رؤية نقدية لواقع الإعلام العربي في ظل متطلبات معادلة الإبداع

-

رؤية نقدية لواقع الإعلام العربي في ظل متطلبات معادلة الإبداع
تتشكل الهموم الثقافية في البني المعرفية للمثقف من حالة التضاد بين وحي البنى المعرفية في لغة الحقيقة ورمادية الواقع في لغة الصدمة، وهي المسافة الفاصلة بين اشراقات الأمنيات وسوداوية الواقع، فحالة التناغم بينهما في إعدام المسافات الفاصلة وتلاقيهما في جوهر واحد، يشكل نشوة الرؤية الحقيقة للوحة الواقع، إذ تعكس بصدق تلك التجليات المعرفية في تراقصها المفكر في لغة الفكر. ويبدو أن تلك الحالة المتناغمة في حالة وأد مستشرية في عالمنا العربي، ويتشكل وأدها في سلم لاينتهي من لغة المتضادات التي تعصف بالمشهد الثقافي في عالمنا العربي، وتترتب تلك المتضادات في تماهيات تتفاوت في تصاعدها بحسب أهميتها عند النخبة المثقفة من جهة، وفي البنى المعرفية لكل مثقف على حدا، ويلعب البعد التخصصي والمهني دورا هاما في تحديد اولوياتها في الهم والمعالجة، وتتشكل في أعماقي - المعتصرة الما على الواقع الثقافي لأمتنا العربية- تباعاً لما سبق في واقع الإبداعية وتجلياتها الحقيقية في المنجز الإبداعي واشراقاته والمشهد الإعلامي الهش في مقبرة ثقافة الصمت تجاه الحقيقة.. الإبداع.. النهوض بالواقع.

فالمتتبع في رؤية تحليلية ناقدة لواقع الأعلام العربي بكافة صورة، يلمح هشاشته وشكليته المتجردة من الإبداع الحقيقي، واتكاءه على كوادر تلمع من بهرجة الدعاية الإعلامية لا وحي اشراقات الإبداع، فضلا عن عاجية الأسماء وأضواء الشهرة، من اثر توابع الرؤية بعين واحدة والسير في قدم واحدة في موكب الحضارة والانفجار المعرفي. في مشهد رث مبتذل مقزم ثقافيا، إذ ما زال المشهد الإعلامي العربي يعاني من عزلة حقيقية تجاه الثقافة وجوهر قضاياها المتأزمة، وربما يبحث المرء عن عزاء له عبر الإعلام الإلكتروني، لكنه يجد أن الحقيقة لا تتعدد، فكل صور إعلامنا العربي هي ذات الجوهر والمضمون الشكلي الزائف ثقافيا، فما بالنا ونحن نحاكمها في لغة الإبداع ومقتضياتها. وهكذا يغدو إعلامنا العربي في غيبوبة عن البعد العلمي الأكاديمي في الطرح ونراه يتهاوى في تلقائية متهورة بلا مضمون، أو المؤدلج بلا نزاهة علمية، فنراه يتساقط في ادعاء الحقيقة بلا حقيقة، وتجهض روعة الإبداع الحقيقي في رحمة قبل الميلاد، وتعلن للحياة عاجية الأسماء تحت مسميات إبداعية، تتكئ على مظلة الشهرة دون مضمون حقيقي للإبداع. وغدت مفردة الإبداع تدنس قداستها في سذاجة المضامين ولغة الجسد واستعار النزوات. وتماليات الثمالى في أثير الأضواء وتناثرات الحروف على السطور.

وهذا يعكس حقيقة أن المشهد الإعلامي غدا شاشة لمضمون اللاشئ من الأشياء، ومحض أشباح صور، تتشكل فيها خفافيش الظلام، التي ترسم لنا بجدارة الواقع الهش الهزيل لأعلامنا، وتعلن اضمحلاله في المضمون وضآلة قيمة الرسالة الإعلامية التي يبثها ليل نهار، وهذا يشكل خطورة وأزمة حقيقية في معادلة الأنفاق المالي عليه والقيمة الإعلامية العائدة منه، واثرها في حركة الاستنهاض الثقافي والتقني، ومواجهة العولمة الإعلامية في ضوء الانفتاح الحضاري والحفاظ على الخصوصيات الثقافية دون التهاوي في أحضان الأمعيات والتقليد الببغاوي الساذج، وبذلك نجسد صورة واقعية ذات فاعلية على غرار التجربة اليابانية في التطور الحضاري.

