جميل السلحوت: رواية الشغف بين الخيال والواقع / جميل السلحوت

جميل السلحوت:

رواية الشغف بين الخيال والواقع / جميل السلحوت
صدرت في القدس رواية(الشغف) للأديب عيسى القواسمي في حزيران 2009 وتقع في 194 صفحة من الحجم المتوسط . وهي الرواية الثانية للأديب بعد ( همس الظلال ) التي نشرت في العام 2008 .

والشغف لغة كما جاءت في لسان العرب تعني(جلدة دون القلب ، يقال : شغفه الحبّ أي بلغ شغافة)

ملخص الرواية : هذه الرواية تحمل رسالة حبّ وسلام ، لكنها تصطدم بالواقع السياسي، فحنين ابنة القدس، وقعت في حبّ يوسف ابن بيت لحم، ومع أن المسافة بين القدس وبيت لحم لا تتجاوز سبعة عشر كيلو متر، إلا أن الاحتلال وقوانينه وحواجزه العسكرية شكلت عائقاً دون لقاء الحبيبين، فيوسف لا يسمح له بدخول القدس، وحنين تجد مصاعب جمّة في الوصول الى بيت لحم، ورغم هذه المعاناة تمت الخطبة، الا أن الزواج لم يتم لأن العريس حوصر في كنيسة المهد عندما اجتاحت اسرائيل بيت لحم في نيسان 2002 وتم ابعاده الى قطاع غزة، ليسقط شهيداً في حرب اسرائيل على القطاع التي شنتها في 27 كانون أول 2008.

رسالة الرواية:

عدا عن رسالة الحب الجارف بين حنين ويوسف الا أنها تحمل في مضمونها رسالة عن واقع الصراع الفلسطيني الاسرائيلي ، هذا الصراع الذي يغيب السلام، ويشكل ضاغطاً نفسياً على كل فرد من الشعبين، فيوسف أبوه فلسطيني من بيت لحم ووالدته يهودية، تزوجها والده عندما كان يعمل في مستوطنة(جيلو) المطلة على بيت لحم وبيت جالا من الجهة الشمالية، وأنجب منها يوسف، ثم ما لبث ذووها وبعض الحاخامين من انتزاعها من زوجها، وتركت ابنها في كنف والده وهو في السادسة من عمره، علماً أن ما يجري على أرض الواقع أنه يتم انتزاع الزوجة اليهودية وأطفالها من حضن زوجها الفلسطيني، وتزوجت الأمّ(روتي)بعد ذلك من (عزرا) اليهودي المتعصب والحاقد على الفلسطينيين بشكل خاص، والعرب بشكل عام، وأنجبت منه. وشبّ يوسف في أحضان والده دون أي اتصال مع والدته، ودرس التجارة وادارة الأعمال، وعمل في ادارة مصنع للصدف والمصنوعات الخشبية السياحية يملكه والده في بيت ساحور ، وتعرف صدفة على حنين الفتاة المقدسية خريجة الجامعة الأمريكية في العلوم السياسية في بيت خلود ابنة عمّه، ووقع في حبها، وعندما أخبرها عن والدته اليهودية، عرضت عليه أن يلتقيا هو ووالدته، ولما هاتفت والدته والتقتها، عملت الوالدة له تصريحاً لمدة خمسة أيام لزيارة القدس، واصطحبته وحنين الى بيتها في مستوطنة(جيلو) وعندما عاد زوجها عزرا بصحبة ابنه ديفيد الجندي الاسرائيلي رفض عزرا وجود يوسف في البيت رغم الحاح والدته، ورغم تدخل أخيه ديفيد .

وفي اليوم التالي عرض عليه أخوه ديفيد بأنه سيساعده في الحصول على الجنسية الاسرائيلية كوّن أمّه يهودية، فحسب اليهودية والقانون المعمول فيه في اسرائيل فأن الولد يتبع أمّه، إلا أن يوسف رفض ذلك بشدة وأكد على انتمائه الفلسطيني العربي وعلى دينه الاسلام.

