أسئلة الثقافة أم أسئلة الثورة؟ / د. فيصل دراج

كان المؤتمر العالمي الذي دعت إليه وزارة الثقافة في مصر، بين 14 و16 نيسان، مناسبة متميّزة لمساءلة علاقة الثقافة بالثورة، في وجوهها المختلفة. فهذا المؤتمر، الذي ضمّ مصريين وعربا وغير عرب طرح، بأشكال مختلفة، سؤال الثقافة في علاقته بالثورة: هل كان لها دور، وما هو هذا الدور إن كان موجودا وطرح، في اللحظة عينها، علاقة الثورة بالثقافة، ما شكل علاقتها بما أنتجه المتظاهرون؟ وما هي الوسائل الثقافية الممكنة التي تساعد في الحفاظ على الثورة؟ والأسئلة جميعا لا ينقصها الغموض، ذلك أن الثورة بدت منقطعة عن الجيل الثقافي الذي أكثر من الحديث، ذات مرة، عن علاقة الثقافة بالتنوير والاستنارة، بل أنه بدا، في رموزه الأكثر شهرة، ينتمي إلى الماضي أكثر من ارتباطه بالحاضر. والسؤال الأكثر بساطة ووضوحا هو التالي: إذا كانت الثقافة الفاعلة اجتماعيا تشكل امتدادا لفضاء سياسي متنوع الاتجاهات، فما هو مدى الحضور الفعلي لهذه الثقافة في مجتمع صودر فيه الفعل السياسي لأربعة عقود على الأقل. وإذا كانت هذه العقود قد همشت جيلا ثقافيا سابقا واضح الملامح وانتجت جيلا جديدا له علاقة ملتبسة مع الثقافة، فما هي حظوظ الأثر الثوري على ثقافة جديدة لا ينقصها الالتباس؟ وما أشكال التواصل والحوار بين جيل الستينات الثقافي، الذي كان مرتبطا بآيديولوجيات محددة، قومية واشتراكية، والجيل الراهن الذي استعاض عن الإيديولوجيات بالثورة الإعلامية؟

أسئلة الثقافة أم أسئلة الثورة؟ / د. فيصل دراج

- د. فيصل درّج -

كان المؤتمر العالمي الذي دعت إليه وزارة الثقافة في مصر، بين 14 و16 نيسان، مناسبة متميّزة لمساءلة علاقة الثقافة بالثورة، في وجوهها المختلفة. فهذا المؤتمر، الذي ضمّ مصريين وعربا وغير عرب طرح، بأشكال مختلفة، سؤال الثقافة في علاقته بالثورة: هل كان لها دور، وما هو هذا الدور إن كان موجودا وطرح، في اللحظة عينها، علاقة الثورة بالثقافة، ما شكل علاقتها بما أنتجه المتظاهرون؟ وما هي الوسائل الثقافية الممكنة التي تساعد في الحفاظ على الثورة؟ والأسئلة جميعا لا ينقصها الغموض، ذلك أن الثورة بدت منقطعة عن الجيل الثقافي الذي أكثر من الحديث، ذات مرة، عن علاقة الثقافة بالتنوير والاستنارة، بل أنه بدا، في رموزه الأكثر شهرة، ينتمي إلى الماضي أكثر من ارتباطه بالحاضر. والسؤال الأكثر بساطة ووضوحا هو التالي: إذا كانت الثقافة الفاعلة اجتماعيا تشكل امتدادا لفضاء سياسي متنوع الاتجاهات، فما هو مدى الحضور الفعلي لهذه الثقافة في مجتمع صودر فيه الفعل السياسي لأربعة عقود على الأقل. وإذا كانت هذه العقود قد همشت جيلا ثقافيا سابقا واضح الملامح وانتجت جيلا جديدا له علاقة ملتبسة مع الثقافة، فما هي حظوظ الأثر الثوري على ثقافة جديدة لا ينقصها الالتباس؟ وما أشكال التواصل والحوار بين جيل الستينات الثقافي، الذي كان مرتبطا بآيديولوجيات محددة، قومية واشتراكية، والجيل الراهن الذي استعاض عن الإيديولوجيات بالثورة الإعلامية؟

