05/02/2011 - 00:36

الثورة الشعبية في تونس...بداية عصر النهضة العربية؟/ د.فؤاد خطيب

الثورة الشعبية في تونس...الثورة الشعبية في تونس، بداية عصر "الرينيسانس" العربي؟

الثورة الشعبية في تونس...بداية عصر النهضة العربية؟/ د.فؤاد خطيب

في كل عام  يحتفل  الفرنسيون بذكرى سقوط سجن الباستيل  على المستويين  الرسمي والشعبي، ألأمر الذي يرمزُ  الى بداية الثورة الفرنسية  الكبرى التي طالبت  لأول مرة بالتاريخ  بحرية الشعوب والتي قضت على الاقطاع وخلقت  المجتمع المدني الشامل  بعد أن  فصلت الدين عن الدولة. يقال  إنّ الثوار عندما اقتحموا الباستيل، ذاك السجن الرهيب الذي  جَسّد ظلمَ الملكية المطلقة وفساد المؤسسة الكهنوتية اللاهوتية هناك، لم يجدوا  فيه الا ستة من السجناء السياسيين. كانت ثورة جبارة دفعَ  شعب فرنسا ثمنها دماً بسقوط أكثر من 6 ملايين من أبنانها  أي ثلث ألأمة الفرنسية آنذاك. أوصلت فرنسا ومعها أوروبا  كلها  الى بداية عهد جديد. أين الشعوب العربية من رياح التغيير وأنظمتها  الفاسدة التي حولت الوطن العربي كله الى  باستيل  كبير؟؟ " . كتبنا  هذه المقالة اثر المرارة  والهوان  وانحسار بل غياب الحس الثوري للجماهير العربية  بعد " ألردة الساداتية  " التي  قضت  نهائياً على مكاسب  ثورة 22 يوليو في  مصر. أعادت  تلك الردة ألخيانية الفريدة من نوعها في التاريخ  ألأمة الى الحضيض السياسي  والاجتماعي والاقتصادي والقومي  بعد أن قتلت فيها روح المقاومة والكرامة  ووضعتها تحت رحمة الصهيونية و الاستعمار الجديد الذي  قضي أو كاد يقضي على روحها الوجودية والثقافية  ووضع كل مكتسباتها  في مذر الريح . خسرت الأمة  صراعها  الثقافي والحضاري وأصبحت  لقمة سائغة للغرب  الاستعماري  الذي ما انفك حتى هذه اللحظات يدقُ المسمار تلو ألأخر في نعش ألأمة العربية لشلها  نهائياً وجعلها عاجزة مُجردة من الكرامة القومية والوطنية ولقمة سائغة للعولمة المتوحشة التي ترى بها أرقاما  اقتصادية متصاعدة تعيسة تعيش على فتات الغير . لقد  ظهر هذا الهوان العربي وتجلى بعد سقوط الاتحاد السوفياتي  والمنظومة الاشتراكية التي كانت درعاً للشعوب المغلوب على أمرها في العالم الثالث حينذاك  وفي المنطقة العربية بصورة خاصة .

