01/04/2015 - 15:31

بدارنة يصالح أطفال النقب مع الكاميرا

تحقيق هذا المشهد في ألعاب غير معترف بها لم يكن سهلاً، فالكاميرا بالنسبة لهؤلاء المصوّرين في القرى غير المعترف بها في النقب هي تهديد لهم

بدارنة يصالح أطفال النقب مع الكاميرا

بعد سنتين من العمل في القرى المسلوبة الاعتراف في النقب، افتتح الفنّان الفلسطيني ابن قرية عرّابة البطوف، محمد بدارنة، معرضه تحت عنوان 'ألعاب غير معترف بها'، يعبّر فيها من خلال الصورة، عن حكاية أطفال يعيشون في قرى غير معترف بها، لم يستطع الاحتلال ومخطّطاته منعهم من اللعب، حتّى لو كانت اللعبة جزءا ومركّبا من مركّبات هذه الحياة، فأصبحت هي الأخرى كالقرية ككل، غير معترف بها.

للكاميرا قصة مع أطفال النقب، فهي ذاتها بحسب وصف بدارنة التي تهدّد بيوتهم بالهدم، وهي ذاتها التي تستعملها سلطات الاحتلال لتصوير البيت قبل هدمه. إلّا أن بدارنة استطاع بعد سنتين من العمل أن يحوّلها إلى صديقة لهم، وهم بدورهم إلى أبطال مشهد مسرحي أحرار. 

لم يكن هاجس بدارنة يوماً التصوير، إذ عمل لسنوات عدّة في مجال العمل الاجتماعي والعمل الأهلي، بالإضافة إلى التدريس.

وفي مقابلة أجراها بدارنة مع 'عرب 48'، قال إن هاجسه لم يكن التصوير في يوم من الأيام، بل كان البحث عن طريقة أستطيع من خلالها إيصال الفكر والفكرة والقضية للجماهير غير العمل الأهلي والاجتماعي.

بدارنة واكتشاف أهمية التصوير الفوتوغرافي والتوثيق البصري

وأضاف أن 'أول تجربة لي مع التصوير كانت بعد أن تلقيت هدية عبارة عن كاميرا. باشرت بعدها بأخذ الصور بصورة تلقائية. وبعد أن باشرت في التطوّع لمساعدة الأطفال الذين حضروا من غزة إلى البلاد بهدف العلاج، لفت انتباهي أن الصورة التي التقطّها لهم هي الذكرى الوحيدة، خاصة بعد أن فارق بعض الذين صوّرتهم الحياة'.

بعد أن لاحظ بدارنة أهمية التصوير والتوثيق البصري، اتخذ قراره بالمباشرة بالتصوير أصبح هاجسه هذه المرة هو سؤال ماذا سيصوّر؟

عن ذلك، يقول بدارنة: 'هاجسي أصبح ماذا سأصوّر، فبدأت بالقراءة حول التصوير والتأثير الاجتماعي، وأحسست بالانتماء لنهج كل المصور لويس هاين وروبرت كابا، وغيرهم من المصوّرين الذين استطاعوا التأثير من خلال الصورة، فتبنيت هذا التوجّه للتأثير المجتمعي'.

ترك بدارنة العمل الأهلي والمجتمع المدني وتوجّه إلى كلية 'فيتسو' في مدينة حيفا لدراسة التصوير الفوتوغرافي، وقال إن 'توجّهي إلى فيتسو كان بهدف واضح، وأنا على قناعة تامة بما أريده من التصوير، وما هو هدفي الواضح منه، وهو التأثير من خلال الفن، وإقحام الفن في النضال الجمعي. هاجسي كان بناء مشروع بصري يعبّر عن القضية الفلسطينية والقضية الإنسانية'.

المغرب ومصر، محطّتان رسمتا معالم مشروع بدارنة الفوتوغرافي

وعن تصوير قصة الإنسان، وليس تصويره هو فقط، قال بدارنة إن 'السفر والتنقّل بين البلدان ساعدني على تطوير مشروعي، وكان لي محطّتان: الأولى في مصر؛ والثانية في المغرب منهم وُلدت فكرة تصوير القصة والطبقات المهمّشة. وشكلت مصر والمغرب، بالإضافة إلى العديد من المشاريع الاجتماعية مع فئات مهمّشة في البلاد، محطّات مهمة في بناء مشروعي، فهناك وُلدت فكرة تصوير الملامح واجتماعيات وملامح المكان، وبدأت تصمم طريقي المستقبلي في التصوير'.

الحاجة إلى بناء مشروع توثيقي روائي بصري فلسطيني

وعن التصوير الفوتوغرافي والأرشيف البصري للقضية الفلسطينية، قال بدارنة إن 'إدراك الخسارة بكل ما يتعلّق في الحكاية البصرية التي كانت قائمة قبل النكبة هو ما دفعني وساهم في بناء مشروعي البصري، وتوثيق القضية البصرية'.

