31/10/2010 - 11:02

الشاعر محمد حلمي الريشة: أمشي وأجعل قصيدتي أمامي

-

الشاعر محمد حلمي الريشة: أمشي وأجعل قصيدتي أمامي
يبتعد الشاعر الفلسطيني محمد حلمي الريشة عن النمط المباشر في التعاطي مع القصيدة، ويبحر بمفرداته التي تختزل الحياة والنص معاً، داخل أعماق الطبقة الثانية من المعنى المشغول بالأنثى.

وبحسب الناقد د. خليل إبراهيم حسونة، فإن الشاعر الريشة يملك لغة تمزج بين الحلم والواقع، من دون أن يكون محايداً، وهو يرسم مطحنة الواقع داخل العلاقات البشرية.

صدرت للشاعر للريشة أحد عشر مجموعة شعرية: الخيل والأنثى (1980)؛ حالات في اتساع الروح (1992)؛ الوميض الأخير بعد التقاط الصورة (1994)؛ أنتِ وأنا والأبيض السيء الذكر (1995)؛ ثلاثية القلق 86-90 (1995)؛ لظلالها الأشجار ترفع شمسها (1996)؛ كلام مرايا على شرفتين (1997)؛ كتاب المنادَى (1998)؛ خلف قميص نافر (1999)؛ هاوياتٌ مخصَّبة (2003)؛ أطلس الغبار (2004).

حول تجربته الشعرية، وخطابية القصيدة الفلسطينية، ومسائل أخرى، التقيت الشاعر محمد حلمي الريشة على هامش زيارة له لعمان وكان هذا الحوار :

- هل لك أن تحدثنا عن تجربتك الشعرية ؟

"بداية لا أعتبر نفسي صاحب مشروع شعري خاص، على رغم أنني أحاول الإشارة الدائمة إلى أن نصي ليس أكثر من كونه شعراً بكل ما تعنيه هذه الكلمة من مدلولات وفضاءات غامضة، وكما يعتبره الشاعر (أوكتافيو باث) بأنه "قفزة في المجهول وإلا فهو لا شيء". لهذا لم أتحدث كثيراً عن تجربتي الشعرية، وأكتفي أن يكتبني الشعر لدرجة تشعرني بأن الشاعر فيّ هو القصيدة نفسها، وهنا فإنني أعتبر الناقد أحق بالكتابة عن تجربتي وتجربة أي شاعر آخر. المهم أن ما يعنيني هو أن أمشي وأجعل قصيدتي أمامي."

- كيف تفسر أنّ الشعر يكتبك؟ وهل يصح باعتقادك أن يكون الشاعر مجرد حاضنة؟

"إن أي عمل إبداعي (والشعر كما أرى هو الأهم) يتفاعل في منطقة اللاوعي في الشاعر، إذ أنّ لحظات الوعي أثناء الكتابة تتعلق بالمحسوس الكتابي وأدواته؛ بمعنى أنّ اللاوعي هو الذي يكتب النص الشعري، أما الوعي فلا يعدو كونه منبهاً خاصاً للورقة والقلم. من هنا فأنا أعتبر الشاعر حاضنة، أو وسيطا، هذا إن لم تكن القصيدة نفسها كذلك.

"أقول هذا لأن الكثير من الشعراء (وهذا رأي جدلي) يذبحون قصائدهم بوعي يكاد يكون مقصوداً لإظهار رغبة الشاعر لا الشعر؛ بما يعني أن هناك نصوصاً تكتب بتعمّد، أو بوعي، للوصول إلى المتلقي، وما يهمني هو كيف أرى نصي الشعري بعد صحوتي من غيبوبتي اللذيذة، وأعتقد أن دور الوعي بعد الانتهاء مجرد دور شكلي، وليس تشكيلياً، لأن التشكيل جزءٌ أساس أثناء الكتابة وليس بعدها."

