ملاحظات سريعة: عن أية ديمقراطية يتحدث أدونيس؟../ إبراهيم مالك

-

ملاحظات سريعة: عن أية ديمقراطية يتحدث أدونيس؟../ إبراهيم مالك
قرأت المقابلة التي أجرتها الأستاذة في جامعة باريس، حورية عبد الواحد، مع الكاتب من أصل سوري والمقيم في باريس كذلك المشهور باسم أدونيس، قرأت المقابلة فاستوقفني فيها حديث أدونيس عن القضية الفلسطينية.

وكيلا أتهم بأن ما أقوله هو عواصف رملية، أؤكد بداية أنني أحترم حقَّ كل إنسان في التعبير عن رأيه، عرض تجربته الحياتية، خاصة ًحين تكون تجربة ثقافية، فكرية ومجتمعية، لكنَّ هذا الاحترام لا يعني أبدا القبول به والتهليل له. وكي يكون الاحترام حقيقيا ومُجديا حقا يُفترض بصاحب الرأي أن يصغي للآخرين وبعيدا عن الاتهامات المتبادلة التي تفقد كل حوار هدفه وضرورته.

لَنْ أتطرَّقَ لمسألة الحضارة وحتمية انقراض العرب ثقافيا بعد أن لم يعودوا جزءا فاعلا في الحضارة السائدة في زمننا،وفي مركزها اليوم الحضارة الأمريكية ولا أقول الغربية. ولا أختلف مع من يقول إن الأنظمة العربية السائدة مذ أكثر من ألف عام هي أنظمة متخلفة، ظلامية والمجتمعات العربية على تنوعها لا تختلف عن هذه الأنظمة. فالأنظمة هي وليدة مجتمعات متخلفة، وهي أي تلك الأنظمة المعنية تحرص بكل وسيلة على إعادة إنتاج التخلف الذي نشأت في رحمه.

أدونيس شاعر لا يختلف كثيرا عن معظم الشعراء العرب المجيدين، لكن هذه السمة لا تلغي إمكانية مناقشته والحوار معه، الاعتراض أو القبول، ولا تلغي حق الخلاف معه في الرأي، في تشخيص وفهم حالة مجتمعية واستنتاج خلاصات، نراه يطلقها أحيانا كثيرة كأحكام جاهزة.

لا أنكِرُ ما للحضارة الغربية والأمريكية بشكل خاص من تأثير إيجابي ونافع على المسار الإنساني. لكن لا يجوز أن يغيب عن عقلنا ونحن نحاول الاستفادة من التجربة الإنسانية أنَّ ما يُسمّى بعصر التنوير وسع فضاء العقل واستخدامه الإنساني، لكنه حَمِلَ في رحمه عددا ًمن الظواهر السلبية المخيفة بموجب النظر الإنساني، مثل ظاهرة استعباد شعوب بأكملها في آسيا وافريقيا، ظاهرة الاستعمار. فالتنوير في فرنسا، بريطانيا وألمانيا لم يخلق مجتمعات وشرائح واسعة من نُخُب ٍ ثقافية وشعبية تمنع اقتراف مثل هذه الجريمة.

كما أنَّ هذا التنوير لم يحلْ دون نشوب حربين مدمرتين في القرن الماضي في القارة الأوروبية بالذات وقد شاركت الولايات المتحدة في الثانية منهما بشكل نشط. كما أن هذا التقدم الحضاري جلب معه ما يمكن تسميته بمنطق انفلات القوة. وهو ما نشهد فظائعه في مناطق مختلفة من عالمنا "المتخلف"، وكأن تخلفه يبرر قتله. ما أود أن أقوله إن البهار غير الواعي وغير الحذر لا يفيد شعوبنا أبدا في سعينا لِتجاوز حالة التخلف.

