المسافة بين عادل إمام وعبد العزيز مخيون: لحظة التغيير تفرز فنان السلطة وفنان الشعب

-

المسافة بين عادل إمام وعبد العزيز مخيون: لحظة التغيير تفرز فنان السلطة وفنان الشعب
عندما يتعاطي الفنان السياسة في أعماله.. خصوصا إذا كان هذا الفنان هو ممثل، بحكم أنه الواجهة لعمل فني متكامل، فإنه يتركها في أذهان المشاهد المتلقي بنفس طريقة (حواديت السينما).. التي يتعامل معها عادة بإحدي طريقتين.. فهو إما ممثل (طيب) أو ممثل (شرير)، وكلمتا طيب وشرير تحملان في مضمونهما مدىً واسعا من الصفات والأفعال.. والمواقف، اجتماعيا وسياسيا وأخلاقيا، وعادة ما يشتهر الممثل بتلك الأدوار التي يقدمها، فيستقر في المخيال الشعبي علي تلك الصورة.. خاصة إذا تشابهت الأدوار التي يؤديها.. وتذوب حينئذ في أذهان الناس.. المسافة بين الشخصية المؤداة في الفيلم أو المسلسل.. والشخصية الحقيقية للممثل، على سبيل المثال.. فإن ممثلين مثل توفيق الدقن واستيفان روستي ومحمود المليجي.. استقرت صورتهم في مخيال الجماهير باعتبارهم الأشرار.. الذين يخدعون ويغدرون ويتآمرون على آخرين طيبين.. مثل شكري سرحان ونور الشريف ومحمود ياسين.. كما استقرت صورة فاتن حمامة في أذهان جمهور السينما والتليفزيون كامرأة مثالية (باعتبار أن المرأة المثالية في قيمنا الاجتماعية هي تلك التي تضحي دائما.. وتتعرض للظلم دائما.. دون أن تثور أو تتمرد، بل وعندما تثور وتتمرد فإنها تموت في نهاية الحدوتة.. لأن استهجان تمرد المرأة هو قيمة اجتماعية ثابتة.. لا يزحزحها حتى تغير الزمان والمكان)، في حين لا يعرف الناس صورة أخرى للممثلة ميمي شكيب أو نعيمة وصفي إلا صورة.. القوادة، التي تثري من المتاجرة بالجنس، كما تخصصت ممثلات في (الإغراء) مثل هند رستم وأخريات تخصصن في (الشقاوة) مثل سعاد حسني.. وغير ذلك الكثير.. مما يرسم للممثل صورة يتعايش معها الجمهور.. طيب أو شرير، ثم يحدث الالتباس في الأذهان وتتشوه الصورة المستقرة.. سلبا أو إيجابا.. عندما يستمع المشاهدون إلى الممثل.. في اللقاءات التي تجري معه خارج إطار الحواديت التي يمثلها، فيفاجأ الناس مثلا بأن توفيق الدقن أو علي الشريف كانا ممثلين مثقفين يساريين.. يعيشان قضايا مجتمعهما بعمق، بينما ممثل كان دائما (شجيع السيما) ويحض الناس في أفلامه على التصدي للظلم.. يظهر في كلامه تافها انتهازيا.. لا يعرف حتى معنى الكلمات الثورية.. التي (أتقن) أداءها في أفلام .. كثيرا ما اعتبرت أعمالا فنية رائعة.

وفي الأعمال الفنية التي تعالج موضوعات سياسية.. فإن ممثلا مثل عادل إمام.. الذي يتمتع على المستوى العربي بنجومية جماهيرية لا مثيل لها.. قدم أعمالا ربما حازت إجماعا على جماهيريتها وعمق معالجتها لقضايا المجتمع.. منها على سبيل المثال فيلم الإرهاب والكباب، وفيلم المنسي، وفيلم الغول وغيرها.. كانت كلها أفلاما تحاول أن تهز - بل وترج رجاً- ما نعانيه في مجتمعنا من ركود واستسلام بغيض لما يفعل بنا، سياسيا واقتصاديا واجتماعيا.. في هذه الأفلام ظهر عادل إمام ثوريا لا يرضى بالظلم.. ويناصر الفقراء والمقهورين دائما ويضحي من أجلهم.. ويعمل على جمعهم للتكتل ضد رموز السلطة والقهر.. ولأن عادل إمام من الفنانين القلائل الذين لا يطلون على الجماهير في لقاءات تليفزيونية إلا نادرا.. فقد ظنه الناس على الحقيقة.. ثوريا.. كما في أفلامه، حتى جاء يوم خانه فيه ذكاؤه.. وراهن على حصان يكاد تُعَلن على الملأ خسارته المجلجلة.. فمنذ أيام صرح أمام الصحافيين وكاميرات التليفزيون ووكالات الأنباء.. بعبارة (حامضة) قضت في لحظة على صورته الشعبية التي بناها في عقود، فبينما الدنيا مقلوبة في مصر.. وتحققت نبوءات أفلامه ذاتها.. حيث مّل الناس من الظلم فخرجوا يتظاهرون.. في أجمل مشهد شعبي تشهده مصر منذ عشرات السنين.. قال الفنان صادما جمهوره المظاهرات اللي بنعملها في السينما لصالح الوطن.. لكن المظاهرات اللي بتطلع دلوقتي في مصر ضد الوطن! ولا تعرف بالضبط وطن مَن.. ذلك الوطن الذي قصده إمام في تلك الجملة الحامضة! هل هو وطنه هو الذي يعيش فيه محميا بالسلطة.. إلى حد أنه يتحرك في (موكب) كما المسؤولين الكبار مثلا؟ أم وطن (الغلابة) الذين كان يضحي من أجلهم في أفلامه.. والتي كسب بسبب تعاطفهم معه الملايين؟!

وحسنا فعلت قناة الجزيرة حينما عرضت تصريحه النشاز هذا.. ثم جاءت برأي آخر من فنان آخر.. قد يقل في النجومية عن عادل إمام.. ولا يقارن ما يملكه بثروة عادل إمام الطائلة، فقد أطل الفنان عبد العزيز مخيون على شاشة الجزيرة.. فإذا به - ذلك الذي يقوم بالدور الثاني في الأفلام- مثقف واع يفيض إخلاصا لشعب مقهور.. فدافع عن الحق في التظاهر وعرض بأدب جم لا ينقصه اندفاع الثوري.. مطالب الناس من التظاهر.. ودافع عن مشروعية مظاهرات حركة كفاية وعدالة مطالبها.. كما عرض مظاهر الظلم الذي يتعرض له المصريون على يد تلك السلطة الفاسدة.. وخدمها من الفنانين المزورين، الذين ضحكوا على الناس عقودا وغشوهم وأثروا من ورائهم.
لحظة التغيير التي تمر بها مصر الآن.. ميزت بين عادل إمام وعبد العزيز مخيون.. ففرزت ممثلا شريرا.. وممثلا طيبا في.. الواقع الحقيقي، وليس في السينما والحواديت، واللحظة الراهنة في مصر تدلل أن المصريين.. لا يمكن أن يتعرضوا (للغش).. إلى مالا نهاية! على حد تعبير إحدى (الجمل الثورية) التي قالها فنان الجماهير في فيلم الغول! عندما يئس من استغلال أباطرة الفساد للقانون وثغراته.. فتدخل (بدراعه) في - حدوتة ذلك الفيلم- لإنصاف المقهورين.... قائلا: لا يمكن نعيش للأبد في ظل.. قانون سكسونيا.



"هويدا طه"

التعليقات