صَمتت الشعوب العربية صمت الخراف عندما  حُوصرت بيروت وطُردت المقاومة الفلسطينية منها الى تونس وتململت عندما  ضُربت  بغداد  مهد الحضارة العربية  والعالمية على مد العصور التاريخية المختلفة . احتَجت ونزلت الى بعض الشوارع عندما ضُُرب لبنان عام2006  بهدف القضاء على  بقايا روح المقاومة العربية  وخَرجت بالافها المؤلفة الى الشوارع  عندما حُوصرت غزة وضُربت  وقُصفت ببشاعة منقطعة النظير أمام بصرالعالم وضميرة الغائب أبدا. احتجاجاتها  ورفضها لم يكن  على مستوى تلك الأحداث العربية المصيرية التي  أودت بالأمة الى هوان ما بعده هوان. رغم كل هذا فشل  الغرب الاستعماري  في القضاء على روح المقاومة  وفشل  في تمرير مُخططه الجديد  القديم في خلق شرق  أوسط -  شرق عربي جديد عاجز عن المقاومة وحتى على مجرد  البقاء بعد   تجزئته  وسرقة ما تبقى فيه من كرامة ومن ثروات. لكنه نفس الغرب وأمريكا بالتحديد ساهم ومازالت يساهم  في ابقاء  أنظمة الذل الذي باعت القضايا العربية وخاصة قضية فلسطين بثمن  بخس  والتي  سَلطت  سيوفها  الرجعية العميلة على رقاب المواطن العربي  العادي في كل مكان  بعد أن سَلبته حُريتة ولقمة عيشة  وأمنه الوجودي والغذائي  وكسرت روحة  ألنَهضوية  الثورية التي تعيشها أمم  وشعوب مماثلة في العالم الكبير." الرينيسانس "   أي البعث  أو الميلاد الجديد  هو عصر النهضة ألأوروبية وهو الفترة الزمنية ما بين القرن الرابع عشر والثامن عشر. باختصار شديد  هي فترة ازدهار الثقافة  ألاوروبية  وعودة الروح لشعوب القارة  الباردة التي غرقت  في  وحول العصور الوسطى. كانت بها فريسة مُتهالكة للحكم الملكي المُطلق واللاهوتية الكنسية الرجعية  التي  سرقت  حتى أحلام الناس هناك وأبقتهم عرضة لمحاكم التفتيش ولبطش الكرادلة والقساوسة . تجلت عودة الروح هناك بداية  بالثقافة  والفنون  ونقصد الرسم والشعر والأدب الذي خرج من أروقة العصور الوسطى المظلمة  ومن أقبية القصور والكنائس الى الناس في الشوارع  الذين هم كانوا ومازالوا في أية مكان وزمان  سر وأصل وسبب الوجود . على سبيل الحصر نذكر أهم رموز تلك الحقبة  وخاصة في ايطاليا التي كانت مركز أوروبا السياسي والثقافي والديني المسيحي  لوجود الفاتيكان والبابا ، الأمر الذي أوجد الرسامين والكتاب والشعراء  الذين بحثوا عن سبل العيش في أروقة الكنيسة الغنية   التي سرقت قوت الناس الغلابة على مر العصور. زينوا قباب  الكنائس والأديرة  والقصور ومجدوا حاضرها  ووجودها . نذكر-  جوتو دي بروندي – الذي خلق" الفريسكا "لاول مرة  أي  الرسم على الحائط بينما لايزال الجصّ او المَلاط طرياً طازجاً وحياً مُتحولا ومُتميزاً عن لوحات ألفسيفساء على النمط الاغريقي القديم التي زَينت بها الكنائس حيطانها   صورها  وأيقوناتها  البعيدة عن الواقع المعاش و عن صورة ألانسان ثلاثي ألأبعاد الحيّ المتألم  في شوارع  روما وفلورنسا وبولونيا.

