د.عزمي بشارة في مصر يوقع الطبعة المصرية لروايته الثانية/ عزت القمحاوي

-

د.عزمي بشارة في مصر يوقع الطبعة المصرية لروايته الثانية/ عزت القمحاوي
جاء عزمي بشارة إلى مصر مدعوا من دار الشروق لتوقيع الطبعة المصرية من روايته الثانية "حب في منطقة الظل" وهي بمثابة جزء ثان بعد "الحاجز" ويخطط بشارة لجزء ثالث، لا يعرف إن كان سيكتب أم لا! كما قال في حفل التوقيع الذي أقيم السبت الماضي بمكتبة الشروق بالفرست مول.

وقد توجه بشارة المفكر القومي، أستاذ الفلسفة، والمناضل السياسي إلى الكتابة الإبداعية بوصفها استراحة في منطقة الظلال، لكن الأسئلة التي طاردته في مصر لم تلتزم بالدوران في منطقة الظلال الإبداعية: بل جرته إلى أضواء السياسة واللحظة الفلسطينية الملتبسة بفوز حماس، أو بالأحرى ببداية وقوعها في فخ السلطة. وكأنه قدر المفكر أن يعيش تصارع الهويات في الواقع والكتابة!
هو المواطن الإسرائيلي، حسب الأوراق، بل وعضو الكنيست الذي يحمل مرغما هوية سارقي أرضه، فيتسبب جواز سفره الإسرائيلي في التباس وحيرة لدى البسطاء ولدى بعض السياسيين الدوجمائيين.

قبل أن يحضر عزمي بشارة بدقائق حكى لي المهندس إبراهيم المعلم كيف ذهب ليسأل عنه فأجابه موظف بالفندق، لا، ليس هناك سوى واحد إسرائيلي ....!

وبذل المعلم مجهودا مع موظف الاستقبال لكي يقنعه بأن ذلك الإسرائيلي الذي يعنيه هو نفسه المفكر القومي الذي يبحث عنه. وربما اقتنع الموظف الفندقي بالوضع الذي لم يقتنع به بعض السياسيين الذين يرون في عزمي بشارة جسرا للتطبيع، ويتطيرون من فكرته التي طرحها منذ نحو خمسة عشر عاما، وقد تبناها فيما بعد المفكر إدوارد سعيد، والشاعر محمود درويش وهي فكرة دولة واحدة للشعبين. رغم أن الفكرة لاتحتاج إلى رفضنا، فالإسرائيليون الذين يسبقوننا في كل شيء سبقونا أيضا في رفض الفكرة، التي اعتبروها نسفا للفكرة التي قامت عليها الدولة.

وعلى الجانب الآخر فقد جاء بشارة إلى القاهرة بعد أسبوع واحد من إغلاق ملف محاكمته، هو واثنان من مساعديه في حزب التجمع الوطني الديمقراطي، التي استمرت خمس سنوات بتهمة تأييد منظمة إرهابية (حزب الله) تعمل على تدمير إسرائيل.

وقد حول بشارة المحاكمة على مدى السنوات الخمس إلى مناظرة سياسية غير مسبوقة، انتهت بإغلاق الملف ورد حصانته التي رفعها عنه الكنيست منذ نوفمبر عام 2001 .

وهكذا فإن عزمي بشارة الذي كان مطلوبا له أن يبقى معلقا في الفراغ، لا هنا ولا هناك، تمكن بكفاءة عالية والتزام بعقيدته الوطنية والقومية أن يكون هنا وهناك، بكل القوة الممكنة، بصرف النظر عن شكل الحضور في كل من المكانين العربي والإسرائيلي.

وربما كان في إصراره علي أن يكون موجودا "في الرواية" إلى جانب وجوده "في الفكر السياسي" نوعا من التوازي مع وضعه الواقعي كفلسطيني وعربي يحمل جواز سفر إسرائيلي!في الدردشة التي دفعه إليها الروائي يوسف القعيد وغيره من المثقفين الذين حضروا حفل التوقيع، اعتبر عزمي بشارة اتجاهه إلى الرواية نوعا من الاستراحة أو الهروب أو البحث عن شكل من التعبير تركيبي غير ملتزم وغير منضبط سياسيا، أي نمط مختلف عما يعيشه كل يوم.

الرواية مفيدة في التعبير عما لايمكن التعبير عنه في نمط الكتابة السياسية، شيء يرتكز على جماليات الكتابة، وإن لم يخرج عن الهم العام. وهو يعتقد أن الرواية الفلسطينية تختلف عن غيرها باختلاف ظرفها، فهي محكومة بمعاناة الإنسان الفلسطيني.

