شخصنة الخطاب ليست ضروريّة " لأخلقة اللّغة"/ د. إلياس عطاالله

-

شخصنة الخطاب ليست ضروريّة
.قرأت مقالة/ بحث الزميل د. سمير خلايلة المنشورة يوم الأربعاء الخامس من نيسان 2006 في موقع عرب 48، والتي كتبت تحت عنوان " تأنيث الخطاب كضرورة لأخلقة اللغة"، وردّا على ما أورده الكاتب فيها، على الصعيد الشخصيّ لا الفكري الذي يؤمن به الكاتب- لأنّه في قراءته لمقالتي شخصنَ الحديث رغم إشارته إلى عكس ذلك- أقول:

من حق زميلي أن يعتنق ما يعتنق من فكر ورأي، فلا خطأ في الأمر بتاتا، ومن حقّه أن يرى( من الرأي والرؤية) في مقالتي" ذكوريّة" أو تأسيسا لـِ أو دفاعا عن ذكوريّة اللّغة، وذلك ضرب من التّهمة كما يُفهم من مقالته، ولا خطأ في ما يرى، رغم أنّ اللاخطأ لا يعني الصّدق، ومن حقّه أن يقدّم نفسه بكونه" أنثويّا" اعتمادا على ما أورده في مقالته التي ذكرها " لا تولد الأمّة المتنوّرة إلاّ من رحم الأمّ/ الأنثى" والتي أشار إلى أنّها نشرت في موقع عرب 48، ولا خطأ في تعريف " كونه" أو " كينونته"، أو في نشر مقالته، وليس من حقّ أحد أن يفرض على الكاتب، أيّ كاتب، فكره وأسلوبه ورؤيته وتحليله…

تظلّ الأمور هكذا إلى أن ننتقل من مجال اللاخطأ إلى مجال الخطيئة، والخطيئة، لهذا المقام، هي تلك التي لا تنفع فيها مقولة " إنّ بعض الظنّ إثم"، هي تلك التي تصحّ معها " أثمنة" ( من الإثم) الفكر بلا تجزئة أو تبعيض.

لا أنكر على زميلى اجتهاداته ومعرفته وعشقه اللغوي وبحثه الدّائب عن الحقيقة، ولكنني أدرج في " الأثمنة" بعض ما ورد في مقالته المذكورة:

1- ما أتت مقالتي، وهو لا يعرف أصلا لمَ كُتِبت، لتبحث في نظريّات وفلسفات اللغة/ اللغات، فمنذ البداية، كانت الغاية تتمحور في النّاحية التّطبيقيّة الرّامية إلى نزع الجنسنة في العربيّة، ومدى نجاحها، وهذا ما سُئلتُ عنه ودفعني إلى الكتابة، وهذا ما أعدته مرارا في المقالات الخمس التي نشرت تباعا.

2- ما نشر من مقالتي في الموقع، لم يكن النّصّ " الأكاديمي" الذي كُتبت به الدّراسة، والّذي يشمل الإحالات والمصادر - والنّصّ الأكاديمي موجود مع محرّر الزّاوية في الموقع-، وعليه تتأكّد الإثميّة في إشارة الزّميل إلى أنّني أخذت أو تثاقفت مع روس كيللي أو غيره، فالإحالة إلى هذا الكاتب وإلى غيره مشفوعة بأسماء المقالات والمواقع الباحثة في الأمر مثبتة في دراستي " الأكاديميّة"، وما يدفعني إلى الحديث عن النقلة من الظنّ إلى الإثم، هو أننا، الزميل الكاتب وأنا، - لمن لا يعرف- نلتقي أسبوعيّا ثلاث مرّات، وما رأى مناسبة لا لنقاش ولا لاستيضاح، وآثر هذه الأثمنة لسبب في نفسه.

3- يوجّه الكاتب إليّ سؤالا بأسلوب: " هل يعرف الكاتب كيف تتحدّد أو تتعيّن سمة الجندر في عبارة عطفيّة...؟"، كبرنا على هذه الأسئلة يا زميل! وأنصحك من باب صدق المحبّة أن تخلص من هذه الأسلوبيّة.

