ترام.. بيت/ سليم البيك

-

ترام.. بيت/ سليم البيك

كنت لأكثر من ساعة أطوف في السيارة باحثا عن قطعة زفت ما لأركن عليها سيارتي، وهذا، بالمناسبة، ما يُتوقّع أن يردّ به أي شخص يقود سيارة في أبوظبي، أن يردّ بـ : عمبدوّر ع باركنج. حين يُسأل: شو عمتعمل؟ و"باركنج" – بالمناسبة أيضا- مأخوذة من كلمة Parking الأنجلو-ساكسونية، والفعل منها يُبركن، أي يُبركنُ بَركنَ فهو مُبَركنٌ والسيارة مُبركَنة وهنّ مبَركِنات وهم مبَركِنون بإذن الله. وهي الكلمة الأكثر شيوعا هنا، ولذلك آن لها أن تكون في عداد الكلمات العربية، وعن جدارة.


    كنت أطوف في السيارة إذن حين اتّصل بي عمّي وسألني:


-       شو عمتعمل؟


-       عمبدوّر ع باركنج طبعاً.


    وكي لا "أَنْسِفِق" مخالفة -أُخرى- من الشرطة، أتكلّم من الموبايل عبر السبيكر، فلا أضطر إلى وضعه على أذني، وهكذا يسمع الطرف الآخر، عمّي مثلا، كل ما يدور حولي في السيارة؛ من الموسيقى التي أسمع إلى ضحكات من معي مرورا بالكلام الذي قد يكون مخلاّ والذي قد أتلفظ به أثناء القيادة. سألني:


-       مين عمبزمّرلك؟


-       لأ.. هاي موسيقى.. ترامبيت


-       كيف..؟


-       ترامبيت.... ترام.. بيت.


-       بيت مين، عمّي؟


    كي أتجنّب تلفاً في الأعصاب وخللاً في تواتر دقات القلب، وتأففات و"زفرنة" لسان ممكنة، أسمع موسيقى جاز كلّما شرعتُ في عمليّة "البَرْكَنة" المشؤومة هذه. وكنت أستمع إلى جاز، وترامبيت تحديدا، حين سأل عمّي عن صوت زمور تناهى إلى مسمعه عبر الموبايل المُبَسْكَر (من سبيكر).


    كنت قبل ذلك قد انتبهت إلى رسمة ترامبيت على مقود السيارة، ليدلّ على الزمور- أي المزمار- وتجاهلت ذلك بكل غرور.


    بدأت بعد سؤال عمي بالتفكير في زمور السيارات إجمالا، لماذا هو أقرب إلى صوت الترامبيت، أو الترامبون أو الفرنش هورن، وفي أحسن الأحوال الساكسفون؟ لماذا لا يشبه صوت البيانو مثلا، أو الناي، أو العود، أو الكونترباس، أو القانون...؟


    لأني أحب الترامبيت، وحين ينفخ فيه مايلس دافيز تحديدا، أكتب دفاعا عن هذه الآلة "المشحّرة" مرّتين، مرّة حين استخدمت كآلة أساسية في المارشات العسكرية والفِرق النحاسية وفرقة "حصب الله". ومرّة حين أُريدَ لها أن تكون، ظلماً وعدواناً، الصوت الرسمي للسيارات، وبالتالي، لسان حال الضجيج والإزعاج وأحد أسباب التوتر في المدن.


    درّسونا في الابتدائي- الله يسامحهن- أن زمور السيارات ضجيج، وهو بالتالي من ملوثات البيئة، فالترامبيت إذن لوثة للبيئة. وكي لا يفزع الرفاق قي أحزاب الخضر و"يفزّولي" أؤكّد وأطمئن بأني لا أدعو إلى توزيع آلة ترامبيت على كل بيت، فلربّما يزيد صوته من الاحتباس الحراري والتغيّر المناخي، وكاتب هذه الأسطر آخر من يعي فداحة ذلك. هنا أقدّم فقط اقتراحا معاكسا. فكما تمنّيت في مقال سابق هو "سَكْسْ.. فون" أن لا يُقحَم صوت الساكسفون في أفلام السكس- أو كما يحبّ المهذّبون تسميتها؛ أفلام البورنو- فلا ينطبع صوت هذه الآلة في أذهاننا بِـ...، بَلاها. أقول هنا بضرورة أن نرحم الترامبيت من أن يكون صوتا للسيارات، والـ"سِكْسْ ويل" خاصة- أي المركبة ذات الدفع السداسي كالكميون- ولنجد بديلا لصوتها، شيئا يليق بقامتها وسعة محرّكها وعدد أحصنتها، شيئا "جاعوريّا"، وليس الترامبيت.


    وإلى أن تتّخذ شركات المحرّكات (سيارات، شاحنات..الخ) قرارا إنقاذيا حيال الترامبيت، واعتاقه من تهمة الضجيج المنسوبة إليه من حيث لا يدري أحد. نستطيع نحن أن نساهم بشيء ما كي ننزع هذا الرابط الذهني التعسّفي بين صوت الترامبيت وزمور السيارة، وذلك كي لا نحرم مسامعنا من متعة صوته في موسيقى الجاز فنسمعه في حفلة جاز مثلا دون اضطرارنا إلى تذكّر زمور السيارات، أو أن نحب الترامبيت ونكون من أصدقاء البيئة في الوقت نفسه، فما المانع؟ من أجل ذلك نستطيع، على الأقل، أن نستغني عن خدمات الزمور.


    أدرك تماما بأن الأمر يعزّ علينا جميعا، ولكن..


 


 


كاتب فلسطيني


www.horria.org


 

التعليقات