نساء حماس" بين معليا والناصرة../ ميساء إرشيد

أم محمد لا تبكي ولا تتأوه، ولا تصرخ في الفيلم إلا ولاء للحركة وقائدها أو أمام الأمهات. أليست هي من ترسل أبناءها للموت مع قبلة

نساء حماس

 فيلم نساء حماس للمخرجة الفلسطينية سهى عراف، يتبع 4 نساء غزاويات، ويجتهد بشدة ليعكس بعضا من واقع مركب يشبه حياة غزة مليئة التفاصيل، وشباكنا الصغير الذي نطل منه على غزة ونسائها، فتقوم سهى ابنة معليا، عن طريق "السكايب" – أي السماء، إذ يتناسب مع غزة المحاصرة بحرا وبرا وجوا - بتصوير فيلم وإخراجه عن بعد بواسطة ازدهار الغزية، ابنة ال-28 عام العزباء، والتي تطمح لإنهاء الدكتوراه، حيث تتقصى الحقائق عن 4 قياديات أو إن صحّ القول ناشطات حمساويات من شأنهن للوهلة الأولى أن يعكسن لنا بـ50 دقيقه، قًصّتها وقطًّعتها المخرجة في معليا، مقتطفات لنركب نحن البازل في الناصرة.

طريق هذا الفيلم للانكشاف على قصص النساء الفلسطينيات أي أجزاءنا المنتشرة في كل صوب وحدب تشبه واقعنا المتشرذم بالعموم.

من ترى الفيلم، من صاحبات النوايا غير الاستشراقية، تعي سريعا ثنائية الظاهر والباطن، فهناك ما هو مسموح قوله أمام الكاميرا، مثل موتو الصمود والقوة والتضحية والاستشهاد في سبيل الوطن، وهناك ما يلزم بـ"أطفئ الكاميرا" لتتمكن المرأه القيادية الحمساوية من العودة إلى ذاتها البسيطة جدا، وممارسة طقوس النعي لمن فقدتهم في الحروب أو تحت الأنقاض أو تتنفس الصعداء بشهيق وزفير يفرغ جسدها المنهك من براثين الاحتلال والاستعمار والحرب. فممنوعة هي من البكاء أو تفجير أية مشاعر علنية، وهل رأيتن مثلا خالد مشعل يبكي علانية أو مارجريت تاتشر؟ فكيف لنا أن نتوقع من أم محمد ان تقوم بذالك؟ أليست هي المرأة "نمبر وان" في حماس!

ما ورثناه من ذكورية العالم المفرطة يقتضي أن لا مكان للمشاعر أثناء الحرب، إلا عند الممرضات ومسعفات الجرحي. أم محمد لا تبكي ولا تتأوه، ولا تصرخ في الفيلم إلا ولاء للحركة وقائدها أو أمام الأمهات. أليست هي من ترسل أبناءها للموت مع قبلة.

يعود الفيلم ويؤجج أزمتنا حول صفة القائدة المرتكزة على تجريدها من كينونتها البشرية وتعتمد قمع الإحساس والشعور المصنف كخامل أو حزين وتجاهله كمصدر قوة ومعرفة وتطور. والأسوأ جعله نقيضا لمشاعر الغضب والحقد والتهديد التي تلاقي الكثير من الحماسة بين السياسياتين.

إذا نرى أن أم لؤي، والتي تحاول جاهدة أن تستأنف على حالة القمع المشاعري التي تمارس ضدها، صنفت "مرأة فقيرة"، وتسكن المخيم ولم نرها تعتلي المنصات أو تخطب في النساء. وفي مشهد متكرر فشلت في تقمص دور القيادية الجسور أمام خليلاتها من القيادات، ولجأت للصمت بعد أن لفظها الحيز السياسي لنساء حماس، ولم يستوعب مشاعرها "الخاملة"، وعلى الأغلب فشلت بذالك بتأدية دورها الوظيفي ضمن سياسة نساء الحركة.

لوهلة تملكني الشعور أن الوجه الحقيقي لنساء حماس هو كل ما لا أراه في الفيلم، فكيف لهذا "البازل" أن يكتمل!

ما يميز الفيلم هو الدمج بين النساء والإسلام والسياسة في ظل نضال تحرري من الاستعمار، ومنه فقط وهنا ضعفه. الأمومة والرحم الوطني واللباس والحجاب والقيادة الثانوية وتحديد الملامح الوظيفية لأم الشهيد والمناصب الوظيفية للنساء في الحركة كمشاركات في تجهيز الأرض للقتال، وأبدا لسن كمشاركات في أرض المعركة، كلها تبرز وبقوة في مشاهد الفيلم تناسبا مع التركيبة الاجتماعية والسياسات الهرمية.

يبقى ملحا السؤال لماذا لا تقم نساء حماس، من هن في سن الأمان، حيث لا يصلحن للإنجاب، بالقتال/ الاستشهاد بأنفسهن عوضا عن إرسال أبنائهن للموت أو حتى يقاتلن معهم جنبا إلى جنب؟

أيعقل أنه لا ذكر لتوأم الحرب والجنس في فيلم يدور حول نساء يشققن الطريق إلى القمة فيظل حربا وهيمنة ذكورية؟

غياب مثل هذه النقاط من الفيلم يؤكد أن ما لا نراه في الفيلم هو دليل آخر على عالم بأكمله لم نستسق منه إلا القليل في هذا العمل الوثائفي المهم.

للنهاية، الفيلم يعكس وبقوة أزمة غياب المشروع النسوي النقدي من حركات التحرر، وبين إذا كانت دينية أو أخرى، فان النساء في حماس كما في الحركات الأخرى وحيدات ومنبوذات في حيز يرفضهن كما هن، ولا يقبلهن إلا مطيعات منصاعات لقوانين القوة والسيطرة التي تقوم عليهاالمنظومة السياسية ذات المركزية القضيبية، وذالك بالشكل الذي نعرفه في الناصرة كما غزة.
 

التعليقات