كيف يتجدّد الرحابنة في الذاكرة الفلسطينية؟

-

كيف يتجدّد الرحابنة في الذاكرة الفلسطينية؟
العلاقة التي تربط الشعب الفلسطيني بالمطربة السيدة فيروز والأخوين رحباني، غريبة في قوتها وامتدادها على اكثر من ثلاثة أجيال تتوارث الحب معهم والتقديم والاحترام.

ومظاهر الحب التي تتجدد باستمرار، آخرها كان في مدينة الناصرة من خلال مشروع مشترك بين الرسم والشعر أطلق عليه شعار «وفي الناس المسرّة»، شاركت فيه الرسامة سيسيل كاحلي والباحثة نائلة لبّس عبر نشاط إبداعي جميل، الأولى في عرض لوحات زيتية مستوحاة من أغاني فيروز، والثانية بإصدار دراستها الموسّعة حول المدرسة الرحبانية وعلاقتها بالفولكلور.

الخبر تناقلته وسائل الإعلام ووضعته في سياق مناسبة الذكرى السبعين لميلاد المطربة الكبيرة.

هذه المرة جاء التذكير بمولد فيروز من فلسطين مرفقاً بالألوان والأفكار، وبالرؤى التي تخلقها تلك الأغاني الجميلة في رسامة وكاتبة فلسطينيتين.

وليست الأغاني الوطنية وحدها مصدر إلهام، بل أغاني الحب والإنسانيات أيضاً. والهدف هو «إعادة البسمة والفرح إلى أبناء شعبنا الفلسطيني المحاصر بين الدبابة والحجر»... الدبابة التي ترخي بثقلها على التراب والناس معاً فتقتل وتدمّر، والحجر الذي يقاوم... المخرز. انه الهدف الذي يصعب الوصول إليه بغير الألوان والكتابة كفعل مقاوم، وبغير الأغنية كصوت مضيء وشعر بهي وموسيقى نورانية.

قبل أربع سنوات تقريباً تكرّمت القصيدة المغناة «زهرة المدائن» من وزارة الثقافة في فلسطين، وحصلت السيدة فيروز على جائزة في شأنها. كان ذلك سعادة لا توصف لفيروز، ورضا حميماً لمنصور الرحباني. فـ «زهرة المدائن» التي اجتازت الحدود العربية واستقرت في الوجدان الجماعي في مرحلة صعبة من مراحل الصراع العربي – الإسرائيلي بعد نكسة 1967 التي خسر فيها العرب القدس وسيناء والجولان معاً، كانت الأغنية الأكثر تعبيراً عن التأمل والثورة، الدين والإنسان، في انسجام فني مذهل بين الكلمة واللحن والصوت، وقد حلت نموذجاً جمالياً حرّك الواقع الفني الوطني بشدة، واستفز شعراء وملحنين ومغنين عرباً كثراً وضعوا نتاجاً يدور مضمونه حول فلسطين. وعلى رغم أن غالبية ذلك النتاج لم تثمر كثيراً من حيث البقاء والاستمرارية، فإن «زهرة المدائن» حافظت على دورها وحضورها، وكانت تتجدد في الذاكرة ليس في المناسبات الوطنية الفلسطينية أو العربية الكبيرة فقط، بل في المناسبات الثقافية وحتى الاجتماعية، أي إنها حملت عناصر البقاء الفاعلة كي تتسلم جائزة إبداعية بعد ما لا يقل عن ربع قرن من إطلاقها.

لماذا أغاني فيروز والأخوين رحباني، وحدها، من دون غيرها من أغاني الفنانين العرب الكبار عن فلسطين تحظى باهتمام الفلسطينيين، وحتى المراقبين الإعلاميين سواء العرب أو الأجانب؟...

إن اغاني "الأوضة المنسية" و "عروستنا الحلوة" و "ردني إلى بلادي" و "بيقولوا زغيّر بلدي" و "زهرة المدائن" و "القدس العتيقة" وغيرها التي شكّلت مادة استيحاء واستلهام أساسية لدى الرسامة سيسيل كاحلي، والنصوص الفولكلورية والحديثة في المدرسة الرحبانية التي أعطت باحثة التراث نائلة لبّس آفاقاً أدبية واسعة، يمكن أن تستمر في إخصاب المفكرة الغنية العربية أجيالاً إضافية، أولاً لاكتمال شروطها الغنية العالية، وثانياً لغياب نتاج جديد يقف في موازاتها جمالياً أو يفوقها.

... ويتحدثون عن شركات انتاج غنائي عربي عصري بموازنات خرافية!



عبد الغني طليس
"الحياة"

التعليقات