كما اصطحبته وحنين والدته الى احدى الكيبوتسات قرب تل أبيب، حيث عاش عامين من عمره ما بين الرابعة والسادسة، قبل اختطاف والدته، وهناك التقى بخالته مريم وابنتها سيما اللتين أكرمتا وفادته.

ولاحقاً حوصر يوسف في كنيسة المهد، ورفض وساطة والدته التي استخرجت له اذناً بالخروج من الحصار، فبقي على التزامه الوطني مع أقرانه المسلحين، علماً أنه لم يكن مسلحاً ولم يكن تابعاً لفصيل ولم يشارك في أية معارك.

ويلاحظ من خلال الرواية أن الأمّ اليهودية كانت ممزقة مشتتة بين حبها لابنها يوسف الفلسطيني المسلم، وبين ابنها ديفيد الاسرائيلي اليهودي، وبين حبها لزوجها الأول الفلسطيني والد يوسف الذي انتزعت عنوة منه، وزوجها الثاني عزرا اليهودي المتعصب، كما أن ديفيد كان مشتتاً بين ولائه ليهوديته واسرائيليته وبين عاطفته تجاه أخيه الفلسطيني العربي يوسف، وكذلك يوسف فإنه حائر بين حبّه لأمّه التي لم تربيه، وفارقته طفلاً وبين انتمائه لوالده ولشعبه ولوطنه فلسطين، فالحياة الزوجية القائمة على الحب بين روتي وزوجها الأول الفلسطيني دمرها التعصب الصهيوني عندما انتزعوها منه ومن ابنهما، والحب بين حنين ويوسف، حال الاحتلال وقوانينه وجدرانه التوسعية وحواجزه العسكرية دون أن يتوج هذا الحبّ بالزواج، وكان ابعاد يوسف الى قطاع غزة وقتله هو سيّد الموقف .

ويبقى السؤال:هل الصراع الفلسطيني الاسرائيلي هو صراع بين أخوة، أو بين أفراد عائلة واحدة كما جاء في الرواية؟ وأن الصهيونية وفكرها هي المسؤولة عن هذا الصراع ؟ وهذه قضية بحاجة الى نقاش طويل جداً،بالرغم من تأثرها الواضح بالمأثور الديني والتاريخي بأن العرب واليهود هم أبناء اسماعيل ويعقوب أبناء النبي ابراهيم عليهم السلام.

لكن هذه هي المرّة الأولى -حسب علمي على الأقل- التي يتم فيها طرح القضية بهذه التفاصيل، من خلال أمّ يهودية لها ابن فلسطيني ولها ابن يهودي، ويبرز الموقف الانساني من خلال محاولة التوفيق بين هذين الأخوين، على اختلاف الانتماء عند كليهما .

الأسلوب :

القارئ لرواية عيسى القواسمي الأولى(همس الظلال) ولهذه الرواية(الشغف) سيلاحظ مدى تطوير أديبنا لأدواته الفنية مما يؤكد استفادته من تجربته الروائية الاولى بشكل لافت،وقد استعمل الكاتب في روايته هذه أسلوب الاسترجاع ، فمنذ البداية شاهدت حنين وهي في القاهرة جثة خطيبها يوسف بعد أن سقط شهيداً اثر الغارات الجوية الاسرائيلية على قطاع غزة في الحرب الاسرائيلية الأخيرة على القطاع، ويوسف عاد ليتعرف على والدته اليهودية بعد أن أصبح شاباً، وتعرف لاحقاً على أخيه من أمّه من زوجها اليهودي، كما تعرف على خالته وابنتها في الكيبوتس الذي عاش فيه عامين أثناء طفولته المبكرة، وأسلوب الكاتب سلس ولغته فيها بلاغة واضحة، والعاطفة قوية والأسلوب مشوق .

(ورقة مقدمة لندوة اليوم السابع في المسرح الوطني الفلسطيني في القدس)

.

التعليقات