل المعلمون –إلا ما ندر- ملاحظاتهم للمؤلفين، أو ما من شأنه أن يسدي خدمة للطلاب أولاً وقبلاً.
توصي الدراسة بأن تؤلَّف لجنة من المختصين، تدرس الكتب من جديد، وتفحص مدى الإفادة منها، وجوانب الإيجاب فيها، وذلك لتنطلق إلى منهاج عصري مستجد، تلتزم وزارة التربية برعايته في إصدار كتبه، والتقيد بها في المدارس، وتعيين المرشدين، وبمتابعة المفتشين له، وإعداد الكتاب المرشد فيها، وبإقامة الدورات، وإجراء الاستبانات...إلخ
اختتم المؤتمر بدراسة البروفيسور خليل عثامنة حول آراء النحاة الأولين في اللهجات العربية، ومما ورد فيها:
يعتبر النحاة العرب الأوائل أن اللهجات هي جزء لا يتجزأ من العربية نفسها، ومن ثمّ جعلوها أحد أهم مصادرهم التي استقوا منها مادتهم، ولعلّ مصطلح "اللهجة" الذي يسود أوساط الناطقين بالضاد وأوساط المشتغلين بعلم العربية في عصرنا هذا، لم يكن معروفًا بل لم يكن جاريًا على ألسنة النحاة في تلك الحقبة التاريخية التي نحن بصددها، وبدلا من هذا المصطلح فقد جرت الألسنة على استخدام مصطلح آخر هو المصطلح "لغة" الذي لا يمتّ بأي صلة إلى مدلول هذا اللفظ في أيامنا هذه.
وتنقسم اللغات في عرف النحاة وفقًا لوظيفتها الدلالية واللغوية إلى أصنافٍ عدّة، إذ ليس كلها على درجة واحدة من التعريف، فهنالك لهجة رئيسية تشكل علامة فارقة بين لهجة هذه المجموعة البشرية أو تلك، ومنها صورة لهجوية إذ أنها لا ترقى إلى مستوى اللهجة الفارقة، ومنها صنف ثالث أطلق عليه النحاة اسم "المتغيرات" وعنوا به ذلك الفارق الطفيف بين لفظة وأخرى عند هذه المجموعة أو تلك، هذا الفارق لا يمنع من اعتبارها جزءًا مميزًا للهجات الإقليمية أو الإثنية.
وهنالك تقسيم آخر نلاحظه لدى أوائل النحاة عند قراءة كتبهم ونعني به ذلك التصنيف المتعلق بالمجموعات السكانية أو المجموعات القبلية التي يعتري كلامها وخطابَها الاختلاف اللهجوي، فهنالك لهجة إقليمية يتميز بها إقليم عن إقليم آخر أو بالأحرى مجموعة قبلية في حيز جغرافي ما عن مجموعة أخرى تعيش في حيّز آخر، وقد اصطلح النحاة على تقسيم الخارطة اللغوية في جزيرة العرب إلى ثلاثة أقسام، فاعتبروا منطقة الحجاز - ونعني بها المناطق الشمالية الغربية لجزيرة العرب - لهجة واحدة، واعتبروا هذه اللهجة على تعدّد القبائل العربية التي تستخدمها هي اللهجة الأكثر قداسة والأكثر شرفًا لا لشيء إلا لأن القرآن الكريم وآيات الذكر الحكيم في غالبيتها قد اشتملت على هذه اللهجة؛ فكان الرسول الأعظم وكانت قريش قبيلته هي التي أعطت هذه اللهجة مكانتها وشرفها.
وبإزاء هذه اللهجة يلحظ المتمعن لهجة أخرى ربما تكون هي الأكثر انتشارا بين العرب وذلك لكثرة القبائل العربية المتحدثة بها، ونعني بها لهجة نجد، أي كل المناطق الواقعة في شمال شرق جزيرة العرب ابتداء من حدود الصحراء في الربع الخالي وانتهاء بحدود السواد في جنوب العراق. فهاتان اللهجتان، لهجة الحجاز ولهجة نجد، كانتا عماد العربية الكلاسيكية التي ورثناها عن الأقدمين. ولكن هذا التقسيم لا يتوقف عند هذه الحدود الإقليمية التي رسمناها، بل إن هنالك تقسيمات داخلية تتميز بها لهجة أبناء القبائل في داخل تلك الأقاليم، فمثلاً تختلف لهجة قريش عن لهجة أهل المدينة أو عن لهجة أهل الطائف بالرغم من أنهم جميعًا ينخرطون في إطار لهجة الحجاز، وهذه الاختلافات هي بالتالي التي كانت مسؤولة عن التصنيفات الأخرى التي تميز اللهجات وبالتحديد عن ظهور الصورة اللهجوية أو المتغيرة الطارئة في لغة العرب.

وجدير بالذكر أن مجمع القاسمي للغة العربية وآدابها قد أصدر مجلة المجمع التي حوت دراسات محكمة لكل من د.فاروق مواسي، د. ياسين كتاني، د. فهد أبو خضرة، د. محمد خليل، د. نادر مصاروة، د. محمد حمد ، د. جمال الأسدي، د. إسحق وايزمن، والأساتذة: سمير كتانة، هيفاء مجادلة.
كما أصدر المجمع كتابين : الأول للبروفيسور خليل عثامنة بعنوان : دراسات مختارة من حقول التراث العربي والإسلامي ، والثاني : كتاب للدكتور فاروق مواسي بعنوان – نبض المحار ، دراسات في الأدب العربي.

.




التعليقات