1. من أين جاءت الثورة المصرية؟

سواء كانت علاقة الثقافة بالثورة واضحة أو جزئية الوضوح، وهو الأرجح، فإن الثورة قد أنجزتها قوى اجتماعية هائلة تعرف ما لا تريد أكثر مما تعرف ما تريد. فقد رفضت الغالبية العظمى من الشعب المصري فساد النظام المرعب وعجزه عن حل القضايا الاجتماعية وتصرفه اللا مسؤول حيال مستقبل مصر وهيبتها ودورها العربي والإفريقي، بل تحوّلها إلى «إدارة مريضة» مصابة بالركود والمراوحة، ومصابة أكثر بتزوير الأرقام حيث ما تقوله، رسميا، منقطع الصلة عن الواقع المصري المعيش. ولهذا كانت كلمة: اللامعقول مسيطرة في المداخلة التي استهل بها المؤتمر وهي: الأداء الاقتصادي والطريق إلى الثورة المصرية، التي قدمها الباحث الاقتصادي: أحمد النجار، الذي قدّم صورة مرعبة، مزودة بالأرقام والوثائق، عن دور نظام مبارك في تفكيك الاقتصاد، وفي تحويل مرافق الدولة الاقتصادية إلى «ملكية سائبة»، باعها أزلامه بأسعار زهيدة، كي يراكموا ثروات هائلة، من دون رقيب ولا محاسبة. أعطى الخبير الاقتصادي شهادة على «سلطة غريبة» تقايض حاضر مصر ومستقبلها بمصالحها الخاصة، منتجة تخلّف مصر وفقرها وتبديد ثرواتها وتوسيع البطالة بين الشعب إلى حدود غير مسبوقة.

انطوت مداخلة أحمد النجار على أبعاد ثلاثة: أكدت، من حيث هي مستهل للمؤتمر وبوابته الأولى، أن سبب الثورة اقتصادي، في المرتبة الأولى، يمس قطاعا هائلا من الشعب المصري. ولأنه اقتصادي، في بلد عانى من «التصحر السياسي»، فقد كان الثائرون يعرفون ما لا يريدونه، تاركين للأحزاب السياسية المنتظرة أن تعيد «ترتيب ما لا يعرفونه»، وأن تعطيه صياغات سياسية ملائمة. والسؤال هنا: أين الثقافي في ثورة اقتصادية الأسباب شارك فيها حوالي خمسة عشر مليونا؟ تتوزع الإجابة، والحال هذه، على اتجاهات ثلاثة: اتجاه أول يحيل على السياق والردّ عليه، متحدثا عن التمرد والكفاح من أجل الحرية والكرامة وكسر الخوف ومواجهة السلطة المستبدة بسلطة الحق وبإرادة الإنسان المتحررة. ومع أن هذه القيم، لدى العقل الكُتُبي، كما لدى «المفكرين الصغار»، لا علاقة لها بالثقافة الحقة وبالإبداع الثقافي، فإن في استذكار ثقافة عصر النهضة العربي، الذي عرف الأفغاني ومحمد عبده وعبد الله النديم وغيرهم، ما يؤكد نهضوية قيم الثورة المصرية، وعملها على ترجمة الأفكار النظرية النقدية، بشكل عفوي، إلى ثقافة ممارسة، أو إلى ثقافة لها شكل ممارساتي. ولعل هذا الشكل العملي من الممارسة الثقافية هو الذي يجعل «دعاة الإبداع»، الذين ينطلقون من الكلمات المجرّدة ويقدسونها، عاجزين عن تقديم قراءة صحيحة لثورة الجماهير.

