22/02/2011 - 21:56

في كواليس مهرجان نيكاراغوا العالمي صراع عربي إسرائيلي على الشعر

شهدت كواليس مهرجان الشعر العالمي في نيكاراغوا، الذي افتتح مساء الأحد الماضي بمدينة غرانادا النيكاراغوية، صراعا عربيا إسرائيليا منذ اللحظات الأولى لافتتاحه.

في كواليس مهرجان نيكاراغوا العالمي  صراع عربي إسرائيلي على الشعر

 

صراع عربي إسرائيلي على الشعر    
 
الشاعرة النيكاراغوية الكبيرة كلاريبل آلجيريا حضرت مرتدية الزي الفلسطيني 

غرانادا (نيكاراغوا)-خاص
 
شهدت كواليس مهرجان الشعر العالمي في نيكاراغوا، الذي افتتح مساء الأحد الماضي بمدينة غرانادا النيكاراغوية، صراعا عربيا إسرائيليا منذ اللحظات الأولى لافتتاحه.
 
فالشاعرة الإسرائيلية هافا بنحاس كوهين (من مواليد 1955) لم تتورع في ثالث أيام المهرجان، ومع أول قراءة لها أمام الجمهور بأحد الميادين الرئيسية بالمدينة، عن أن تستبق قراءتها الشعرية بكلمة قالت فيها "سألقي قصيدتي باللغة الأم للشعب الإسرائيلي، اللغة التي يتحدث بها شعب إسرائيل العظيم منذ أربعة آلاف سنة".

هذه الجملة الافتتاحية لم تجد صدى يذكر لدى الشعراء المشاركين الذين وصل عددهم إلى 140 شاعرا من جميع أنحاء العالم، إلا الامتعاض والاستفزاز الذي شعر به الكثير منهم، خاصة أنه لم يسبق أن صعد شاعر ما وقال إنه سيقرأ قصيدته بلغته التي يتحدثها أهلها منذ آلاف السنوات، ناهيك عما اعتبرها رافضوها "أكذوبة" واضحة في كلام الشاعرة الإسرائيلية.

ومبعث رفض كلامها حديثها عن العبرية الذي اعتبر تزييفا تاريخيا غايته سياسية، فلو أنها قالت إنها ستقرأ قصيدتها بلغتها العبرية التي تم إحياؤها منذ عدة عقود فقط، بعدما كانت لغة ميتة، لما اعترض عليها أحد.

الشاعرة هافا بنحاس كوهين أثارت استياء مشاركين بحديثها عن "تاريخية" إسرائيل 
 
لكن الرد العربي لم يتأخر كثيراً، حيث صعد الشاعر الفلسطيني فخري رطروط بعد لحظات من انتهاء الشاعرة الإسرائيلية من إلقاء قصيدتها، وقرأ عدة قصائد قصيرة، ثم قال في ختام قراءته "القصيدة الأخيرة أهديها إلى مدينة أريحا الفلسطينية التي يفوق عمرها ثمانية آلاف عام"، وذلك في إشارة تاريخية إلى المدينة الكنعانية التي تذكر التوراة نفسها أن اليهود أبادوها عن بكرة أبيها.

وحيّا الشاعر الفلسطيني الثورة المصرية، وقال "علنا نحتفل في العام المقبل بتحرر فلسطين". وكان رد فعل الجمهور والشعراء كافيا ليعطي الانطباع بأنهم كانوا في حاجة إلى هذه الكلمات لتثأر لهم مما اعتبروه غرورا وعنجهية من الشاعرة الإسرائيلية.

"وحشية العرب"
بعد هذه الحادثة صعّدت الشاعرة الإسرائيلية من مناوشتها واستفزازها للشعراء العرب المشاركين، خاصة بعد أن حاولت في البداية التقرب منهم دون فائدة، فكانت تتعمد التقرب من جميع الشعراء الأجانب الذين تشاهدهم يتحدثون مع الشعراء العرب، وهو ما أوضحته الشاعرة النرويجية تالس نايس بقولها "إنها تحاول أن تصير صديقة لكل شخص يبتسم في وجه الشعراء العرب".

وردا على سؤال للجزيرة نت عن رؤيتها لسلوك الشاعرة الإسرائيلية، قالت نايس "هي في رأيي خائفة، لا أدري، إنها تحاول استمالة الجميع بطريقة لطيفة كي تبدأ في التحدث عن وحشية العرب تجاه يهود إسرائيل".

القائمون على تنظيم المهرجان لم يعلقوا من جانبهم على ما حدث، لكن الشاعرة النيكاراغوية جلوريا جابواردي -التي تشرف على تنظيم المهرجان مع زوجها الشاعر الكبير فرانسيسكو ده أسيس فرنانديز- حرصت في الأيام التالية على أن تفض الاشتباك العربي الإسرائيلي الذي كان يتصاعد كل يوم بين الشاعرين الفلسطيني فخري رطروط والمصري عماد فؤاد من جهة وبين الشاعرة الإسرائيلية من جهة أخرى.
 