- من يقرأ قصائدك يجد أنك تنحو بها منحى سياسياً، فكيف توفق ما بين الوعي واللاوعي هنا؟

"لا .. لا مطلقاً، يبدو أنك كنت عابر شعر/ ي بافتراض أن كل شعر فلسطيني هو شعر سياسي كما علمنا وقرأنا. أنا لا أكتب القصيدة السياسية، أنا أكتب القصيدة، لأنني لا أومن بإضافة أية كلمة أخرى تلي كلمة قصيدة أو كلمة شعر، وأنا إلى الآن لا أفهم كيف يمكن أن نسمي قصيدة سياسية أو اجتماعية. ليس معنى هذا أن المواضيع السياسية مجرد مواد أو طروحات لا تقبل الشعر، ولكن ما نراه هو أن النص الشعري الذي يعرّف نفسه باتجاه معين يكتسب صفة هذا الشيء، وبالتالي فإن الوعي يحدد كثيراً من كمية الشعرية في النص.

"ما أكتبه وأكون أداةً فيه، فقط، هو الموضوع الذي يسيطر على نفسي بإلحاح. ما استشفه من سؤالك هو الافتراض العام والمؤلم أنّ كل شاعر فلسطيني هو شاعر سياسي بالضرورة، وأن أية قصيدة يكتبها هذا الشاعر هي قصيدة مقاومة، والتي أعتقد أن المسمى الحقيقي لها هو (قصيدة الضرورة)، تلك القصيدة التي تفقد الكثير من شعريتها بدعوى الموضوع والتوصيل والفهم.

"من يطلع على نصوصي الشعرية عن طريق إزالة كمٍّ الأغلفة الشفيقة سيجد أن قصيدة الحدث غير ظاهرة بشكل واضح، بمعنى أن مواضيعي التي أجدها -بعد أن انتهي من أي نص شعري- هي مواضيع تجريبية؛ لأنني اعتقد أن الشاعر ليس عين كاميرا فقط. صحيح أنني أتأثر بأحداث سياسية فينا وفي وطننا العربي مثلاً، لكنني لست كاتب قصيدة عابرة، وإلا سيكون الشاعر فيّ صحافياً لا شاعراً.

"وأضيف هنا أنه وفي مجموعتي الجديدة "أطلس الغبار"، لم يكن التعبير عن الحدث بحجمه كما في قصيدة "الانتفاضة" التي كتبتها بكلمات قليلة، وبرأيي فإن ما يسمى بقصيدة الحدث، هي قصيدة فجة، أو بيانية، أو إخبارية، فلا بد أولاً من الوصول إلى مرحلة استيعاب الحدث، وتأمّله، وكتابته بطريقة شعرية بعد إلحاحٍ مهما عظم، لأن هناك أحداثاً أكبر من أن تحتوى في نص شعري."

- ولكن هناك شعراء كبار كتبوا في الحدث من دون أن يسقطوا في فخ الحدث .. ماذا تقول في هذا؟

"هؤلاء الذين تتحدث عنهم، بعضهم لم يضمّن تلك القصائد في مجموعات شعرية بسبب غياب الشعر مقابل الحدث، وباعتقادي فإن القصائد الانفعالية لا ديمومة لها."

- ولكن، لماذا يكون نصك طويلاً عندما تتحدث عن لذة حسية أو عن المرأة تحديداً ؟

"إن ما أكتبه يجب أن ينمو داخل تجربة عشتها وعاشتني، ضممتها وضمتني، شاجرتها وشاجرتني. كل هذه الأمور في عراك مع التجربة، تماماً كما يوجد ألم في اللذة. لا يمكن قياس نص شعري طبقاً للحدث أو اللذة الحية أو المرأة تحديداً كما تقول- المهم عندي أن يتم إشباع الكتابة أو النص الشعري ما أمكن."

- تكتب ولا تحب أن تقرأ ما تكتب! لماذا لا تشارك في المهرجانات؟ هل مات المنبر؟ أم أنك فقدت الاتصال الحقيقي مع المتلقي؟

" لا أرفض فكرة المهرجانات الشعرية بعمومها، ولكن أطبّق هذا الرفض على نفسي، ذلك أن نصي الشعري هو نص قراءة وليس نص إلقاء. إن إدراك اللحظة الشعرية من جانب المتلقي تتطلب نصاً مغايراً يكون على حساب الشعرية في القصيدة، لدرجة أن هناك شعراء يكتبون قصائدهم بمواصفات مهرجان، وهذه قصائد قليلة الحرارة، سريعة الانطفاء بزوال الحدث."

(حاوره : زياد العناني)

التعليقات