نذكر في هذه العجالة أيضا  " دانتي اليجييري " الشاعر ألايطالى الفذ الذي كتب  "الكوميديا ألالهية"  التي مازالت الى يومنا هذا تترجم وتقرأ  وتُعد بحق  من عيون ألأدب العالمي على  مر العصور. الأمر الذي ساهم مع غيرة من الابداعات الأدبية والفلسفية في اخراج أوروبا من ظلمات العصور الوسطى  الى النور. تحدي   بها  دانتي  ألفكر اللاهوتي الكنسي  في صوت مَهول من التفاصيل المُتعمقة المُتربصة بالانفعال الشعري عندما  وصف هذا  الشاعر الفيلسوف فيها  بعبقرية فريدة  ما زالت تحير القراء والنقاذ الى اليوم، نزوله الى الجحيم  ثم اختراقه " المَطّهر "  صعوداً  الى الفردوس. هذا  الأمر بحد ذاته  أوجد  للفرد البشري  هناك  ذاته الانسانية  وحرية فكره في وجوده ومن ثم حقه في تفسير  هذا الوجود وبناء  قالباً  جديداً متجدداً فلسفياً وأدبيا وعلمياً  تهافت علية الفلاسفة والكتاب والشعراء وخلقوا عصر النهضة هناك والذي مازالت  تنعم به شعوب أوروبا الى يومنا هذا. اذاً  بداية  عصر النهضة في أوروبا أوجد عودة  الروح والوعي  للناس  هناك  ومَهدت لهم طريق المستقبل الجميل الكريم الأمن الذي يعيشونه ألأن هناك. طالما حاورت نفسي وحاورت الأخرين مقارناً  وجودنا التاريخي  وأهميتنا الحضارية  التي أسهمت  كثيرا في الحضارة ألانسانية التي تعيشها الدنيا في كل مكان . لكنني  كُنت  كغيري  من ملايين العرب ألأحرار ننتظرُ دانتي العربي وننتظرُ  " كوميديا الهية " عبقرية تضعنا على بداية  طريق المليون خطوة نحتاجها ويحتاجها ألانسان العربي  في طريق  صعوده  من  جحيم العصور الوسطى العربية الذي مازال حاضراً الى عصر الحرية والانبعاث الحضاري من  جديد ، بعد أن توقف هذا الانبعاث منذ  أن خرج  العرب من فردوسهم المفقود  في ألأندلس في  نهاية القرن الخامس عشر الميلادي . انتكسنا  بعد الخروج من  تلك "الجنة " وتوقف العقل العربي عن   الابداع والانتاج  وأصبحنا  ندور في فلك ألأصولية التكفيرية والأنظمة  التوليتارية،  بعد أن   غَيبت  حقيقة وجودنا الحضارية الخلافة العثمانية ومن بعدها  الاستعمار الغربي  قرون خمسة كانت قاحلة وجرداء  لم ينبت بها  زرع  جديد  في دنيا العرب ولا عقل  عربي جديد موازياً  لدانتي ولغيرة من عباقرة الغرب ولا  حتى مجرد  ادراك حقيقي  لوعينا المفقود الذي تاه في أبعاد الجحيم.

كنت مؤمناً ومازلت أن الشعوب هي التي تصنع  تاريخها  وليس التاريخ من يصنع الشعوب. تاريخنا شابه  لحد كبير  تاريخ ألأمم الأوروبية اذا نظرنا الى ألأمر من بعيد وبصورة عامة مُكبرة على مد العصور والقرون . كنا قبائل  في الصحراء من أوس  و خزرج  ومن عدنان وقحطان  وغسان  وكانوا  أقواما من القوط والفايكنج والفندال . وحدتنا عقيدة وحدانية خلقت أفقاً لتكوين أمة بدل من قبائل متجانسة ومتباعدة.  وحدتهم  عقيدة ايمان متشابهة أصلها من صميم شرقنا مكونة لهم دولا وقوميات .عندما اشتد ساعدهم غزو ارض العرب وارض المسيح عليه السلام .  كان لنا أندلسنا وكان لهم  أندلسهم  في  روما وبلاد الاغريق القدماء . داهمتنا  سلطة الفرد المطلقة  بعد أن خرج الحكم العربي من  شرنقة الشورى في  مكة الى دمشق    وغرقنا  في  ظلمة العصور ، وكان لهم عصورهم  الوسطى والملكية المطلقة ومحاكم التفتيش.

كان لهم عصر نهضة  ونحن  مازلنا نغرق  في وحل العصور.

جاءهم  قبس  ثورتهم  من كومونة  باريس  ومن الثورة الفرنسية ومن ثورة اكتوبر الاشتراكية ألاولى بالتاريخ وجاء الان قبس ثورثنا من  تونس الخضراء بلد هنيبال فاتح روما وابن خلدون وأبي القاسم ألشابي ومن أم القرى العربية الجديدة سيدي أبو زيد . خلقوا واقعهم الجديد  قبل  قرون  وها نحن  نبدأ بخلق  وقعنا الجديد ألان  في بداية القرن الواحد والعشرين  ونعود الى ادراك وعينا  قبل أن يفوتنا  قطار الزمان في محطته الأخيرة.

