08/04/2011 - 12:18

"واخلع تاريخك إنّك في الواد المدنّس"/ أنوار سرحان

"واخلع تاريخك إنّك في الواد المدنّس"، إنّه النصّ غير الصّريح للقوانين العنصريّة المتصاعدة في تطرّفها ضدّنا نحن الفلسطينيين الباقين على أرضنا المحتلة عام 1948، والتي تُوّجت أخيراً بقانون النكبة وما رافقه من إقرارٍ لقوانين أبسطُ معانيها السعيُ الحثيث لاغتيال الذاكرة رعباً من الحقيقة الزاعقة في الأعماق.

"واخلع تاريخك إنّك في الواد المدنّس"، إنّه النصّ غير الصّريح للقوانين العنصريّة المتصاعدة في تطرّفها ضدّنا نحن الفلسطينيين الباقين على أرضنا المحتلة عام 1948، والتي تُوّجت أخيراً بقانون النكبة وما رافقه من إقرارٍ لقوانين أبسطُ معانيها السعيُ الحثيث لاغتيال الذاكرة رعباً من الحقيقة الزاعقة في الأعماق.

غير أنّ الخطورة الكبرى لا تندسّ في القوانين وحدها، قدرما تشرَّعُ أبوابُها في الممارسات والأنهج التي تسلكها الحكومات الصهيونية لتجريدنا من أنفسنا.

واضحةً تجلّت عبر عقودٍ محاولاتُهم لبتر الفلسطينيّ من جسده الحقيقيّ، ولتفريغه من هويّته وتجريده من وعيه وانتمائه وفكره، كي يكون "مواطناً صالحاً" في دولةٍ "يهوديّةٍ ديمقراطيّة"، وشفّافةً بدت كلّ المحاولات المستميتة لتشويه ثقافتنا وأسرلة فكرنا ورؤانا وإذلال آفاقنا وقمعها، فعلى مدى ستة عقود وأكثر لم تترك الحكومات بما فيها "اليسارية" ، طريقاً لطمس الحقائق وتشويه المعالم والاحتيال على الذاكرة إلا وسلكته، ليس عبر قوانينها العنصرية فحسبُ، إنما عبر مشاريعها السائرة في أكثر من تيارٍ ومجال ، سواءٌ في المناهج الخطيرة التي يدرسها أبناؤنا، أو في تزييف الوعي وصناعة قدوات ومُثُلٍ عليا لا تمتّ لثقافتنا الفلسطينية بارتباط، كما في مسخ اللغة  والتكريس لتفريغ الذّاكرة والالتفاف على الانتماء . فإذا أبناؤنا يدرسون مناهج تسعى في كلّ كلمةٍ كي ترسّخ للرواية الإسرائيليّة، وكي تعمّق الشروخَ والصّدوع في وعيهم لقضاياهم، بل وتمحو من هويّتهم كلَّ ما هو فلسطينيّ ، حتى يبيت من الطبيعي ألا يعي أحدهم أنّ تلك المدينة التطويرية المطوّقة لقريته، تضطجع فوق أرض جدّه المغتصبة مثلاً، وأن لا يرى البروة إلا أحيهود، والجاعونة إلا روش بينا، وسجرة إلا مكاناً للتنزّه.. وأن يمجّد قدواتٍ ما أوسع الهوة بينها وبين الانتماء الفلسطينيّ، ويخوّنَ شخصيّاتٍ لطالما كانت مخلصةً للقضية حدّ الموت.

وإذا كان قانونُ النكبة وما شابهه يفضح زيفَ ديمقراطيتهم المزعومة، ويسفر مسعاهم في كمّ الأفواه وسجن التعبير والحرية، وينضح برعبهم من تاريخهم ومن الذاكرة الفلسطينية ، وإن كان من الفظاعة أن تتبارى الحكوماتُ في بلوغها قمةَ التطرف والعنصرية، ما قد يكون سبباً مباشراً وفاعلاً في شرعنة التطرّف والإرهاب ضدّ الفلسطينيّ ، فإنّ لنا أن ننتبه أيضاً إلى كون هذه القوانين تحدياً  لأنفسنا ينبغي له أن يكون مرآة حقيقية شفافةً نعيد أمامها  حساباتنا مع أنفسنا ومع طرق النضال والتقويم، ولنفكّر بصدقٍ مع النفس: هل ثمة تناسبٌ بين مشاريعنا الوطنيّة في الداخل للحفاظ على الذاكرة والتشبّث بالهوية وبين ما تمارسه المؤسسة الإسرائيلية لبترنا من تاريخنا، وتفريغنا منه؟؟ وهل حقّاً ما نقوم به  كعلاج يناسب الفيروسات والالتهابات التي يسعون لنشرها في هويّتنا أم أنّنا نتشبّث بالمسكّنات علاجاً للسرطانات؟؟ وببساطةٍ:

