مـن روســـــيا... مسرح مع خالص الحب?

مـن روســـــيا... مسرح مع خالص الحب?
غادة اسعد/فصل المقال
عشرون عامًا وثلاثون عملاً مسرحيًا، فترة زمنية كانت كفيلة لوضع المخرج منير بكري على خارطة المسرح الفلسطيني. درس بكري فنون الإخراج في روسيا، وعاد إلى البلاد حاملاً معه تعاليم من “مدرسة أخرى”. خاض غمار التجربة المسرحية بحلوها ومآسيها، وينظر إلى ماضيه بنظرة تراوح بين الرضى وعدم الرضى، ويؤكد في حوارنا معه، أنَّ هناك “أعمال في مسيرتي الفنية أخجل منها وأخرى أفتخر بها أيضًا”، لكن الأمل يحالفه، بأنّ “العمل القادم سيكون أفضل”.
لا يقول بكري ما هي الأعمال التي “يخجل منها”، لكنَّه يشير إلى أعمال أحبّها منها “المغتربان”، “مندلي”، “الصوت الانساني”، “أحلام شقية”، لكنّه يقول إنَّ العمل الأقرب إلى قلبه “لم يولد بعد”، متمنيًا ان ينجح في تجسيد عمل للكاتب الروسي انطونيو تشيخوف، ذلك الروائي الروسي، الذي كتب من أجل المسرح، الإقتراح الذي لم يلقَ حتى الآن تشجيعًا من مدراء المسارح العربية، التي تخشى من “فشل” التجربة بسبب “صعوبة تقبّل الجمهور العربي” لمثل هذه النصوص. لكنّه أيضًا يفكر بأن يعدّ عملاً جديدًا في روائع وحكايات قرأها أو روائع لم يقرأها بعد، عمل يجمع العمق الإنساني بقدر ما فيه من الوجع أو ربما الفرح أو ذلك الصمت المحسوس بين الأضلاع، أو صورة يعيشها البشر بين المرفوض أو المأمول أو المستطاع.
وعندما نتطرق إلى عمله الاخير، وهو مونودراما “قال هرتسل” (تأليف إياد برغوثي وتمثيل غسان عباس) التي فازت بأفضل عمل ضمن مهرجان “مسرحيد التاسع”، يعتبر بكري ذلك العمل بمثابة “مغامرة”، ويؤكد بأنَّ “قال هرتسل” تستحق الفوز. فقد أحب بكري النص الذي كتبه البرغوثي، ورأى في تبني مهرجان مسرحيد، الذي ينطلق للمرة التاسعة في عكا القديمة، مسألة مشجعة “رغم أنها متأخرة”.


