من فقراء غزة الى مروان مخول/ ناصر عطالله

-

من فقراء غزة الى مروان مخول/ ناصر عطالله
طائر من الجليل الأعلى ، حط فجأة فوق غصن ناشف قرب بحر غزة ، يبحث عن عليل أصابه الفقر بمقتل أو ارتعدت معدته ببعد لقمة وضيعة أصبحت عنده عظيمة ، حط وكأنه جاء في وقته المعجزة ، ليقول من هناك أنا معكم هنا ، وأن صرفتني الحواجز ، وحرمتني الجغرافيا الوصول اليكم ، إلا أنني تحت سمائكم وقرب بحركم ، أُسمعكم نبض قلبي الباكي عليكم ، وهزوا بعودي حنين الجبال العالية أتيكم بإحساسي الرصين يشارككم دمع العين ويلم قطر نداكم عن وجوه أكلها الظلم ، وجعل الحصار منها مدائح عالية للفقر .

ولست غيري حتى أقول أنني الناسي ، ولم افقد ذاكرتي في فنجان قهوة أو حقيبة سفر ، ولم أعطكم ظهري حتى لا أرى ظلمكم على جدار عالٍ ، أنتم يا شعبي في غزة ، مني بمنزلة الكف للكف والرمش للرمش ، وأنتم ايها المحاصرون ، تحاصرون الدنيا بصمودكم ، بموتكم ، بغربتكم ، وأسمع كغيري جبال الكرمل تناديكم أن عودوا الى حضن السهول الأولى ، واقطعوا تذكرة عاجلة مع أول قطار عائد الى الروح ، وانتبهوا من رمل البحر الأصفر ، ومن الموت المخبأ تحت جناح الغراب انتبهوا يا فقراء غزة ، فأنا كغيري لم ننساكم بعد ، ولم نشطب أسماءكم من الذاكرة.

كأنه مروان مخول قال لي كل هذا وكلفني أن أكون سفيره إلى فقراء غزة ، ابلغّهم رسالته بلمسة حنان ، ولطف بليغ ، يوم أن فاز بجائزته الأولى عن عمله المسرحي الأول 'مش سفينة نوح' كأفضل نص مسرحي في مسرحيد عكا لعام 2009 م ، يومها تذكر المتألمين على أسرة مستشفيات غزة ، وتذكر البطون الخاوية التي عزلتها قوة القوة في الشر ، وتذكر من نسيهم أباطرة المال والسيادة ، وتذكرهم يوم أن منعهم البحر والبر الخروج من صفحة الألم الكبيرة .

مروان مخول هؤلاء الفقراء الذين لم تعرفهم ، عرفتّك أرواحهم بالنبيل الصادق والبار الشهم ، وكم كان هؤلاء البسطاء المجروحين بحاجة اليك ساعة أن مددت يدك البيضاء تجاه جراحهم لتخفف عنهم الألم ، وكم سمعت قلوبهم تخّلد لك حسن صنيعك معهم ، وكم قرأت في عيونهم من قصائد حب لك ، ولو كنت ترجمان عروقهم لكتبت لك أنهارا جارية بالشكر لك .

ولست وحدك بجناحك تطير فوق غزة ، لتظلل بخيمة حنون ، رؤوس المتعبين في صحراء الحصار ، بل كان جوارك الجميل ، جميل حامد ، الذي هاتفني يدعونني أن افعل الخير الذي خططت له ، وكان يهاتفني رغم تعبه أن عجّل في تحقيق أمنية مروان ، وارسم بسمةً للفقراء بريشته ، حتى ايقظني من نومي ليقول لي :' أي.. قوم يا صديقي فغيرك لم ينم من وجع بعد وهو جارك ' وكان نِعم الهمام جميل وحميده الطيب.

وهي أيضا سيدة الإنسانية وكلمتها الصادقة ، التي حركت بقلبها ما تريد تحقيقه يا مروان مع هؤلاء المقهورين في غزة ، لم تتركني لكسل ينسيني ماتريد ، ولم تأذن لي بتأجيل الخطوة الى بيوتهم ، بل كانت خلف الساعات تصرخ في أذني ،أن لبي نداء الانسانية وقول في أهل غزة خيرا ، وامسح ولو بقليل المودة ، رأس مسكين او مريضة ، إنها آمال رضوان يا مروان ، خير صديقة في هذا الدرب الراقي ، وتستحق وجميل حامد كما تستحق أنت يا صديقي نفس اللقب 'حراس الإنسانية ' في زمن الضياع.

البسطاء الفقراء المجروحين المقهورين ، أصحاب البيوت الستة الذين دخلتها كي أقول لهم مع الود والحب مروان يسلم عليكم ، يشكروك ويطيب لهم أن يسكنوا قلبك ابدا كما سكنت أنت قلوبهم ، واسكت فيهم ولو ليوم وجعا قاسٍ.

التعليقات