الرواية الأولى تشرح نفسها في العنوان: الحاجز، حيث المكان الذي تتبدد فيه أعمار الفلسطينيين، المكان الذي يذكرهم بحقيقة الاحتلال وحقيقة أنهم ليسوا أحرارا في التحرك في بلدهم. هنا، يشرح عزمي بشارة ما قصده بالعنوان الفرعي "رواية شظايا المكان" بأنه تعبير عن واقع المكان الفلسطيني، فليست فلسطين مكانا واحدا، هي في الضفة والقطاع، في بيروت، في القاهرة ودمشق وكل مكان تشظي فيه الوجود الفلسطيني. الطفل الذي كان عمره عامان في الرواية الأولي يكبر في هذا التشظي.

ربما كان اللجوء إلى الرواية نوعا من الرغبة في توصيل الأفكار بشكل أسهل وبفرص انتشار أكبر؟

يضحك عزمي بشارة: لا هذا ولا ذاك، الانتشار للكلام الفارغ!
بقدر وضوحه في السياسة ، حاول بشارة أن يغلف بالعتمة منطقة قراءاته الأدبية، رافضا الإجابة على سؤال حول كتابه المفضلين عربيا، حاول حلمي النمنم أن يغششه الجواب: مثلا نجيب محفوظ.

"طبعا نقرأ له منذ كنا صغارا" قال بشارة ولم يضف اسما آخر: إذا من لم تحبهم؟!

ولأنه ليس بحاجة إلى مزيد من الأعداء، فقد التقط السؤال الذي كان من الطبيعي أن يطرح، حتى في ظروف الاحتفال برواية، السؤال عن التباسات اللحظة الفلسطينية الراهنة، فوز حماس وتحركات إسرائيل ضدها.

وفي رأيه أن فوز حماس كان مفاجأة لجميع الأطراف بما فيها حماس نفسها، والتي كان يناسبها أن تكون قوة رئيسية وليس أغلبية مطلقة. هذا الفوز كان فخا لأنه وضع حماس بالضبط في المكان الذي اكتسبت كل ثقلها لأنها ليست فيه. بمعنى أنها فازت لأنها حركة مقاومة وليست سلطة بكل ما تعنيه السلطة من تنازلات في مواجهة إسرائيل وفساد وما إلى ذلك. وما تفعله إسرائيل الآن هو أنها تطالب حماس بما طالبت به المنظمة: الاعتراف بإسرائيل ونبذ المقاومة والموافقة على الاتفاقات السابقة. أي أن تنتهي حماس إلى لاشيء كما انتهت المنظمة وكما انتهى عرفات الذي لاندري إن كانت إسرائيل قد قتلته أيضا.

هناك تناقض بنيوي في وضع حماس الآن، وما يتوقعه عزمي بشارة هو أن تغرقها إسرائيل في المطالب اليومية، تعيد التفاوض على حرية الحركة والمعابر وكيف ستتزود السلطة بالكهرباء، وما إلى ذلك من مطالب بحيث تخفض سقف التوقعات الفلسطينية، ولا يكون هناك تفاوض على القضايا السياسية التي تحتفظ إسرائيل لنفسها بحق التصرف منفردة فيها، كما حدث في فك الارتباط الأحادي من غزة. وهو ما فعلته طوال 12 عاما بين توقيع أوسلو ووصول حماس. لا تريد الاعتراف بوجود طرف آخر ترتبط معه باتفاق سلام، وإنما تتخلص من الفلسطينيين كمشكلة ديمجرافية بحتة.وليست إسرائيل الطرف الوحيد الذي يعمل على إفشال حماس، فتح تفعل هذا أيضا ربما بدافع المرارة، لكي تقول إنظروا: لقد فشلوا. وهذا خطير. إذا كنت تتحرك بدافع المرارة فلا تشتغل سياسة، وخصوصا في الحالة الفلسطينية التي لا تمتلك هذا الترف. ولذلك نرى ضرورة اشتراك فتح في الحكومة، وإن تعذر قيام حكومة ائتلاف فيجب مساعدة حماس على إقامة حكومة غير حزبية، من شخصيات عامة بينما تكتفي حماس بأن تكون مرجعية تشريعية بأغلبيتها البرلمانية. ومن أجل هذا الهدف يناشد بشارة الدول العربية وخاصة مصر إقناع فتح بهذا الواجب، وهو على ثقة بأن مصر تحديدا تستطيع أن تفعل ذلك فهي "تمون" عليهم ولكلمتها وزن.

وبخصوص أجندة حماس الداخلية وما إذا كان لديهم اجتهادات بشأن التعامل مع الأدب والفن، يعتقد عزمي بشارة بأن هذا ترف ربما لن تصل إليه حماس، فقد جاءوا من مخيمات وكانتونات تحت الاحتلال، ولم تنشأ الحركة في مدن مستقرة لكي تضع قضايا كهذه على جدول أعمالها. التحدي الذي أوجد الحركة أكبر من هذا.





التعليقات