31/01/2019 - 17:00

أطفال الثّلاجة في غزة: منحوتات "آيس كريم"

تُشكّل الشّابة دعاء قشطة من غزّة منحوتاتٍ تبدو للوهلة الأولى كأنّها قطع مثلّجات بأنواعٍ مختلفة، ترمز للمرح والطفولة، إلّا أنّ إمعان النظر فيها يشكّل حالة من الصدمة، بعد إدراك حجم القسوة التي تجسّدها تلك المنحوتات، إذ تقوم دعاء بنحت تفاصيل

أطفال الثّلاجة في غزة: منحوتات

أثناء نحت المجسمات (فيسبوك)

تُشكّل الشّابة دعاء قشطة من غزّة منحوتاتٍ تبدو للوهلة الأولى كأنّها قطع مثلّجات بأنواعٍ مختلفة، ترمز للمرح والطفولة، إلّا أنّ إمعان النظر فيها يشكّل حالة من الصدمة، بعد إدراك حجم القسوة التي تجسّدها تلك المنحوتات، إذ تقوم دعاء بنحت تفاصيل وجوه الأطفال الذين استشهدوا خلال مجزرة، ارتكبها الجيش الإسرائيلي في آب/ أغسطس 2014، بمدينة رفح، حين لم يجد الغزّيون سوى ثلاجات "الآيس كريم" لاحتضانهم بعد استشهادهم، بدلا عن ثلاجات الموتى.

فقد شهدت مدينة رفح قد شهدت بداية آب/ أغسطس من عام 2014، مجزرة إسرائيلية أسفرت عن مقتل وجرح المئات، حين تعرّض مستشفى محمد يوسف النجار الذي يعدّ أكبر وأهم مستشفيات مدينة رفح، لقصف إسرائيلي ما دفع بالمواطنين لوضع الشهداء الأطفال داخل ثلاجات المرطبات من أجل الحفاظ على جثثهم إلى حين سماح الظروف بدفنهم.

أطفال غزة في ثلاجة البوظة بعد المجزرة في رفح (أرشيفية)

وولدت فكرة الشابة دعاء في نحت مجسّمات للأطفال الشهداء داخل ثلاجات الموتى، مع مرور الذكرى الرابعة للحرب الأخيرة على قطاع غزة، ونقلت وكالة "الأناضول" عن الشابة قولها إنّ "الفكرة راودتني منذ بداية 8 آب/ أغسطس الماضي، مع ذكرى الحرب، بدأت أنتج المشروع بعد حصولي على منحة من مؤسسة القطان، ساعدتني في ترجمة الفكرة إلى واقع من خلال النحت المعاصر"، مضيفةً أنّ "المشهد بحد ذاته قاس، كيف اضطر سكان مدينة رفح لوضع الشهداء الأطفال داخل ثلاجات للمرطبات على اثر نقص ثلاجات الموتى هناك".

ونقلت دعاء مشاعر الحزن والصدمة التي بدت على وجوه من شاهدوا مجموعة منحوتاتها للأطفال داخل ثلاجات المرطبات، فكيف لطفل كان يشتري "الأيس كريم" من الثلاجة بات اليوم بداخلها، على حدّ قولها. 

دعاء قشطة أثناء عملها على المنحوتات (الأناضول)

ذلك المشهد، بحسب ما قالته دعاء يعبّر عن مشاعر متناقضة من "المتعة" لأن "الآيس كريم" حلوى محببة للأطفال، و"الاشمئزاز" لأنهم باتوا جزءًا من المشهد القاسي حينما أصبحوا كما المرطبات داخل تلك الثلاجات، مبيّنةً أنّها تحاول أن تصنع مقاربة بين صور الأطفال والمُثلّجات في منحوتة واحدة في إطار التعبير عن المشاعر المتناقضة. 

وتمرّ المجسّمات التي تنحتها دعاء بثلاثة مراحل أولها النحت على الطينة الهوائية (الصناعية)، والتي تلجأ إليها نظرًا لعدم وجود الطينة الطبيعية في قطاع غزة ومنع إدخالها، لتنقل فوقها تفاصيل الأطفال من الصور الحقيقية التي حفظتها على هاتفها المحمول بدقة شديدة، ومن ثم تصنع قالبًا من مادة السيلكون المطاطي، التي وجدتها صدفةً عند زميل لها؛ حيث تمنع سلطات الاحتلال إدخال هذه المواد إلى قطاع غزة لأسباب أمنيّة، لتقوم بعدها بتعبئة مادة الشمع السائلة داخل قالب السيلكون، لتأخذ كافة التفاصيل التي نحتتها على الطينة. 

بعض أعمال دعاء (فيسبوك)

وتقول دعاء إنها اختارت مادة الشمع كمخرج نهائي للمنحوتات كونه يتشابه مع الأطفال في الضعف والهشاشة، فيما تحتاج مادة الشمع للتعامل معها بعناية وحرص شديْدين كما الأطفال تمامًا، مضيفةً أنها فضّلت اختيار الألوان الزاهية في صناعة ونحت المثلجات، قائلةً إن تلك "الألوان تدل على الطفولة والمتعة، كما أنها تشير إلى نكهة المرطبات قبل وضع الأطفال الشهداء داخل الثلاجات" معتبرةً أنه بمثابة "التمويه لهذا المشهد القاسي، لإخراج الناس عن هذه القسوة والصدمة والحزن التي يشعرون بها من خلال مشاهدتهم للمنحوتات".

وتعتزم دعاء تنظيم معرض فني يضمّ تلك المنحوتات، إلى جانب فنون أخرى مثل اللوحات الفنية، ومنحوتات "رقمية" معاصرة، من أجل تجسيد معاناة سكان قطاع غزة من الاحتلال.

التعليقات