أبلسة الآخر وتأليه الأنا بين فكّي المنطق المتشكّك/د.سمير خلايلة

-

أبلسة الآخر  وتأليه الأنا بين فكّي المنطق المتشكّك/د.سمير خلايلة
يمكن أن نُموضع منطقيا قضية الكاريكاتورة التي تسيىء الى شخص النبي محمد في الصحيفة الدينماركية وردود الفعل الجماهيرية الصاخبة بالمسيرات والمظاهرات في العالمين العربي والإسلامي المعبرة عن الموقف الإحتجاجي والإستنكاري الرافض لإنتهاك الرموز المقدسة الروحية الجمعية للأمة العربية والإسلامية وإهانة المشاعر الإنسانية في فضاء عالم إمكانات علاقات الصراع أو الحوار والتعاون بين الأنا الجمعي والآخرين الجمعين على كامل المستويات الانسانية المركزية: العقيدية، المعرفية، الإنطولوجية في عالم متعدد الحضارات، اللغات، الديانات، والأيديولوجيات، الفلسفات، القيم، الإثنيات، الألوان، والطبقات.

تجتهد المقالة أن تظهر بإيجاز حقيقة أنّ أي موقف لأبلسة الآخر وهَتْلرَته (من هتلر) في سياق حضاري/تاريخي لمجموعة بشرية (أمّة، شعب، قوم, الخ) من قبل الأنا الجمعية لمجموعة بشرية أخرى وتوصيف هذه الأنا بإستعلائية اتجاه الأخرين مصدرها مجموعة من الخطابات والنصوص التي رُفعت الى مستوى القدسية والألوهية، لتأكيد وجودها على الخارطة الكونية للإختلاف بالضرورة، يقف عاجزا للدفاع عن ذاته عقلانيا إذا ما واجهناه بمنطق الشّك وطريقه الوحيد للنفاذ بجلده هو القفز في يمّ الشعور والأحاسيس الذي يثلج صدره بنيرانها المتأججة ويواسي ذاته عند الظهيرة بمنطق "هكذيته" الفردانية من داخل قضبان التصوّر الذاتي الكوني الآحادي.
من وجه نظر المتشكّك الذي يضع حقيقة الحقائق بين قوسين، لا يمكن لكل من المنطقين الديني والعلماني (نختزل هنا التعددية في الخطابات) أن يدعي أن يكون عقله ساكنا في بيت الحقيقة (بكل معانيها) والآخر المعاكس قاطنا في منفى الكذب (بكل دلالته وأنواعه).

الحجة الواضحة على هذا الإفتراض تأتي من بطن البداهة أنّ العقل البشري لا يمكنه أن يدعي (ولو للحظة) بأن مواضيع إعتقاداته وأفكاره لها درجة من الحقيقة واليقين تتجاوز التقرببات والإحتمالات المعقولة وأفضل العوالم لاختزال جهله لأنّ العقل لا يستطيع مَغْط نفسه الى أفق يتعدي النهائي المقيّد كي يشمل درجات التعقيد والتركيب للمبناني والأنظمة التي تتعلق بالقيم الروحية والأخلاقية والجمالية على الأقل بحكم طبيعة عقله وماهيته التي تطرح أسئلة لا يمكنه أن يقدم أجوبة صحيحة مقنعة. أن يفترض العقل الإنساني أنّ هناك ذات لها عقل لانهائي إسمها (الجامع) الله او إسم آخر (بلغات مختلفه) كنتيجه للمبدأ المنطقي الذي يفترض أن كل قضية تحتوي محمولا/ مسندا إيجابيا يمكن تحويله الى سالب باضافة مفردة النفي/السلب لا يعني أنّ هناك ذات من هذا النوع خارج مدارات عقله. ليس كل شيء ممكن منطقيا كان او أنطولوجيا. من يستطيع مثلا أن يجيبنا على السؤال التالي: لماذا يوجد هناك ذات إلهية مطلقة غنية إحتاجت أن تخلق كونا/عالما كانت هذه الذات تستطيع من دونه (بسبب ماهيته الغنية) بدل أن يكون هناك عدما مطلقا (لا عالم ولا الله) في إطار البرادكما العلمية (في سياق الحاضر مثلا)؟ أن يجيب مؤمن بشوق اليقين: "الله اعلم" يعني أن نُذهنِن مفهوم الله كمجموعة مُكمّلة لكل مجموعة القضايا التي لا يستطيع العقل البشري أن يقدم لها حلا حقيقيا. بلغة أخرى، إنّ الله=جهل عقل الإنسان.

