جمرة أبو جازي!

-

جمرة أبو جازي!
على مدار سنوات مضت، فَرَضَ الممثل محمود أبو جازي حضوره على الخارطة الفنيّة في الداخل، خاض التجربة على أشكالها، ويعرف تمامًا، أنّ المسيرة الماضية، والقادمة أيضًا، ليست وردية.

في حديثٍ لـ „فصل المقال” يرفض أبو جازي „الحكم السريع” على فيلمه „جمر الحكاية” ويحكي عن حلمٍ جماعيٍ لم يتحقق في مسرح الميدان وينتقد بشدّة „الأعمال التي تقدّم لأبنائنا”... محمود أبو جازي يقدّم عرضه الخاص.

منذ تخرجه في العام 1992 من كلية الفنون المسرحية في أثينا، يسعى إبن قرية عرابة البطوف، الفنّان محمود أبو جازي، إلى جانب زملاءٍ له من المسرحيين المحليين لبناء حركةٍ مسرحيةٍ متميزة. لكنَّه يعي جيدًا بأنَّ الأمر ليس يسيرًا، والطريق ليست سهلة. وبهذا تدخل عوامل كثيرة، منها شح الميزانيات وسياسة الوزارات والحكومات الإسرائيلية. ولكن مع هذا، يبدو أبو جازي مقتنعًا بأنّ الأمر ممكنٌ رغم الإمكانيات المتواضعة.

الفنان الذي قدَّم الكثير من الأعمال المسرحية، وبطولة مطلقة لفيلم „جمر الحكاية” الذي كان اسمه أصلا „بانتظار صلاح الدين”، وعرض في مهرجان الأفلام في مدينة حيفا، ومن بعدها، لم يلق النجاح الكافي، وأعيد الفيلم إلى ماكنة المونتاج، بحيث تمَّ تغيير اسمه إلى „جمر الحكاية” وعرض أخيرًا في المركز الثقافي في الناصرة.

أبو جازيّ أدَّى دورَه بشكلٍ محترمٍ، وكان الأفضل في ذلك العمل، وليس صدفة أنه نال جائزة فالينسيا عن هذا العمل، لكنَّ في صناعة الأفلام لا يكفي أن يكون الممثل ممتازًا، فثمّة الكثير من العوامل المحيطة.

الفيلم لم يعرض بالشكل الكافي. وإذا كانت وظيفة فنون الفرجة عرضها أمام الناس، فإنَّ „جمر الحكاية” لم يدخل هذه الخانة. يرفض أبو جازي إصدار الأحكام على نجاح أو فشل أي عمل فني لمجرد التوقف عند عرضه. ويعترض على حديثنا: „نستطيع أن نقيّم فشل أو نجاح اي عمل فني سينمائي أو مسرحي، بعد عرضه على الجمهور و”جمر الحكاية” لم يتم عرضه. عرض مرة واحدة في مركز محمود درويش في مدينة الناصرة، وحضره ما يقارب الـ 300 مشاهد، وكان من المفترض مواصلة العروض في البلدات العربية، لكنَّ هذا لم يحصل وأنا ألوم طبعًا شركة „براكسس” المسؤولة عن توزيع الفيلم وتنظيم العروض، لاسيما وأنَّ الحديث كان يدور ولا زال لتنفيذ هذه الفكرة وعرضه على الجمهور الواسع مجانًا على نمط „سينما باراديسو”، لكن عدم الالتزام بذلك ربما يتعلق بامور إدارية ومالية وليست فنية".
لم يخفِ ألمه وامتعاضه من كم الأعمال الهشّة والهزيلة التي تنحى إلى „الترفيه الرخيص” وخصوصًا المقدمة للاطفال لا سيّما „دائرة الثقافة العربية” التي تشترط دعمها المالي بكم الاعمال وليس بالانتاجات الابداعية.

يقول „نحن نعاني من مصاعب جمّة، منها شح الميزانيات نتيجة التمييز القائم، لكنَّ هذا لا يبرّر الخمول ولا الأعمال الرديئة. هناك نقصُ كبيرٌ في الاعمال المسرحية كمّيًا ونوعيًا للكبار، وان وجد على قلته فيطغى عليه المنطق التجاري لا أقل ولا أكثر. بالمقابل، يتم تسويق أعمال هزيلة لاطفالنا تفتقر الى عناصر الإبداع وتسوّق كبضاعة مربحة وليست ثقافة بأي حالٍ من الأحوال”، مضيفًا أن „دائرة الثقافة العربية تفرض تنافس على الكم بما يناسب معايير دعمها المالي وسياستها، وهذا لن يكون إلا على حساب المسرح الحقيقي الذي يجب أن يسوق اعمال ثقافية ابداعية.”