4- وقف الكاتب عند عبارتي " مفاهيم الشعوب" والتي رددْتُ إليها شيئا من قضايا التّأنيث والتّذكير، وقال إنّه لا يعرف ما المقصود بعبارة كهذه... هل هي اعتباطيّة الدّال والمدلول عليه السوسريّة، أو... وأسهب الكاتب في كلامه، وأعود للقول بأنّ أمورا كثيرة عائدة لمفاهيم الشعوب، ولا أعرف لها تفسيرا، وإن كان للزميل أن ينوّرنا بهذا الشّأن، فحسنا يفعل، والقضيّة لا علاقة لها بالاعتباطيّة الدلاليّة، إنّها قضيّة التوزيعة الجنسيّة: فهل يفهمني الزميل على هذا الصعيد كيف يكون الباب مؤنّثا عند هذا الشعب مذكّرا عند غيره، والدّلالة واحدة، وهل ينوّرني الزّميل كيف يكون النّهر، وعند الشعب الواحد وفي اللغة نفسها، مذكّرا ومؤنّثا حسب إقليميّته؟

5- أتى الكاتب بكمّ كبير من التمثيلات العامّيّة لإثبات ما يذهب إليه من رأي، ولا خطأ في الأمر، ولكنه ما عرف أمرين أساسيّين: الأوّل؛ أنّني تناولت أهم ما في مركّبات العامّيّة وإنصافها الجندريّ في موضوعة الضمائر في العربيّة المحكيّة والسريانيّة والأكاديّة، وكلّها واردة في الإحالات والمراجع، وفيها تكون نون " النسوة" ضميرا عامّا جامعا لكل الأجناس، والثّاني؛ ليست العاميّة من المواضيع التي دفعتني للكتابة- إذ لا مشكلة لي ولمبحثنا مع العامّيّة-، بل الفصحى وإمكانيات اللاجنسنة فيها، لأنّ الغاية هي إدراك ولو شيئا من العدل في الخطاب الرّسميّ، وهذا الضّرب من الكتابة التي مارسها الزّميل لا يندرج في الخطا، وقد يشفع له أنّه تعامل مع نصّ مثبت، ولو كان مبتورا ( النّصّ).

6- رأى الكاتب في " تجاهلي" لمقالته حول الأمّة المتنوّرة ورحم الأنثى، تقصيرا منّي وتجاوزا متعمّدا، وأخطأ الزميل مرّة أخرى، فمقالته لا علاقة لها بالجانب التطبيقي الذي رميت إليه في مقالتي، ناهيك عن الفرضيّة المنطلقة بحتميّة الاستشهاد بهذا أو ذاك إن لم أعتمدهم في الموضوع، أمّا تكرّم الزميل وسخاؤه فمردودان إليه، وما أورده الكاتب في مقالته المشار إليها، كان الخطاب فيه للأنثى، مع جنوح إلى تحطيم " الأصنام" اللغويّة وهذا حسن بالطّبع،- وللحقيقة هذه ليست المقالة الوحيدة التي يلجأ فيها الكاتب إلى الحياديّة وإلى خطاب المؤنّث- وما تناولته في مقالتي هو إشكاليّة الخطاب في حضرة أكثر من جنس، حيث يُلجأ إلى التّذكير، وعليه جاءت اقتراحاتي في محاولة لتغيير الخطاب والأسلوبيّة في حالة التعدّد الجنسي والجندري الاجتماعيّ، ولكنّ انتقائيّة الزّميل تجاوزت هذه الحقيقة لسبب لا أعرفه.