أتفق مع القول كذلك الذي يسمع أحيانا ولو همسا أننا سنحسن صنيعا، إن كنا حقا مُثقفين ومُفكرين تعنينا مصائر إنسانياتنا ومجتمعاتنا، لو أننا نعيد النظر في موروثنا الإنساني عامة ً، وأخص ُّ بالذكر موروثنا الثقافي والتاريخي العربي وموروثنا الديني، كل موروث ديني.

ولا يكفي قول ذلك، إنما العمل بجهد، تضحية ومسؤولية، البدء في العمل وتخليص شعوبنا، كل شعوبنا من سلبيات القصص الأسطوري المضمن بنسبة مذهلة في معتقداتنا. وَمَن يريد أن يخدمَ ناسه وعالمه، فليبدأ فوق أرضه وبين ناسه. ما أعمق الحكمة التي تقول: "هنا رودوس - الوردة، فهنا تستطيع القفز"..
أما عن الديمقراطية التي يحلو لكثيرين الحديث عنها، ومنهم صاحبنا أدونيس، فعن أية ديمقراطية يجوز الحديث؟ لن أتطرق إلى مفهوم وتجربة الديمقراطية الغربية والفرنسية منها بالذات.

سأشير باقتضاب إلى ديمقراطية بلادنا، فالتجربة أثبتت أنها ديمقراطية عنصرية، تبيح للأكثرية العرقية فعل ما يحلو بالأقلية. وعلمت تجربة الأرض المحتلة، تجربة غزة مؤخرا (والغريب أنَّ أدونيس والأستاذة الجامعية لم يتطرقا عمدا إلى هذه التجربة). إنني أكفر بهذه الديمقراطيات التي تبيح انتخاب من هو ظلامي وعنصري، يستبيح دم الآخر، ولكن تتنكر لانتخاب من هو ظلامي، أقلُّ عنصرية وتعسفا، حين يكون الشعب مغبونا وخاضعا لواحد من أبشع القوى الطامعة والمحتلة. لا أستطيع تأييد حركة متقوقعة طائفيا وظلامية فكرا ومجتمعا، لكنني لا أجد بديلا لما نحن فيه قيادة مفسدة وفاسدة، عاقبها ناسها من خلال ورقة الإقتراع، ولا أجد البديل في السكوت على فظائع الاحتلال.

ولكنّي للحقيقة ذُهِلت حين قرأت أدونيس يطلب من العرب إعادة النظر بسياستهم تجاه إسرائيل، وبالموقف من السلام. لم يشرح أدونيس ما يعني، لكن مجرد إلقاء الكرة في الملعب العربي عامة دون الإشارة إلى حقيقة ما تفكر به إسرائيل، من خلال حكامها الذين انتخبوا ديمقراطيا! ورفضها المتغطرس لكل من يدعو حقا إلى البحث عن فرص للتسوية.

وعن أي حوار يتحدثُ أدونيس؟ وهل يعقل أن ينشأ حوار بين القاتل والقتيل؟ فالكف عن التقتيل هو أول شرط للحوار!
وكيف يمكن القول إن المشكلة الفلسطينية تنخر في الجسم العربي منذ أكثر من نصف قرن؟
هذا أقصى استهبال العقل والمنطق !
أخشى أن يكون أدونيس اقتنع بما قالته رئيسة سابقة في إسرائيل، غولدا مئير، حين قالت: "لن أغفر للفلسطينيين، علموا أبناءنا القتل"..
ما أفظع هذا الشعور: أن تصبح الضحية مسؤولة عن قتلها.

لن أقع في فخِّ الوهم أن أوباما يريد حَقا الحوار، ولكن كيف يمكن أن أقتنع أن الآخر يريد الحوار حقا وقد اكتسبت ممارساته اليومية، البعيدة قليلا و القريبة جدا، صفة التغوُّل في التعامل مع شعب أعزل، لا أبالِغُ حين أقول، إنَّ بعض ما كتبه أدونيس هو دعوة للتخلص العربي من دم هذا "الزنديق". وكم كنت سأكون سعيدا لو أن الأمر هو خِلاف ذلك.

التعليقات