وحول الصورة القاتمة لوضعية المسرح في البلاد كما يصفها، يفترض من الفنان الحقيقي في هذه الوضعية إما الإعتزال بسبب اغترابه عن ميدان عمله وإمّا „إعلان ثورة ثقافية” وتشكيل مدرسة مغايرة تحمل الهموم الحقيقية للمسرح وللناس.

ويوّضح الصورة أبو جازي بالقول: „كما هو في كل الميادين، ومقابل المنطق التجاري للمتسولين على جراح الناس، هناك اعمال مسرحية ابداعية نعتز بها رغم عدم قبولها في المدارس بسبب اختيار المدراء فيها للاقل تكلفة ماديًا دون اختيار الاكثر ابداعًا وتثقيفًا. وأنا أقول إذا كانت هذه هي ثقافة القيمين على تربية ابنائنا فمن الممكن أن تتخيل بأي حضيض لا زلنا نراوح.”

ويسترسل أبو جازي „أما حول المبادرات المغايرة، فأنا وعددٌ آخر من زملائي متفقون على قرارٍ بعدم المشاركة بأي أعمال مسرحية لا تنسجم مع رسالتنا، ونحن ماضون نحو صياغة رؤية مغايرة لما هو قائم، وبدأنا بكتابة وإخراج نصوصِ مسرحية خاصة للاطفال تهدف الى تربية جيل جديد يتمتع بوعي فني وثقافة مسرحية، إلى جانب تنظيم دوراتٍ وورشاتٍ مسرحية في البلدات العربية وادخال موضوع الدراما للمؤسسات والمعاهد التعليمية وتنفيذ البرامج.”كما في كل مجال آخر، احتلت أزمة المسرح في السنوات الأربع الأخيرة مساحةً إعلامية لا بأس بها. لقد راود الحلم الكثيرين، بناء مسرحٍ عربي خاص بهم، يتضمن أعمالهم ويخرجها إلى حيّـز النور.

كان الحديث في الماضي عن مسرح „الميدان”، عــــن هذا يقول أبو جازي: „مسرح الميدان أقيم أساسًا ليكون المسرح الوطني الفلسطيني في الداخل. لكن باعتقادي أنّه لم يحقق من ذلك أبسط الامور، وللأسف أنّه نتيجة للخلافات الشخصية على إدارة المسرح فقد مصداقيته كمسرح وطني وتآكل، وأخشى ما إذا استمر الميدان على هذه الحال أن يخسر ويُغلق أبوابه في الوقت القريب. أنا شخصيا افضل ان ابقى مسرحي حر دون ارتباط بمسرح معين لكي يعطيني ذلك حرية اختياري للاعمال المسرحية التي أطمح إليها بما ينسجم مع رسالتي”.جوائز

في مهرجان „فالينسيا” حيث حاز أبو جازي على جائزة أفضل ممثل، وحصل الموسيقي الأردني وليد الهشيم على جائزة أفضل موسيقى عن موسيقاه في الفيلم ذاته. وهناك أعمال سينمائية شارك بها أبو جازي أخرى مثل فيلم „عَ السكت”، حيث حصد أكثر من عشرين جائزة في مهرجانات دولية مختلفة في أمريكا وأوروبا والعالم العربي ومنها الجائزة الأولى في مهرجان دبي، وقبلها الجائزة الثانية في مهرجان „كان” وكذلك الجائزة الاولى لمعهد العالم العربي في فرنسا” والفيلم من بطولة محمود ابو جازي واخراج سامح زعبي.

آخر الاعمال

يقول أبو جازي: لقد حققت مؤخرًا طموحًا دائم طالما لازمني في مسيرتي الفنية، وأنا فخور أنّ آخر أعمالي كان مسلسل تلفزيوني”الفريق” للفضائية الفلسطينية وتم تصويره في بيت لحم ومخيم الدهيشة والخضر. أما العمل الثاني فهو „كلام في كلام لبرخت” والان هو قيد المراجعات وسيعرض في اواخر هذا العام وسيشارك في مهرجانات عربية.”

التعليقات