حتّى ولو سلّمنا بأنّ الذات الإلهية يمكن أن تكون موجودة منطقيا هذا لا يعني أنّ الخطابات الدينية المصوّرة والمُذَهنِنة لها ستخلو من أيّ نَسْبَنة وجزئية أو خطأ لأن العقل الإنساني له محدوديته وغير مُحصن من إمكانية التهافت.

في منظومة التنوير(enlightenment) والإنسانوية (humanism) في الغرب المتعدد، يشرئب عنق حرية الفكر والتعبير عنه عاليا جاعلا من الديمقراطية جمالا يستقطب أصحاب الذائقة الجمالية العقلية ومتساميا الى حد القدسية والألوهية. الإعتقاد بأن الإنسان هو مصدر القانون (في المجتمع والدولة) ووحده مسؤول عن حريته وسعادته بدون ملوك ودكتاتوريين على الأرض وبدون مرجعية الهية في السماء (أو أي مكان آخر) هو الضمان لتحقيق مجموعة المثل الأفلاطونية كالعدل والحرية والسلام على أرضه الديمقراطية.

رغم القراءات العديدة لتصور مفهوم الديمقراطية في الغرب، لا يوجد على الكرة الأرضية نظام سياسي-إقتصادي واحد يستحق أن ننعته بصفة الديمقراطية الحقة. هل السلطات المختلفة في النظام الديمقراطي مفصولة ومستقلة في الواقع وهل هناك فصل تام بين الدولة والدولة وهل أرادة الشعب (أذا كان هناك دلالة للتعبير) تُأخذ بعين الإعتبار في عملية إتخاذ القرارات (الحاسمة) في تدبير شؤون المجتمع والدولة وهل تتساوى أصحاب العقول الخاريزماتية و رؤوس الأموال مع الأمييين وأناس بدون مأوى أو طعام في حضورها الفعّال وقوتها وتأثيرها في النظام الديمقراطي؟ كيف يمكن أن تكون ديمقراطيا محليّا ومجرم حرب بالخارج إذا كنت مُذوّتا عقلية الديمقراطية والحرية؟...

فقط بالإنحياز الى الذات على حساب الآخر تُحتمل فكرة الديمقراطية بدون ديمقراطيين.

الديمقراطي (المثالي) باسم معتقداته، كحرية الفكر والتعبير عنها، يسمح عندما يفرض الرقابة على نفسه أن يُؤبْلس الآخر ويسلخ عنه صفة الإنسانية ويُلبّس صفة الحيوانية المحضة التي تبرر إستغلاله وقتله الذي يستحقه لأنّه إرهاب مهدّد كي لا تنقرض قدسية الأنا وفي حين ممارسة حقه يطالب حتى "الله" الآخر أن يتدمقرط (democratize) حسب تعالييمه. الأنا هو المقدّس/الله والأخر هو ابليس الديمقراطي المتمرد. فكلاهما لا يتواجدان الا معا ولا يتنافيان الا معا. تراجيديا طبيعة الأنسان تتجلى بإزدواجة المعايير الي تستوطن في ثنائيات الموجب مقابل السلبي في الفكر (الآحادي).

الأصنام التي يبتدعها الإنسان حتما سترتدّ عليه فيحطّمها لا محالة. وسيتحطم هو من كثرة الغضب على نفسه وإنفجاره بطوفان البكاء.

أشكّ كليّا أن يكون هناك حوار حقيقي بين الأنا (الجمعي) والآخر (الجمعي) في قضايا الإيمان والسياسة والأخلاق والجمال على الأقل. المنظور الكوني الذي يلبسه كلّ أنا كنظارات يرى العالم بوضوح أكثر هو هو الغشاوة على عين عقل الأنا التي لا تمّكنه أن يرى الآخر كذاتها. هل يمكن للأنا أن لا تنحاز الا لذاتها أمام مواجهة ومحاورة الأخر. أشكّ بذلك حقا. الشكّ يعلو ولا يعلى عليه.

التعليقات