 هل ترانا نسير في دربٍ لا يمكن أبداً أن يكون الطريقَ إلى غايتنا؟؟

فقد لاحظنا على مدى السنوات الأخيرة ميلاً لاختزال القضايا في أيامٍ ومناسباتٍ، وإن كان عارياً من الحقّ أن ننكر وجودَ بعض المساعي والمحاولات والمشاريع ، ولكن يمكن بوضوحٍ أن نؤكّد أنها لا ترقى للمستوى المطلوب ولا للكثافة والعمق الضّروريين. وإن كان قانون النكبة قد فرض القيودَ على الجانب الماديّ ، فهو لم يفرضها على الجانب الفكريّ قدرما تفرضها وبشكلٍ أخطر ، مشاريعُ الأسرلة التي تتأجّج حِماها فيما يدرسه أبناؤها في مدارسنا العربية .

 

إذن هل يمكن أن يكون تمجيد المناسبة في يومٍ ، مساهمةً في اغتيالها إن لم يكتمل بمشاريع وممارساتٍ يوميةٍ في شتى المجالات ترسّخ وتعمّق الهوية والانتماء لدى المجتمع؟؟؟  فليس من المنطقيّ أن نختزل النكبة والأرض والقضايا في يومٍ أو مسيرةٍ أو مظاهرة تتزاحم فيها الاستعراضات، وتتهابط أسقف الانتماءات بل وتتضايق رؤاها، يقف فيها البعض مزدهين بالكاميرات المحيطة أو الآذان المتلقفة لخطاباتٍ ما أكثر ما تكون كبالون هيليوم مضغوط..حتى لنغدو أمام منافساتٍ بين الجهات المشاركة، أو عرضٍ يتباهى فيه البعضُ بالسير في الصفوف الأمامية أو بخطابٍ يتلقّفه شبابٌ مهما شرع الآذان لقائده، فلا بدّ من التساؤل كم ذوّت مما قيل.. وليس أبسط دليلاً من توجيه سؤالٍ حول قضايانا وتعريفنا ونكبتنا لمجموعةٍ من الشباب والفتيان يعكس  نسبة من يعرفون الحقيقة ويؤمنون بها.

وهنا لا بدّ من  التوجّه للقيادات والمؤسسات والجمعيات الفاعلة في مشهدنا الثقافي والسياسيّ،  للتذكير بأنّ الأيام والمناسباتِ والمسيراتِ والمظاهرات هي جزءٌ لا بدّ منه ومن الحفاظ عليه، ولكنه ليس غير جزءٍ ضئيلٍ سيكون خطيراً إن  كان عارياً من خطواتٍ أعمق ومبتوراً من صيرورةٍ كاملة من تنظيم طرقٍ بديلة لترسيخ الوعي الجمعيّ وتعميق الانتماء عبر مشاريع يومية تخترق كلّ صفوف مجتمعنا ولا تحتكر فئاتٍ منه، وتنمّي لدى أجيالنا حصوناً منيعة ضدّ المناهج المرعبة بكمّ الزيف والكذب فيها، وضدّ الممارسات اليومية والمتغلغلة في جميع مناحي حياتنا، كيلا نبدو أقرب إلى خلع تاريخنا وتفريغ ذاكرتنا حقاً إن لم نعمّق ترسيخ الهوية الحقيقية بطرقٍ تحارب ما يتعرض له أبناؤنا من تشويهاتٍ رهيبة قد نكون مساهمين فيها بمجرد ألا يرقى مستوى الدفاع لمستوى الهجوم ، وبشكلٍ خاص على مقاعد الدراسة، أو عبر مواقع الإنترنت  الرائجة جداً، والمرسّخة للرواية المزيّفة وخصوصاً في بعض الفئات المجتمعيّة التي يكاد ينعدم فيها الحوار بين الأجيال فيكاد ينعدم دور الأهل في تكوين وعي الأبناء!

 ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 - كاتبة فلسطينية من الجليل

 

التعليقات