08/01/2016 - 15:21

إذاعة الأغاني؛ كتاب يحمل أغاني مصرية عبر سيرة شخصية

حين تصبح الأغاني سيرة شخصية مرتبطة بمواقف بعينها في الحياة تكتسب الموسيقى والكلمات أكثر من معنى وتحمل دلالة لم تخطر على بال مؤلفها أو مغنيها وتتحول إلى خيط من نسيج الذاكرة.

إذاعة الأغاني؛ كتاب يحمل أغاني مصرية عبر سيرة شخصية

حين تصبح الأغاني سيرة شخصية مرتبطة بمواقف بعينها في الحياة تكتسب الموسيقى والكلمات أكثر من معنى وتحمل دلالة لم تخطر على بال مؤلفها أو مغنيها وتتحول إلى خيط من نسيج الذاكرة.

وقبل أن يلتبس الأمر على قارئ كتاب عمر طاهر (إذاعة الأغاني) يأتي العنوان الفرعي (سيرة شخصية للغناء) ليشير إلى أن المؤلف لا يستهدف التأريخ للأغاني، ولكنه يتقصى السياق "التاريخي" الذي جعل هذه الأغنية أو تلك جزءا من مزاجه وذائقته وتاريخه الشخصي.

ولا ينسى المؤلف أن يمزج بمهارة -على طريقة المونتاج المتوازي في الأفلام السينمائية، موقفا كان طرفا فيه أو شاهدا عليه بأول مرة يسمع فيها أغنية ما فتظل مرتبطة بالموقف وتستدعيه بتفاصيله لدرجة أن تصبح الأغنية أحيانا نوعا من التعذيب أو مصدرا للسعادة.

فأغنية المغربية سميرة سعيد (قال جاني بعد يومين) على سبيل المثال، سمعها المؤلف ذات ليلة بعد سهرة ممتعة انتهت بحصاره داخل مصعد وكانت مأساة المغنية في الشكوى من هجر الحبيب وانتقاله إلى أخرى "تفوق مأساتي بمراحل... لكن نقلات اللحن كانت مفزعة لا يتحملها شخص محبوس في مصعد مظلم يشعر بالعطش والارتباك"، وأرهقته الأغنية في أول نوبة سماع.

وما كاد يخرج من حبس المصعد حتى اشتبك معه بواب البناية الذي "أمسك بقميص زوجته ثم شقه نصفين بالطول حتى بان لحمها" واتهمه البواب باغتصاب زوجته لولا أن شرطيا كان يعرف حماقات البواب وقال للحاضرين إن البواب "مجنون" فخرج المؤلف إلى الشارع وظلت الأغنية التي كتبها المصري عبد الوهاب محمد ولحنها المصري جمال سلامة "ماثلة في وجداني كأداة تعذيب".

وفي بعض الفصول لا يمر طاهر بالمطرب أو المطربة مرورا عابرا ولكنه يتوقف أمام تاريخه الشخصي والفني فيحتل مساحة لا تقل عن مساحة دراما الموقف.

ففي فصل عنوانه (فاكرك) تدور الأحداث في بيت ريفي بسوريا، عبر سرد قصصي جذاب لا يخلو من سخرية تستخدم فيها امرأة سورية شتائم طازجة في تلقائية محببة، متناولا جانبا من العادات والأطعمة وذكريات من خيبات أمل وأحبة راحلين. وهناك يسمع مطربة تغني "وإن رحت مرة تزور عش الهوى المهجور سلم على قلبي"، فيأسره صوتها.

ولم تكن صاحبة الصوت إلا المطربة المصرية نجاة علي (1910-1993) التي شاركت محمد عبد الوهاب بطولة فيلم (دموع الحب) عام 1935، ويقول المؤلف إنها غنت قصيدة (الأطلال) للشاعر المصري إبراهيم ناجي "ونجحت. إلا أن طموح أم كلثوم القديم في تقديم الأغنية لم يثنها عن غنائها بلحن جديد."

ويسجل ما يشبه التراجيديا لهذه المطربة فيروي كيف تعثر مشوارها الفني بسبب توالي العثرات الشخصية إذ وقعت في غرام رجل أقنعها باعتزال الغناء واستقرت معه في مرسى مطروح في غرب مصر بعيدا عن الأضواء والمجد في القاهرة ثم عادت بعد خمس سنوات وتزوجت مرة ثانية وتعرضت لمرض ترك آثاره على صوتها فاضطرت للاعتزال في بداية الخمسينيات ثم تزوجت للمرة الثالثة واكتشفت أن جارها هو حبيبها الأول وأنه مريض يشرف على الموت وفوجئت بزوجة الحبيب الأول تزورها وتطلب منها أن تزوره وسمح زوج نجاة علي، الذي "كان نبيلا"، بزيارة المريض الذي رحل بعد أيام.

ولكن أغنية (فاكراك) التي كتبها إمام الصفطاوي ولحنها أحمد صدقي ظلت معادلا للاسترخاء والطمأنينة "فاكراك ومش هانساك-مهما نسيت حبي".

والكتاب الذي أصدرته (دار الكرمة للنشر) في القاهرة يقع في 211 صفحة وصمم غلافه كريم آدم باستخدام صور لأشرطة الكاسيت أما الغلاف الخلفي فحمل صورة لجهاز تسجيل كان يقوم بتشغيل هذه الأشرطة قبل انتشار الاسطوانات المدمجة.

ويضم الكتاب فصولا من "السيرة الشخصية" تدور على خلفية أغاني لأم كلثوم وفايزة أحمد ونور الهدى وداليدا وعبد الحليم حافظ ومحمد منير وأحمد عدوية وعاصي الحلاني وآخرين.

ويعتمد المؤلف على السرد القصصي بتلقائية وسجل في مقدمة فصل عنوانه (فقرة العندليب، الأغاني القصيرة) الهدف من كتابه الذي خلا من وجود "مقدمة".

فيقول "لا يمكن للواحد أن يعرف بالضبط لماذا يستيقظ من نومه تلح عليه أغنية ما. لا كلماتها تعبر بدقة عن حالتك المزاجية ولا مطربها يحتل مكانة مهمة في قائمة الأصوات المفضلة. تظل النغمة هي البطل. هي التي علقت بروحك في موقف عابر من ليلة سابقة ولم تشعر بها وقتها. بالضبط مثل كدمة تتعرض لها في ركبتك وتؤلمك بعدها بيوم."

ولطاهر (40 عاما) نحو 20 كتابا في مجالات مختلفة حيث بدأ بكتابة شعر العامية المصرية وصدرت له دواوين منها (مشوار لحد الحيطة) و(لا بد من خيانة) و(وضع محرج) كما ترجم رواية (بالقرب من نهر بيدر جلست وبكيت) للبرازيلي باولو كويلو. وفي الكتابات الساخرة له مؤلفات منها (رصف مصر) و(شركة النشا والجلوكوز) و(كمين القصر العيني) و(زمن النغم الجميل).

التعليقات