7- تأكيدا على ذكوريّة اللغة العربيّة، أتى الكاتب بجملة من النّماذج، ليؤكّد صدق ما ذهب إليه، وخطأ ما ذهبتُ إليه- رغم أنّني لا أرى في مقالتي النزعة الذكوريّة التي رماني بها، وإن وُجِدت كما يرى، فأنا لا أرى فيها نقيصة لا على الصّعيد العلميّ ولا الأخلاقيّ، ومن هذا لجوؤه إلى كلمة " زلمه/ زلمي" في محكيّتنا دليلا على ما بنى عليه.
لا أعرف ما علاقة الأزلام الجاهليّة بذكوريّة العربيّة والعرب، فالعربيّة، وأهلها، بذكوريّتها وقضيبيّتها/ م موجودة قبل أزلام الجاهليّة أوّلا، وثانيا، اعتمد الكاتب على لسان العرب في شرحه لكلمة أزلام وجعلها السّهام، وعليها بنى ترميز الصورة القضيبيّة الذكوريّة اللغويّة، والظّاهر أنّ الكاتب يعتمد لسان العرب بشكل انتقائيّ، فالأزلام، وهي قداح ( جمع قِدح أو قَدَح) كانت لقريش في الجاهليّة، مكتوب على بعضها الأمر وعلى بعضها النّهي، أو: افعل ولا تفعل، فإذا ما أراد أحدهم أن يزمع على أمر، وكان في حيرة من أمره، عمد إلى هذه الأزلام/ القداح، وقامر بإخراج واحد، وهي التي تبتّ وتقطع في الأمر، والكلمة مأخوذة من الجذر الثّلاثيّ زلم ( وهو ليس عربيّا خالصا) وفيه معنى القطع والنّحت والبري، وعليه قالوا: زلم رأسَ فلان أو أنفه،وازدلمه أي قطعه، ومنه زلم العود أو الغصن، أي براه ونحته، والأمر ليس وقفا على السّهام، فكلّ ما أحسِن قدّه ونحته فهو مزلّم، وعليه وصفوا ما كان دقيقا بالأزلام، من القسيّ ومن قوائم البقر وغيرها، وجعلوا الزّلمة أيضا قرطا تعلّق في حلق المعزى، وجعلوا الزّلمة العبدَ... وإن كان للكاتب أن يتصوّر ما تصوّر- وهذا حقّه بالطبع- فإنّه لا يستطيع جعل الأمر دليلا على قضيبة/ ذكوريّة اللغة، لأنّ السهم يرمز لقضيب الذّكر كما أشار... ذلك لأنّه مطالب بشرح إطلاق كلمة سهام المقابلة لأزلام على النساء، دون أن يلجأ إلى شاعريّة سهام الأعين! وإن شاء الكاتب اجتهادا، فإن دلالة البتّ والقطع وصياغة الأمور، والتي هي شأنٌ " زلاّمي" في مجتمعنا الباتريركيّ، قد تحمل ذكوريّة أكثر من الترميز الصوريّ، ورغم هذا لا أنكر على الزّميل اجتهاده في التحليل.

8- من باب الاحتراز أو " التكرّم" أشار الكاتب إلى أنّ صفحات الصحف قد لا تكون المكان لإيراد ثبت المراجع والإحالات، فإن كنتَ تعرف هذا، أيّها الزميل، فعلام السّرعة في رمي الآخرين بالتهمة؟ ألا يندرج هذا في "الأثمنة" المتعمّدة؟

9- أصدقكم ( ولن أقول أصدقكنّ) القول إنّني ما كنت لأعقّب على ما أورده زميلي في مقالته، ولكنّني وجدت نفسي مدفوعا للأمر جرّاء إحساسي بأنّ ثمّة منهجا في انتقاص الآخر ، وليس بالضّرورة أنا، فقد سبق للزميل أن أصدر أحكاما على مجمع اللغة العربيّة في البلاد وأعضائه، منتقصا الجسم وأهله، ناعيا العربيّة التي ماتت منذ زمن، شأنها شأن اللاتينيّة، داعيا إلى التجديد، وجاءت مقالته ونقده اعتمادا على السّماع من... حيث لم يحضر بنفسه اليوم الدّراسيّ الذي عقده المؤتمر وناقش المشاركون فيه ضرورة تحديث أو عصرنة العربيّة، والتّخلص من الكثير من اللاشيئيّات والتّزمّت الذي يتّسم به بعض سدَنة العربيّة، ورغم أنّ الموضوع المطروح هو هذا، ورغم أنّ الزميل سمع مِن دون أن يسمع، رأى أن ينشر مقالة لا تليق به بعض مضامينها- أقولها صادقا- بعنوان: " روح الإلهة اللسانيّة الميّتة يتجلّى في بناتها الحيّة"، - موقع عرب 48، 02-12-2005- يذكر فيها: " ... فقد تصدم العالمة اللسانيّة لو سمعت أنّ مجمع اللغة العربيّة في البلاد لا يزال يعشق مضاجعة عظام اللغة الميتة ويشارك في أورجيا مراتونيّة لا تلج إلاّ أجسادا وأرواحا تمرئي فساد الذوق الجمالي... وستصدم حقّا عندما تتعرّف على التركيب الداخليّ لهذا المجمع وفقر ثقافته العلميّة لعلم اللغات الحديث". اكتفيت- والزميل شاهد على هذا- بسؤاله لمَ يكتب كلاما كهذا وهو لا يعرف المواضيع التي بحثت ولا تركيب " هذا المجمع"؟ ولم أكتب ولم أعقّب، إذ منعتني الزمالة من تجاوز نهجي في الاستفسار.

وفي النّهاية، لست وصيّا على المعرفة والرأي والنقد، ولكن، جميل بمن يدعو إلى "الأخلقة" أن لا يبعّضها، وألا يدفن زمالة- وهي كالصّداقة بضاعة نادرة هذه الأيّام- إذ ليس كلّ من لمّهم مكان واحد يندرجون في هذه الزّمالة التي أتحدّث عنها.

التعليقات