أسئلة حول ما يُدعى بالرواية النسوية!!../ د.فيصل دراج*

-

أسئلة حول ما يُدعى بالرواية النسوية!!../ د.فيصل دراج*
تُختصر علاقة الكاتبة العربية بالرواية، عادة، إلى موضوع شهير عنوانه: الرواية النسوية، الذي هو موضوع ملتبس، يفترض كتابة ذكورية ونقيضها، ويضع الكيف في الكتابة جانبًا.

وسواء برهن العنوان عن خصوصية نسوية في موضوع الكتابة وأشكال صياغته، أو لم يفعل ذلك، فإنّ العنوان في عموميته يلغي الفرق بين الكتابة الجيدة والكتابة السيئة، كما لو كانت الكتابة تقوّم بجنس الكاتب لا بالمعايير الأدبية الموضوعية.

ولعل هذا الإلغاء، مهما تكن حدوده، هو الذي يقف وراء هذا الحشد الهائل من “الروايات النسوية” التي تعتقد كاتباتها أنّ لهنّ معايير كتابية خاصة بهنّ لا تأتلف، لزومًا، مع معطيات: “النقد الأدبي”.

تفترض الروائية العربية، المندفعة إلى “الرواية النسوية”، أنّ الروائي- الذكر لا يعترف بالمرأة وحقوقها أو أنه عاجز، بسبب “ذكوريّته”، عن وعي قضايا المرأة وإدراك خصوصيتها، غير أنَّ تاريخ الرواية العربية، الذي لم تدخله “الكتابة المؤنثة” إلا في العقود الأخيرة، يدلل على غير ذلك، إن كان ذلك على مستوى الموضوع، أو على مستوى “الحساسية”، ذلك أنَّ التصور الروائي للعالم يبدأ من “الإنسان”، ويضع ثنائية التذكير والتأنيث جانبًا.

لا غرابة في أن يكون للمرأة حضورها المسيطر في بدايات الرواية العربية، فعندما كتب أحمد فارس الشدياق “الساق على الساق”، المنشورة في باريس عام 1855، ساوى كليًا بين الرجل والمرأة، فأعطى للأنثى: “الفارياقية” حظوظًا مساوية للذكر “الفارياق”، إن لم يفضّلها على الذكر قائلاً: “لولا المرأة لما خلق الله الدنيا”.

لم يكن ما جاء به الشدياق حالة استثنائية، فقد استأنف جبران خليل جبران منظوره في “الأجنحة المتكسرة”- 1912 – حين حذف مقولتي الذكر والأنثى وقال بالخير والشر والقبح والجمال، وأذاب “العاشقين” في روح صافية واحدة.

بل إنّ الاحتفال بالأنثى، في أبعادها الواقعية والرمزية، هو الذي جعل الرواية العربية الأولى “زينب”- 1913- تتخذ من التأنيث عنوانًا لها، مؤكدة أنه لا سبيل إلى تحرّر الرجل إلا في مجتمع يحرّر المرأة والرجل معًا. وواقع الأمر أنَّ رمزيّة المرأة، من حيث هي تعبير عن الخصب والأمومة والجمال، أتاح لها مكانًا واسعًا متواترًا في الرواية العربية، منذ زمن الشدياق إلى زمن الفلسطيني غسان كنفاني.

إتخذ المصري توفيق الحكيم في روايته الشهيرة: “عودة الروح” من المرأة صورة للمستقبل المضيء الآتي، وكتب طه حسين، وهو يسائل إمكانية التحرر في “دعاء الكروان”، عن إمرأة أخرى.

ولم يختلف معهما غسان كنفاني، وهو يساوي بين فلسطين والمرأة المقاتلة، في عمله “أم سعد”، رغم اختلاف الموضوع وشكل الكتابة. ومع أنّ قضية المرأة – الرمز تطرح كثيرًا من الأسئلة، ذلك أن رمزية المرأة قد تحجب واقعها اليومي، فإنّ مسار الرواية ألغى الرمز وتناول المرأة الواقعية، مكافحة مقاتلة كانت، كما هو الحال في كتابات المصري عبد الرحمن الشرقاوي والجزائري محمد ديب، أو أنثى مضطهدة مقموعة، حال الشخصية التي تناولها نجيب محفوظ في “ثلاثيته”.

يشكّل هذا مدخلاً ملائمًا للسؤال التالي: هل ولدت “الرواية النسوية” من هواجس المرأة وألوان الاضطهاد التي وقعت عليها في “المجتمع الذكوري”، أم أنَّها صدرت عن تطوّر الرواية العربية، التي ساوت بين الرجل والمرأة داخل الكتابة وخارجها؟

ينطوي الجواب المفترض على بعدين: يحيل أولهما على تشكّل الظاهري للروائية العربية، التي جاءت بها جهود كتابية متواترة لا تحتمل، لزومًا، التذكير والتأنيث، ويردّ ثانيهما إلى الجهود الكتابية الكيفية، التي أسهمت، ولا تزال في تطوير الكتابة الروائية ودفعها إلى الأمام.

يشير البعد الأول إلى تراكم الكتابة، ويشير البعد الآخر إلى المساهمات النوعية، التي تستبدل بالتقنيات والرؤى القديمة تقنيات ورؤى أكثر خصبًا وكثافة وعمقًا. يدور الجواب، في بعديه، داخل موضوع الكيف والتطوير والارتقاء، دون أن يرتهن إلى بلاغة الذكورة وحساسية الأنوثة. لذا يكون على المراقب أن يترك عمومية “الرواية النسوية” وإن كان لها بعض الأسئلة الموضوعية وأن يلتفت إلى مساهمات روائية نوعية، جاءت بها كاتبات، مثل أعمال اللبنانيات هدى بركات وحنان الشيخ وعلوية صبح، وغيرهن من الروائيات في العالم العربي.

إذا كان التصور الروائي يقول بتساوي المرأة والرجل، بلغة معيّنة، أو بالمساواة بين الذكر والأنثى، بلغة أخرى، فإنّ هذه المساواة بمقادير مختلفة، قائمة في التاريخ الروائي العربي، الذي يضع “الجنسين” جانبًا، ويقول بمفردة واحدة هي: الإبداع، أو الجهد الكتابي الكيفي، الذي يضيف إلى الرواية المعطاة جديدًا نوعيًا. يتعامل النقد الأدبي مع النص، ولا يؤرق ذاته كثيرًا باسم وملامح ومشية الذات الكاتبة.

التعليقات