وإلى جانب هذه الإجابة هناك أخرى مجاورة ومختلفة في آن، قدّمها المفكر سمير أمين في كتابه الأخير: «نهضة مصر»، معتمدا كعادته على وحدة المنهج والمعلومات. رأى الاقتصادي الكبير طليعة الثورة المصرية في مجموع نوعي من الشباب المثقف، يقترب من المليون وينتسب، بعامة، إلى الطبقة الوسطى، وله حظ من الثقافة والوعي السياسي، ويتوزع على اتجاهات ليبرالية مستنيرة ويسارية تعرف الفرق بين الاستقلال والتبعية. وإذا كانت هذه المجموعة النوعية من الشباب قد تميزت برؤيا سياسية ـ ثقافية، فإن المجموعة الهائلة التي التحقت بها لاحقا، وتقترب من أربعة عشر مليونا حملت، رغم تمردها، ثقافة تقليدية، هي الثقافة التي أتاحها النظام، الذي اجتهد في تنمية التجهيل بأشكال مختلفة. انطوت مقاربة المفكر سمير أمين على رؤية العلاقة بين الثورة والثقافة النقدية، وعلى العلاقة التي تربط بين «الفقر الثقافي» والثورة المضادة.
يدور الاتجاه الثالث حول «الحيّز السياسي»، الذي قاد إلى الثورة وصدر عنها، ذلك أن في تسييس المجتمع بعدا ثقافيا بامتياز، سواء كانت الثقافة مضمرة أو واضحة، وهو ما أشار إليه الباحث الإسباني: خوسيه ماريا باز، في مداخلته: «الربيع العربي ثورة ثقافية»، مثلما شرحه الاستاذ الجامعي د. محمد عفيفي في ورقة عنوانها: الطريق إلى الربيع العربي- رؤية تاريخية. فقد تحدث الإسباني عن شباب الإنترنت وعن أشكال جديدة من الكتابة الروائية المصرية، نموذجها الأشهر روايات علاء الأسواني، وعن حساسية سياسية جديدة، لم يعد الجيل القديم من المثقفين قادرا على التمتع بها. أمّا د. عفيفي فرصد تحوّلات اللغة السياسية في مصر، معطيا تنظيم «كفاية» أهمية خاصة.

ومع أن الدكتور الاقتصادي أحمد النجار، الباحث الاستراتيجي في مؤسسة الأهرام، اعطى مدخلا مهيبا للحوار والمساءلات، فقد بدا صعبا شرح ثورة اجتماعية هائلة، أقامت فصلا نوعيا بين زمنين، بالعنصر الاقتصادي وحده، وهو لم يقل به الباحث الاقتصادي على أية حال. فقد انطوت ثورة يناير على الثورة وعلى بحث عن طرق إلى الثورة وعلى قضايا موروثة ومستجدة لا تزال تبحث عن حلولها، وهو ما تعرّض له الأستاذ أحمد بهاء الدين شعبان في مداخلته: «حركات الاحتجاج والحركات الاجتماعية الجديدة في مصر والعالم العربي»، مظهرا أن الثورة لا تنهي الصراع بل تجدّده، وأن القوى التي أنجزت الثورة مختلفة الاتجاهات والمشارب، وأن تباطؤ التغيير يفضي إلى ثورة جديدة أكثر حسما وعنفا. ولعل تعددية العناصر التي انتجت الثورة، كما تعقد شاكلها، هو في أساس جملة من المداخلات، كتلك القراءة اللامعة التي قدمها خليل كلفت: «ثورة 25 يناير: سؤال السبب»، حيث السبب موزع على الزمن الراهن وآخر سبقه، مبينا أن على الثورة أن تعيد صياغة الحاضر والماضي معا بعد أن دمر النظامان السابقان الحياة الثقافية والسياسية معا، بما يستدعي أن تكون هذه الثورة مقدمة لثورات لاحقة، وحيث أن على الثورة أن تقوم بثورات لاحقة قبل أن تصبح جديرة بمفهوم الثورة. وكذلك حال كلمة ليلى سويف: الطريق إلى 25 يناير 2011، التي تعني أن الثورة لا تنفصل عن الجهود التي سبقتها، وأن الطريق مسافة واضحة الاتجاه أو مليئة بالغموض والعثرات. وهذه العثرات، القريبة والبعيدة، هي التي حملت نبيل عبد الفتاح، الديمقراطي المتسق، على الربط بين الاستبداد وانتهاك الدستور، أو تحويله إلى متاع رخيص يفعل به «الرئيس» ما يشاء. ولهذا رصدت دراسته الجيدة التوثيق: «أزمة الثقافة الدستورية في مصر»، مقادير انتهاك الدستور، منذ الفترة الناصرية حتى اليوم.