ولعلنا لا نختلف في أن اللغة الإعلامية بكافة مفرداتها وابجدياتها تشكل سفرا رائعا للحضارة والثقافة في أبهة الطلة أو واقعا مزريا في رمادية الحال البائس في هشاشته واضمحلال مضمونه، واعلامنا العربي بلا جدارة يتكئ على جدران الواقع المزري بعين وقدم واحدة، ولسان ببغاوي مؤدلج، وهذا الواقع يزداد تهاويا وفي لغة السقوط الثقافي وانكشاف لعبته السياسية المؤدلجة، ويقتضي تكاتف جهود علمية أكاديمية تتبوئ مهمة الإصلاح، تحمل روح الانتماء لحضارتها وامتها أولا.

وتتطلب الرؤية العلاجية لهذا الواقع المزري، الخروج في الفعل والأمكان من بعد الطبقية الثقافية بكافة صورها واطيافها السوداوية في عنصرية اللغة والمكان والزمان واطياف الشهرة المسعورة، وغير ذلك من مفردات الاستبداد الثقافي الخاوية من روح الإبداع.

وهنا تتبدى أهمية اجتثاث جذور الأمعيات والأدلجة المترامية في أحضان الأستبداد بكافة صوره وازيز السذاجات، وتوجيه اهتماماته نحو الإبداع الحقيقي وصوره كيفما كانت وحيثما حلت، بغض النظر عن ماهية الذوات وتماهيات المكان وبدون مشنقة الشروط الإعدامية المسبقة، ولغة التعامل العاجية تجاه الإبداعية في عين شمسها، واللغة المدللة المتساقطة تجاه منظومة ادعاءات إبداع في اللاشئ من الأشياء.

فضلا عن أهمية توفير قيادات إعلامية في كافة صوره تتسم بالبعد العلمي الأكاديمي في التخطيط والإنجاز، وتتشكل لغة تفكيرها في لوحة إبداعية من تجليات وعشق المنجز الأبتكاري في لغة الإعلام. وتتفاني في تقديس الحرية والمصداقية معا في كل أبجدياتها في عين إنسانية تنبذ مفردات الأستبداد وتعشق حرف الإبداع كيفما كان وأينما حل.

وربما دارت مركزية حديثنا هنا حول القيادات الإعلامية وفي توقعاتي هي اخطر ركن في المشهد الإعلامي، فهو ربان السفينة، الذي يجب أن تتشكل (الأنا) في أعماقه في بعد الطهارة العلمية والسلوكية، لا أن تستبد به المتضادات والأوبئة النفسية في اللاشعور وانعكاساتها تباعا في الأنا والأنا العليا، فيغدو في تماهيات سلوكية مرضية تتفاوت في انعكاساتها على الرسالة الإعلامية حتى تبلغ السادية في أعلى مستوياتها، وهنا تبلغ المأساة اوجها وانعكاساتها التبعية على المشاهد والقارئ والمتابع (الضحية)، ولا نملك هنا إلا مقولة "تصبح على إعلام وحرية وتماهيات إبداع في مستقبل الأيام".

فلا غرابة بعدئذ أن يوسم الأعلام هنا بعين واحدة وقدم واحدة و(آنا) سادية مستعرة في التعاطي الفكري ولسان ببغاوي طلق في لغة الأمعيات، وهنا تتشكل لنا رباعيات تخلف وخماسيات وسباعيات إلى ما تحب من أرقام. وهنا تتشكل أهمية فكفكة تلك التركيبات المعقدة من لغة التخلف وثقافة الصمت التي تدق ناقوسها المشؤوم بيننا، وعند تراقصات الفكفكة ودقدقة انكسار زجاجها يولد الإبداع وتستلهم اشراقاته، ويؤذن له بالميلاد عبر السماءات، فيكون ماهية المسيح القادم من عنان السماء، وهنا ستجد الإعلام في رؤية حالمة وردية يحتفى بالمبدع أينما كان وحيثما حل، ويفتح ذراعية له، يشدو له:

حييت آهلا ووطئت سهلا.




سعاد جبر
التجديد العربي

التعليقات