الشاعر الفلسطيني فخري رطروط عبّر عن أمله في الاحتفال بتحرر بلاده العام المقبل 
محاولة فصل
وعملت الإدارة على تنظيم فعاليات تبعد الطرفين عن بعضهما بعضا، سواء في الأماكن أو التوقيت، كما حرصت على عدم توسع الخلاف بأن أبعدت ثلاثة شعراء من أصول عربية عن الصدام مع الشاعرة الإسرائيلية، هم الشاعرة النيكاراغوية من أصل فلسطيني سعاد مرقص، والشاعر الكوستاريكي من أصل فلسطيني ردولفو حداد، والشاعر الكوستاريكي من أصل لبناني أوسالذو ساوما.

كما أبعدت الشاعرة الإسرائيلية واثنين من شعراء الولايات المتحدة الأميركية صباح الجمعة الماضي الموافق 18 فبراير/شباط الجاري في رحلة إلى مدينة ليون النيكاراغوية، وهيأت لهم مبيتا بأحد الفنادق، حتى لا يحضروا عشاء نظمه السفير الفلسطيني بنيكاراغوا محمد سعادات لجميع شعراء وضيوف المهرجان.

ويقول الشاعر الفلسطيني فخري رطروط "هذه ليست المرة الأولى التي يشهد فيها مهرجان نيكاراغوا مثل هذا الصراع العربي الإسرائيلي، ففي دورة العام الماضي كانت الشاعرة الإسرائيلية سابينا ميسيج توقع لأطفال المدارس بكلمة إسرائيل بدل أن توقع باسمها، هؤلاء الشعراء يأتون بحس قومي وليس لمجرد المشاركة الثقافية، وهو ما دفع الشاعر الأميركي الكبير أميري بركة الذي كان مدعواً العام الماضي إلى إلقاء قصيدة بعنوان "من فجر أميركا؟"، يتناول فيها أحداث الحادي عشر من سبتمبر/أيلول 2001 ويتهم فيها يهود أميركا بهذه التفجيرات.

ويضيف رطروط أن موقف أميري بركة ذاك دفع منظمي المهرجان إلى أن يطلبوا منه عدم إلقاء القصيدة مرة أخرى بحجة أنها طويلة، لكن أميري قرأ القصيدة ذاتها في أربع قراءات نظمت له أثناء دورة السنة الماضية "نكاية في الشاعرة الإسرائيلية والقائمين على المهرجان".

من جهتها قالت الشاعرة النيكاراغوية من أصل فلسطيني سعاد مرقص في حديث للجزيرة نت "هذه السلوكيات الاستعلائية غير مقبولة ولو تمت باسم الشعر، فالشعر بريء من مثل هذه الأمور، أنا لست ضد مشاركة شعراء إسرائيل في المهرجانات العالمية، لكني أرفض تمرير الأكاذيب تحت غطاء الشعر أو الأدب، واكتساب مشروعية الوجود من خلال ترويج هذه الأكاذيب".
 
الشاعر الكوستاريكي من أصل لبناني أوسالذو ساوما أحد المشاركين في المهرجان 
لا تعليق
من جانبها أبدت إدارة المهرجان عدم رغبتها في التعليق على سلوك الشاعرة الإسرائيلية، لكن الشاعرة النيكاراغوية مادلين ميندياته -إحدى المشرفات على تنظيم فعاليات المهرجان- قالت "ما صدر عن الشاعرة الإسرائيلية لا يعبر إلا عن رأيها الشخصي، وليس للمهرجان أي علاقة به".

وردا على سؤال للجزيرة نت عن السر في مواظبة المهرجان على دعوة الشعراء الإسرائيليين كل عام، قالت ميندياته "نحن لا ندعو الشعراء حسب أي تقسيم سياسي من أي نوع، لكن الحكومة الإسرائيلية تدعم المهرجان مثلها مثل العديد من الحكومات الأوروبية والاتحاد الأوروبي".

المفاجأة الكبرى في فصول هذا الصراع كانت حضور الشاعرة النيكاراغوية الكبيرة كلاريبل آلجيريا (87 عاما)، التي يحتفي بها المهرجان في دورته لهذا العام، حفل العشاء الفلسطيني الذي دعا إليه السفير محمد سعادات جميع ضيوف المهرجان من الشعراء والقائمين عليه، وقد جاءت الشاعرة الكبيرة إلى الحفل وهي ترتدي الزي الفلسطيني، في إشارة واضحة منها لرفضها سلوك الشاعرة الإسرائيلية.

يذكر أن نيكاراغوا قطعت جميع علاقاتها الدبلوماسية بإسرائيل بعد هجومها الوحشي على الأسطول الدولي للمساعدات الإنسانية لمدينة غزة الفلسطينية في يونيو/حزيران الماضي.
 
عن الجزيرة نت
 
 

التعليقات