2. في تعددية وجوه الثورة:

كان الروسي باختين قد رأى في الكرنفال الشعبي وجها من وجوه المدينة الفاضلة، إذ الكرنفال جمع من الأجساد الشعبية المرنة المتحركة المنسابة بمرونة وجمال، تعبيرا عن مرونة وجمال الحياة اليومية. ليست الثورة الشعبية، مصرية كانت أو غير مصرية، إلا المشهد الملون الشاسع، الذي تصنعه أجساد الجموع وأصواتهم وهتافاتهم وأغانيهم وملصقاتهم وراياتهم. لا غرابة أن تمس المعالجات النظرية، في المؤتمر، هذه الوجوه المختلفة الأبعاد والألوان. كان يتحدث الصحفي والروائي المصري وحيد الطويلة عن «الثورة بالفصحى»، مستعيدا فضاء الثورة التونسية حيث للثورة مفرداتها، وحيث المفردات لا تبدو جاهزة، إنما يصنعها الحدث الثوري، الذي يستدعي كلمة: الإبداع بأشكال متنوعة. وتقدم اللبناني كريم مروة، المحتفظ بشباب ذهني وهو الذي جاوز الثمانين، بمداخلة عنوانها: طرائق الإبداع في البحث عن مستقبل بلداننا، مستلهما من بعيد قول بول إيلوار الشعري: الثورة أعلى أشكال الإبداع.

ولأن الثورة هي الإبداع في شكله الأرقى، اتخذ إثنا عشر متحدثا من الإبداع موضوعا لهم، أكان ذلك في شكلة الشفهي أم في شكله المكتوب. تحدثت إليان يورسولا عن: الكاريكاتير وثورة 25 يناير، إذ الكاريكاتير تعليق سياسي وخطاب تحريضي وهجاء لإعلام سلطوي بليد، أدمن لغة من حطب، وأدمن أكثر طرد الحقائق والاحتفاء بالأكاذيب. ليس الكاريكتير إلا العفوية الشعبية الساخرة، التي تستولد المعنى من العبث بالأبعاد والأحجام المسوّرة بالهيبة. وإضافة إلى هذا تحدث الأستاذ الجامعي د.كمال مغيث عن «دلالة هتافات وكتابات الصورة المصرية»، تلك الهتافات والكتابات التي كان الكفاح الجماهيري المتصاعد يعيد صياغتها ويحوّلها إلى تصريح سياسي شعبي جماعي، كما لو كان الشعب الثائر يؤسس لسياسة إعلامية خاصة به. هتافات يصوغها ثائرون بسطاء لا سلطة لهم تسقط إعلام السلطة تمهيدا لإسقاط سلطة احتكرت لذاتها التصفيق وصناعة الهتافات.

أشرف الشاعر الشعبي المبدع سيد حجاب على جلسة: «شهادات وإبداعات الثورة»، حيث للتصوير دوره، الذي يعتمد على «المونتاج» وينفذ إلى جوهر الحياة واندفاعات وأحاسيس المتظاهرين، وحيث للرسم اجتهاداته المختلفة الموزعة على الحداثة وما بعد الحداثة، وعلى اللون والضوء والمساحات المختلفة، وعلى إشارات تنصر الإبداع الفني والثورة معا، أو تنصر الإبداع لأنها تنصر الثورة وتريد أن تنتصر بها.