وأضاف أن 'المصورين الفوتوغرافيين قلائل جداً في فلسطين منهم كريمة عبّود وكربنجي، وعلى سبيل المثال لا يوجد لدينا أرشيف روائي بصري، بالإضافة إلى أنه لا نملك أرشيفا روائيا يوثّق أحداث مهمة كيوم الأرض على سبيل المثال، وهذا برأيي يعود لسببين الأول هو عدم وجود مشروع توثيقي يعتمد على فهم مركّبات استعمال الكاميرا؛ والثاني هو كون ما يحركنا يعتمد على وجود الحدث ورد الفعل'.

صناعة مشهد مسرحي

وتابع أن 'بناء مشروع روائي توثيقي بصري يختلف عن التوثيق الصحافي الموجود لدينا بوفرة، فالنقص لدينا هو بناء القصة حول الحدث وأرشفته، إذ يعتمد على تحويل الناس العاديين لأبطال قصة، ويستعمل تقنيّات تحوّل العام أجمع إلى أستوديو صغير. النقطة التي أتحدّث عنها هنا هي نقطة تحويل المصوّر (بفتح الراء) والمصوّر (بكسر الراء) إلى مشهد مسرحي متكامل'.

وعن كيفية صنع ذلك المشهد، قال بدارنة إن 'ما يصنع هذا العمل الفني هو قدرة المصوّر على تحريك شخصيات هذا المشهد المسرحي بما يلائم اللغة والحكاية البصرية، وهذا ينتج عن قدرة الفوتوغرافي الحقيقي على تحويل المتصوّر لشيء يشبه المعجون، وهذا يأتي فقط عن طريق كسر الحواجز النفسية بين الكاميرا والمصوّر (بفتح الراء) وبناء علاقة مريحة وتلقائية بينهما'.

مسيرة شخصية، بين المصوّر وأبطال مشهده المسرحي

وهذا ما حصل ويتضّح أن بدارنة نجح في القيام به من خلال 'ألعاب غير معترف بها'، إذ أن الشخصيات تتحرك بتلقائية وعفوية بحسب المشهد الذي أراد له الفنّان أن يكون، وعن هذا قال بدارنة إن 'تحقيق هذا المشهد في ألعاب غير معترف بها لم يكن سهلاً، فالكاميرا بالنسبة لهؤلاء المصوّرين (بفتح الراء) في القرى غير المعترف بها في النقب هي تهديد لهم، إذ أن السلطات تستخدمها لتصوير المنازل قبل مباشرة عملية الهدم'.

وأضاف أن 'أهمية المعرض بالنسبة لي كانت نجاحي في بناء علاقة ثقة بيني وعدستي والمصوّر، وهي ما احتاجت هذا الوقت الكبير الذي وصل حد سنتين من العمل على كسر الحواجز وبناء الثقة'.

وعن اختيار الأطفال في المعرض، قال بدارنة إن 'تصوير الأطفال فيه خطورة السقوط في كلاشيهات تصوير الأطفال خاصة أن هؤلاء الأطفال ينتمون إلى مجتمعات مهمّشة. اخترت تصوير الأطفال من محل قوة، إذ هم الأبطال وأسياد المشهد، يحرّكون كل ما يدور حولهم بدافع الأمل'.

وأضاف أن هذا 'احتاج استعمال العديد من التقنيات غير التصويركالتمازج والتعارف والتحضيرات المسبقة قبل العمل، وكل هذا لهدف خلق مشهد تلقائي غير مصطنع'.

وعن هؤلاء الأطفال الذين كانوا أبطال 'ألعاب غير معترف بها'، قال بدارنة إنهم 'يخرجون يومياً، بصراع الخوف والأمل، صراع العودة إلى منزل مهدوم والأمل والفرح بحياة أفضل'.

أطفال بدارنة: هذا المكان كله إلنا

يلعب الأولاد في 'ألعاب غير معترف بها'، بصورة بهلوانية حرة نابعة من حريتهم في مكانهم، حيث لا حدود. وعن طريقة اللعب قال بدارنة إن 'إسرائيل تصف الناس في النقب بأنهم استولوا على هذه الأراضي استيلاء، وتحاول تجميعهم في مدن ومراكز لا تمت لحياتهم الطبيعية بصلة، وهنا كان دور الأطفال في الصورة وطريقة اللعب بالقول إن هذا المكان كله إلنا'.

وعن المعرض بشكل خاص، قال بدارنة إن 'المعرض مبني على أساس أن البلدوزر الذي يهدم المنزل والقرية لا يرى الحياة الطبيعية والحكاية اليومية، التي أردت تصويرها في هذا المعرض الذي يعبّر عن مجتمع يعاني من السلطة التي تريد تهجيره والمجتمع الذي همّشه وابتعد عنه بدوره'.

وأضاف أن 'المعرض بني لدعم قضية النقب، وهذا لهدف تحويل الفن لجزء من النضال الجمعي ومقولة هؤولاء الأطفال الذين حضروا إلى فضاء العرض ذاته وافتتاحه للقول إنهم موجودون بيننا ولا نراهم، ولا نرى عما يدافعون'.

وعن المستقبل، يعمل بدارنة في هذه الأيام على معرض جديد تحت عنوان 'نص مبروك'، يتناول كل ما يتعلّق بلمّ الشمل. 

التعليقات