مسارح في عصر الأزمة
إنَّ مجال الثقافة في الداخل الفلسطيني يعاني فيه المسرح الكثير من الأزمات. إذ لم يستقطب المجال الجمهور المطلوب رغم الأحلام التي تراود الكثير من المسرحيين بأن “تتحول خشبة المسرح إلى صرّح ثقافي” كما يقول بكري، “أحلم بأن أرى شعبي يضع المسرح على أولى سلم أولوياته الثقافية مثل باقي الشعوب المتحضرة”، مشيرًا إلى أنَّ “معرفة جمهورنا بالمسرح “أساسها سطحي”، عائدًا إلى تلقيننا دروس مخطئة عن طبيعة المسرح “منذ أن كانت مدارسنا تستقبل الأعمال المسرحية دون النظر الى اعتبارات القدرة الفنية للممثل والنص المطروح والإخراج المعروض في الفضاء الرحب وتحت الشمس المحرقة لافتقار المدارس القاعات المهيأة.”
ويرى بكري أن الوضع اليوم لا يختلف كثيرًا عن السابق: “هناك مدرسة عربية واحدة تدرّس المسرح هي مدرسة “دنون كابري”، التي يتقدم طلابها نهاية السنة لإمتحانات البجروت في الموضوع”. ويرى أنّ ما يجري هو نقص في المجتمع العربي والذي بات اليوم جمهوراً متلقيًا “للمسلسلات المدبجلة التركية التي تغزو البيوت العربية” لتُعيد ما أسماه بـ “ الاحتلال التركي بطريقة تقنية متطورة.”
إنَّ المسرح يعاني من شح الميزانيات والإمكانيات. وهذا صحيح، لكنَّ الحال التي يعيشها المسرح الفلسطيني خلقت أجواء ممن يصفهم بكري بـ “المتبكبكين” مشددًا على أنَّ هذا المسلسل عليه أن ينتهي “فلا حاجة للتأكيد أنّ مسرحنا فقير”، مضيفًا أنَّ “الجميع يعترف بشح الميزانيات وانعدام الدعم المؤسساتي الرسمي وغير الرسمي، وهناك مسارح فقيرة وأخرى أقل فقرًا، ولكن على الرغم من هذه الحالة، فإنَّ العمل الجاد “ينجح في نهاية المطاف”.
ويعود مرة أخرى للتشديد على أنَّ هناك “تجارب مسرحية وفنية ناجحة” استطاعت اختراق العالمين العربي والعالمي، مع تأكيده على أنَّ هذه النجاحات “تبقى فردية”. ويعدد بكري أهم الأعمال المسرحية الناجحة من بينها، على سبيل المثال، مسرحية “المتشائل” (نص إميل حبيبي تمثيل محمد بكري) و”جدارية” (عن جدارية محمود درويش إخراج نزار زعبي)، لكن بكري يعود ليذكر أن “التجربة المسرحية الفلسطينية عامةً هي أسيرة الحصار والحرمان فقــــط لأنها تحــــمل الهــــــوية الفلســـطينية”، ويرى أن الحل كامن في ضرورة طرح الألم الفلسطيني من عمقه الإنساني” حــين تنقل الألم كجزءٍ من حالةٍ يعيشها الملايين في العالم بأسره، فإنك تحاكي ألم المشاهدين ولهذا، من الممكن أن ينجح المسـرح الفلسطيني حتى لو طرح معاناة شعوب أخرى تحكي عن معاناته هو أيضــــًا”.
بين العربية والعبرية
أما على صعيد المسرح العبري، فيشير إلى أنَّ الفرق البسيط بين المسرح العربي والعبري هو في “الإمكانيات والفرص”، فالعقول موجودة في الحالتين، والأسماء بارزة والطاقات جبارة لكن في مجالات الامكانيات والفرص يخسر الفلسطيني. ويشير بكري إلى أنَّ هناك عددًا كبيرًا من الفنانين العرب الذين اخترقوا المسرح العبري “على سبيل المثال الممثلة سلوى نقارة تركت بصمة في المسرحين الفلسطيني والإسرائيلي على حدٍ سواء” واصفًا إياها بأنها “تتمتع بالحضور والكاريزما المشبعة بالإنسانية، وهو ما يحتاجه الممثل في مسار حياته الفنية”، مسترسلاً “انه عطاء متبادل بين الممثل والجمهور وبين المتلقي والمُلقّي، وهي ايضًا ثقافة الحضور وحضور الثقافة”.
ذوق؟
يحكي بكري أنه يستمتع أحيانًا بأعمال مسرحية ليست بالضرورة تلقى استحسانًا من قبل الجمهور، مشددًا على أنَّ مسألة “إشباع كافة الأذواق” مسألة غير موجودة في قاموس الفن. فعلى سبيل المثال أحبّ بكري مونودراما “حوار مع دوستويفسكي” للممثل شادي سرور، والتي عرضت قبل سنتين، لكنها لم تجد استحسانًا كافيًا من قبل الجمهور، بينما يعتبرها المخرج أحد أجمل الأعمال، والأقرب الى قلبه.
بطاقة مسرح
منير بكري من مواليد مدينة عكا، عام 1962. حاصل على اللقب الثاني في الإخراج المسرحي من معهد الفنون المسرحية في «كييف» (الإتجاد السوفييتي) خلال الفترة من 1987 – 1994 .عمل في المسارح الأوكرانية وأخرج عدة مسرحيات منها الأبله لدستيوفسكي، انتجوني لجان أنوي، النكتة الدموية لشالوم عليخم، فانتازيا فار يتيفا للكاتبة الأوكرانية آنا بافلافننا. وقَدِم الى البلاد في عام 1992. أخرج أعمالاً كثيرة منها مسرحية «الياطر» (للكاتب السوري حنا مينه)؛ «بيت السيدة» (عن مسرحية بيت برناردا ألبا انتاج الميدان)؛ «رجال في الشمس» (تأليف غسان كنفاني تمثيل طلاب قسم المسرح في جامعة حيفا عام 2001)؛ «نساء في القمة» (للكاتبة الآنجليزية كارول تشرشل في جامعة حيفا عام 2001) «؛ رقصتي مع ابي» (مونودراما للكاتب ايتسيك فاينجرتن تمثيل سلمى خشيبون) ؛ «أحلام شقية» (تأليف سعد الله ونوس وانتاج الميدان)؛ «التماثيل الزجاجية» (للكاتب الأمريكي تينسي وليامز وانتاج الميدان) ؛ «بياض العينين» (تأليف أيمن اغبارية وإنتاج الميدان)؛ «مندلى» (تأليف العراقي جواد الأسدي وإنتاج الجوال)؛ مسرحية «النزلاء» (تاليف عدنان ذياب وانتاج مسرح الغربال). عمل بكري مديرًا فنياً لمهرجان مسرحيد في مركز المسرح – عكا في الأعوام 2004،2003،2002؛ يعمل محاضراً في موضوع «الدراما والبسيخودراما» في الكلية العربية للتربية في حيفا.

.

التعليقات