11/08/2012 - 14:40

"دار قدمس" تنتقل تماما إلى النشر الإلكتروني

صاحب الدار زياد منى: نحن نختار الكتاب وليسوا هم من يختاروننا.. فنحن مشروع ثقافي ولسنا مشروعا تجاريا..

الصفحة الرئيسية في موقع "الكتاب العربي الإلكتروني"

توقفت "دار قدمس" عن النشر الورقي، وانتقلت تماماً للنشر الإلكتروني. أبرمت اتفاقاً مع "موقع الكتاب العربي الإلكتروني"*، فأخضع فريق عملها لدورات تدريبية، واستضاف مئة وعشرة كتب طبعتها سابقاً وتطبعها راهناً، في مكتبته الإلكترونية. وهي الآن، تُباع "أونلاين".

لن تطبع الدار بعد اليوم كتاباً ورقياً، فقد قررت الانخراط تماماً في العصر الإلكتروني.

ويشرح مدير الدار زياد منى أن تلك الخطوة أتت أولاً لمواكبة التطور العالمي على مستوى نشر الكتب، خصوصاً بعد رواج أجهزة القراءة المحمولة ("آي باد"، "أندوريد"، ...)، التي تقدّم خدمات قراءة بتقنيات عالية، إن لجهة الضوء وتبدله ليلاً ونهاراً، أو الحرف وتكبيره، وتحديد موقع التوقّف عن القراءة، والخروج من القراءة إلى بحث عن معنى كلمة... ناهيك عن اتساع تلك الأجهزة لألف كتاب، يحملها المرء في حقيبته أثناء تنقله، داخل البلاد أو خارجها. كما أن النشر الإلكتروني، الذي يحلّ لمنى أزمة التوزيع في عالمٍ عربيّ مليء بالحدود، وخارجه، يتيح أيضاً تفلّتاً كاملاً من الرقابة. يُنشر الكتاب، فلا تقوى سوق على منع دخوله إليها. خمس دقائق، منذ لحظة نشره إلكترونياً، هي المدة التي يحتاج إليها المواطن المقيم في فلسطين كما في الصين، لتنزيله، والبدء بقراءته.

فلم يعد العالم ينظر إلى النشر الإلكتروني كخيار، وإنما كضرورة ماسّة لتحرير الكتب من حدود متعددة تعيق حركتها، كما لإدخالها في حيّز القراءة غير السطرية، على ما تُسمّى القراءة على الإنترنت. وهي تُسمّى كذلك، لأن المرء لا يواظب على القراءة على الإنترنت، مثلما يفعل مع النص الورقي، بحيث يُكمل السطر إلى آخره، والصفحة إلى آخرها، قبل أن يقلب الصفحة، ملتزماً كتاباً، وتوالي صفحاته. وإنما هي قراءة تقودك جملةٌ فيها إلى فتح صفحة بحثٍ، تخبرك عن تلك الأسطورة المذكورة هنا، أو عن مشهدٍ من حياة الكاتب، احتجته في هذه اللحظة من القراءة، وفي هذه اللحظة وجدته. ولذلك، هي قراءة غير سطرية. ويُبحث كثيراً راهناً في الأثر الذي خلّفته تلك القراءة على القراءة السطرية من جهة، وعلى مدى قدرة الفرد على بذل التركيز المتواصل، إذ قصرت مدته، بعد اعتياد تصفّح الإنترنت.

هو إذاً نطاق مختلف تماماً من القراءة، حجزت دور النشر العالمية مساحة للكتاب فيه. فارتأت مجموعة من الشباب العربي، بمبادرة فردية بحسب ما يؤكد مدير "موقع الكتاب العربي الإلكتروني" جلال عبد الله، تأسيس الموقع، ونشر الكتاب العربي بين أقرانه في العالم. وبدأت التجربة في زمن طليعي نسبياً، أي في العام 2001، فكان لا بد من أن تفوز بجمهور بين دور النشر والقرّاء، لكن أيضاً أن تواجه مشاكل واضحة، وهي: الضعف التقني كما التردد النفسي الذي يسجّله الناشرون المحليون، "ومعظمهم من الجيل القديم"، تجاه النشر الإلكتروني، بالإضافة إلى ضعف مقياس استهلاك الكتب في العالم العربي، إذ يزور الموقع عشرات الآلاف من القراء، ويبتاع الواحد منهم كتاباً يقرأه على امتداد ستة أشهر، في حين أن مقياس المبيعات يقوم على ارتفاع وتيرة استهلاك الكتب. ومع ذلك، تحوي مكتبة الموقع حتى الساعة ثلاثة آلاف كتاب، لمختلف الناشرين: قدمس، الفارابي، رياض الريس، الجديد، المركز العربي للمعلومات... وللاستمرار بالإنتاج، يتلقى الموقع راهناً الدعم من "شركة المكاتب المتكاملة" (شركة كويتية، مملوكة من مبارك الرفيدي)، لتطوير بنيته التقنية، بحسب ما يشرح عبد الله، ويكمل: "وندعو الناشرين إلى التواصل معنا، فنحن نعينهم على زيادة توزيع كتبهم، وبالتالي نقوّي موقعنا، وهي دورة ازدهار متكاملة".

إلى ذلك، تضاف مشكلتان تصنعان التردد في الانتقال إلى النشر والقراءة الإلكترونيين في العالم العربي، وقد أوجد لهما الموقع والتطوّر العالمي حلولاً: التردد في استخدام بطاقات الائتمان في عمليات الشراء الإلكتروني، إذ ارتفعت درجة الأمان، كما باتت متوفرة إمكانية فتح حساب مصرفي للشراء عبر الإنترنت حصراً، يحفظ صاحبه فيه مبلغاً يمكن ألا تزيد قيمته على خمسين دولاراً. وبذلك، حتى لو تعرّض الحساب للقرصنة، فإن القرصان سيعود خائب اليدين، كما يحافظ المرء على حسابه آمناً. أما المشكلة الثانية فكانت تتجسد في خوف الناشرين من قرصنة كتبهم إن نُشرت بحريّة على الإنترنت. وهنا، يؤكد عبد الله أن موقعه يعتبر الوحيد في العالم العربي الذي يعتمد أنظمة حماية مقياسية، هي نفسها التي يعتمدها موقع "أمازون" العالمي المتخصص ببيع الكتب. وهو يؤكد أن كتاباً واحداً من كتبه لم يقرصن على مدى السنوات العشر الماضية، بينما يشكو منى من قرصنة "75 ألف نسخة من كتابي عن بلقيس المطبوع ورقيا".

هو إذاً قرارٌ بالمبادرة إلى الدخول في عصر النشر الحديث، سرّعته مشاكل التوزيع والانتشار في العالم العربي، جعل من "دار قدمس" الدار العربية الأولى التي تنتقل تماماً إلى النشر الإلكتروني، ووقف طبعها الورقي.

سؤالٌ أخير.. ألن يتردد الكتّاب في نشر كتبٍ لن يمسكوها ورقياً بين أيديهم؟ يجيب منى: "نحن نختار الكتّاب، وليسوا هم من يختاروننا.. فنحن مشروع ثقافي، ولسنا مشروعاً تجاريا"، قبل أن يستدرك لافتاً إلى أن معظم الكتب التي تنشرها الدار مترجمة.
 

التعليقات