هم أبدعوا في صنع الثورة في فرنسا وروسيا   وهانحن  نبدعُ  في خلق  ثورة  من نوع  جديد  طال انتظارها  في تونس. أوجد الثورة الفرنسية  قادتها المبدعون امثال فولتير وجان جاك روسو ومونتسكيو .  خلق  ظروف ثورة  اكتوبر الاشتراكية ايضا  كتاب ومبدعون أمثال  توليستوي وماياكوفسكي وغوركي  وقادها لينين وستالين وتروتسكي و بليخانوف.

من اوجد  وحقق الثورة  التونسية- العربية  الوليدة  الشرعية  للشعب التونسي البطل  هم أحرار تونس  من الشباب والعمال والفلاحين  والحرفيين  والمثقفين  الوطنيين واتحادات العمال  والنساء والرجال على حد سواء. قبس هذه الثورة سينطلق الى الجوار العربي  والى كل الأحرار العرب الذين  انتظروه  وطال انتظارهم من المحيط  الى الخليج .هاهو  قاب قوسين أو اقرب من الأهرام من ابي الهول  ومن عبد الناصر ومن سعد  زغلول واحمد  عرابي. نعم انه اليوم  وفي هذه الساعة على مشارف مصر أم  العروبة " وأم الدنيا "  التي كانت دائما سباقة عبر تاريخنا العربي الطويل  في  حشد الثورة العربية والقوة العربية والسر العربي من أجل  البقاء  بكرامة عالية في هذا العالم المُستعر وفي  دحر الغزاة  من كل حدب وصوب  عبر العصور. القبس كان  من تونس ولكن نار الثورة  العربية الشاملة  ستنطلق من حارات القاهرة ومن شواطئ ألاسكندرية ومن  قناة السويس المصرية العربية الى قنوات وعروق العالم العربي  البعيدة والقريبة.

نكتب هذا   ونتحسس وجودنا  حولنا أمامنا وورائنا. هل  نحسُ ونرى الحقيقة  عارية وماثلة  للعيان أم أننا  ندور في متاهات  الفكر وشطحات الأدب وأضغاث ألأحلام والكوابيس التي  مررت  وجودنا  قروناً  طوال.

لا يسعنا الا أن نذكر هنا في هذا المقال بأن بان ألأصولية المُتعصبة كانت  أحد أسباب هواننا وضياعنا ردحاً طويلاً  من الزمن وقد كتبنا عن ذاك ألأمر الكثير . مقولة" ألاسلام  هو  الحل "  أصبحت  أداة طيعة يستغلها الاستعمار الجديد والصهيونية والقوى الرجعية بكل صورها لتفريقنا وتمزيقنا كما هو حاصل في العراق ولبنان وكما يُخطط له في أوكار المخابرات الغربية أن يحدث في مصر  . نحن امة عربية واحدة متعددة الأهواء  والألوان والأديان  تُربطنا  لغة واحدة  من أجمل لغات البشر ومصير واحدة وشيم وأخلاق عربية واعية وسامية وتاريخ عربي  واحد  وحضارة عربية –اسلامية واحدة   بغض النظر عن   العقيدة الدينية لكل واحد منا .  فصل الدين  عن  الدولة  هو الأساس الأول  والصريح والضروري  لخلق  معادلة الثورة كاملة ونقصد ثورة المفاهيم كلها  وليس ثورة الحكم . ثورة المفاهيم  تنقلنا بسرعة من  عصورنا المتخلقة على أجنحة حضارة  عربية  راسخة الى عصرنا هذا  . هذا العصر التقني  الرهيب  الذي اوجد ثورة  المعلومات والثورة التقنية الذكية الرهيبة والثورة الوراثية التي لابد لنا من  السيطرة عليها كلها  كما فعلت  الشعوب الأخرى مثلا في الصين والهند والبرازيل  التي  أصبحت بقدراتها الاقتصادية والعلمية وحتى العسكرية تحشر الوحش الاستعماري في عقر داره  وتخلق مستقبلا  أمنا وقابلا للبقاء والتطور في  هذا المنعطف الخطير من تاريخ العالم.

التعليقات