3. وبعض الأسئلة أيضا:

من أين تأتي الثورة؟ تأتي من انتصار الإنسان المنتهك لكرامته، ومن اكتشاف المقهور لقوته، ومن قتل الخوف الذي يقتل معه عادات يباركها المستبدون. وتأتي ثقافة الثورة من مراجع مرئية وغير مرئية: من ثقافة ثورات سبقت تحتاج إلى تعديل وقراءة جديدة، وهو ما ألمح إليه حسن حنفي، ومن ثقافات فرعية وطنية لا تعترف بها سلطات لا تعترف إلا بأجهزتها القمعية، وتأتي من خطاب النهضة العربية الذي سارعت إلى وأد «دولة الاستقلال الوطني»... ولعل تعددية مراجع «الثقافة الثورية» هو الذي فرض أوراقا نظرية (على مبروك) ومعاينات يومية (بسمة الحسيني ووحيد الطويلة) وشهادات فردية وجماعية (حسن طلب، وحجاج أدول)، ... غير أن تعددية المداخلات لن تجيب على الأسئلة جميعا، ذلك أن ثقافة الثورة ، كما لغتها، سيرورة تنشئها الثورة، فلا وجود لثورة تستعير إبداعها من مكان آخر، ولا من زمن غير المستقبل الذي تسير إليه. مع ذلك فإن ثقافة الثورة، في شكلها الأكثر وضوحا، تتأتى من الفضاء السياسي الذي جاءت به، حيث البشر يتعلمون الكلام والحوار والاختلاف والاعتراف المتبادل، بعيدا عن المدرسة التقليدية والنظام الأبوي، وتلك العين الرقيبة التي تخترع الصواب والخطأ. وهذه الحرية الواسعة هي التي حوّلت الجدران إلى صحف يومية (مداخلة كمال مغيث)، واستولدت لغة سياسية مقتصدة قوامها الشعارات، ... إنه تحوّل الذرات البشرية المذعورة إلى جمهور فاعل يقف على عتبة الديمقراطية، ويعبر عتبة السياسة إلى الحداثة والديمقراطية معا.

في الكلمة الافتتاحية ألمح وزير الثقافة د. شاكر عبد الحميد إلى دور الثقافة في حماية الثورة بأدوات تشتق من الثورة ولا تضاف إليها، بعيدا عن «الثقافة الطقوسية»، بلغة فالتر بنيامين، التي تعطف الثقافة على «النخبة» وترمي بالعوام وثقافتهم بعيدا. كما تحدث الأمين العالم للمجلس الثقافي د. سعيد توفيق عن أفق الثقافة والثورة بلغة نظرية تستلهم القيم التحررية والكونية. انطوى الكلام، في شكليه، على لغة تفصح عن «زمن جديد»، تتصادى فيه كلمات التحرر والتمرد، ويرى الواقع المعيش، في حركته الذاهبة إلى الأمام.

كان في الحضور، منذ الافتتاح، ما يصرّح بأن شيئا ضاع وانقلب، بدءا بملصق يتوسد المنصة، منسوج من لون أحمر وأعلام مصرية وحشود ناظرة إلى السماء، مرورا بمثقفين يصفقون لثورة قائمة وأخرى لاحقة، حال السينمائي العجوز توفيق صالح، الذي لا يزال ينتظر من خمسين عاما دربا جديدا يهزم «درب المهابيل»، والناقد حسين حمودة والروائية مي التلمساني، والروائي منتصر القفاش.

والقاهرة في مكانها تتنفس وتنتظر، والذين جابوا شوارعها، بهتافاتهم المدوية، ينتظرون تحقق أحلامهم، والذين آثروا الركود لهم ما ينتظرونه، وهواء القاهرة لم يستقر بعد على ما كان قد استقر عليه منذ عقود. وتبقى الحشود وأطياف الرغيف والمساجد القديمة، ويبقى ذلك المصري العالي الكرامة، الذي إذا أُلقيت عليه التحية قال: «روح يا شيخ الله يسعدك في الدنيا والآخرة»!!

إن كان المثقفون السلطويون يسوقون بضاعة كلامية، تُقصي الإنسان عن جوهره، فإن ثقافة الثورة توحد الإنسان المنقسم، وتعلم الطفل الملقى في العراء مبادئ المساواة.

التعليقات