- الحرية انشودة الانسان عبر الأزمنة / جريس بولس

-

- الحرية انشودة الانسان عبر الأزمنة / جريس بولس
"الحياة بدون الحريَّة كجسم بدون روح، والحريَّة بدون نظام ما هي إلا ابنة الفوضى".

الحرية أُغنية اليوم، كما كانت أُغنية الأمس، وستكون أُغنية الغد، لأنها أُغنية الإنسان الخالدة.

وقد تختلف الحرية التي يناضل من اجلها الإنسان، ولكنها تبقى دائماً " الحريَّة"، فمن الناس من يقاتل لحريَّة جسده كالعبد الذي يستعبده القوي، ومن الناس من يناضل لحريَّة نفسه وحرية عقله، ومن الناس من يكافح لحريَّة الآخرين.

مثل هذه الحرية لا تزال موضوع النضال الدائم، لان الأنظمة الاجتماعية التي أنفقت على منح هذه الحرية للإنسان لم تستطع أن تؤمنها له، كما يريد، في كل زمان ومكان.

ولكنها تقدمت وتحققت في كثير من المواطن، برغم القوانين الشاذة والأنظمة المضروبة حول هذه الحرية لأنها إرث طبيعي للإنسان، وما وهبته الطبيعة لا يقدر الإنسان على خنقه!

ولكن إلى أي مدى تنطلق هذه الحرية؟ إنها ، إن خرجت عن مداها المعقول لم تتعد أن تكون الفوضى المشوشة التي لا تنتج ألا الفوضى.

والطبيعة – وهي أم الحريَّة لا تتباهى بحريتها إلا إذا كانت ضمن حدودها الطبيعية وقوانينها الموضوعة.

فهذا الزلزال، في جزء من الأرض، لا تعتبره الطبيعة من مظاهر الحرية في الطبيعة، لأنه مهدم للعمران، وهذا طغيان النهر على جزء من اليابسة المعمورة لا يمكننا اعتباره من مظاهر الحرية، بل هو فوضى مخربة، لا بد أن تهدأ سريعاً كما فارت سريعاً، لانها ليست من قوانين الحرية والطبيعة!

كذلك الذي يريد ان يفهم حريته ان يطغى على غيره باسم الحرية ليس بِحُرٍّ، والذي يريد ان يهضم حق غيره وحريته ليس بِحُرٍّ، فقد يكون من حقك أن تعتقد بينك وبين نفسك ما تشاء، وان تقول ما تشاء، ولكن هذا كُلُّه يجب أن تنتهي حدوده، حين تصل إلى حدود غيرك!

إن الداء القاتل للحرية هو أن نستخدم الحرية استخداماً متطرفاً يبعثنا عليه نقص في التسامح الاجتماعي، والحياة الاجتماعية، وغُلُوْ في التعصب البغيض .... فإذا أردنا النقد أردناه شتماً وهدماً، كأن ليس في الوجود سوانا، وإذا آمنا بفكرة بخسنا حق كل فكرة أخرى، كأنَّ لم يوهب العقل غيرنا. وإذا اعتنقنا مذهباً عادينا كل من يخالف مذهبنا عداءً عنيفاً، كأنما آفاق الحريّة الرحبة لا تتسع إلا لأنفسنا وأفكارنا!

فأين حدود العقل الواعي السمح الذي يقولنا: "أذا أردت أن تحترم رأيك وتعالجه بحريه فاحترم رأي غيرك ودعه يعالجه بحريه!"

الحريّة، في الحقيقة، يَجْمل بها ان تبقى منطلقة طليقة ما لَمْ تتعدَّ على حرية الغير وإذا فهم صاحبها منها الاعتداء والأنانية والتعصب للهوى لم تبق حرية، بل انقلبت إلى عداوه لا تزرع إلا الحقد، ولا تجني إلا الضغائن.

إنني أؤمن بان الإنسان من حقه أن يفكر بحريه، ويعبر عما يريده بحريه، وان يدافع عن فكرته، ويحاول أن ينشرها بعزيمته، ولكني لا أومن بان يحاول عمل ذلك بالجدل السفيه، والتحامُل الدنيء والاتهام الرخيص ... ثم لا يفهم فكرته إلا فهماً ضيقاً محدوداً ناسياً ان العلاقة الوطنية بينه وبين إخوانه هي فوق كل شيء، لان الوطن وحده يبقى، بينما الأفكار تتحول وتتبدل، وما نجده اليوم صحيحاً يتجاوب مع هوى نفسك قد لا يكون غداً إلا سراباً خادعاً.

ولنا في التاريخ والحياة، بل في أنفسنا أمثلة كثيرة على الأفكار ترث الأفكار، والمبادئ تلقف المبادئ، والأجيال تبتلع الأجيال والعصور تنسف العصور.

إن من علامة الشعب الناضج إلا يكون حراً وكفى! ولكن علامة النضج فيه ان يفهم الحرية فهماً شاملاً، واسعاً، يؤهله لأن يضع الأمور في مواضعها بدون رقيب، وان يحسن التدليل على حريته باحترام حرية غيره، على غير تجاوز واعتداء، لان الحياة – عنده – بدون الحرية كجسم بلا روح، والحرية بدون نظام ما هي إلا ابنة التشويش والفوضى.





جريس بولس
كفرياسيف

التعليقات