11/06/2011 - 15:43

المصيدة../ كميل خاطر*

عُلق حبل في السماء. لا أدري إن رُبط بغيمة.. اصطففنا نشاهد الفيلم. تسمرت أعيننا بالأشياء التي تحوم عند الخندق ومشاعرنا انتحرت بحبل السماء. كنا نموت عندما ينده طفل، لست واثقا أنه طفل.. الأطفال لا يقنصون. ربما أقول: كنا نموت عندما ينده الشيء من عند المصيدة، صوته يشبه صوت الأطفال، ودمه أحمر كما كان لون دمنا

المصيدة../ كميل خاطر*
المصيدة التي صنعها الاحتلال على مشارف مجدل شمس لصيد الفلسطينيين
 
قناص يصطاد على المصيدة أشياء تشبه الأجساد. تطلق آهات وتُكبّر. يسقط شيء شهيدا، شيء لم يكن مسلحا سوى بأشياء قليلة، صدى وشوشة متسلط يملك الدعاية والمال، قال: من هنا فلسطين، ومن هنا الجولان  -ومنذ خمسة وأربعين عاما لم يقل كذلك- وصدى صديق، أم وأخت لم أفهم ماذا قالوا. شيء يؤمن بالحرية، وأحيانا يملك راية ترمز لكل أولئك الذين سقطوا منذ عقود. أراد أن يتناول الشيء وجبة الغداء، وكأنه يأكل كما نحن.. كأنه إنسان، لكن بعد حين كان طعامه لا يشبه طعامنا، لربما هذا الشيء ليس إنسانا، أو ربما أنا لست إنسانا.
 
ربما كنت أحلم، أو أشاهد أفلاما تتجاوز حدود مشاعري، وقدرة آفاق خيالي حتى تتجاوز معرفتي عن الهوليوود وصناعتها للأفلام. سألت الشيء حين نظرت لعينيه، فأجابني إنه فيلم من صناعة اللحظة، وعندما سألته عما يستغل اللحظة، سقطت دمعة من وجدانه. تأوه، ثم صرخت ذاكرته من شعارات كانت، وحدق مرتين، مرة باتجاه القناصين المشرفين على المصيدة، وأخرى إلى حيث تخمنون الآن.
 
أراد أن يتناول وجبة الغداء. بحث عن مفتاح ليفتح معلبات الطغاة والساديين، وبحث عن سكين مطبخ، فوجد حجرين. تناول طعامه مغمسا بالظلم والدم.
أما أنا بكيت، ومن ثم بكيت.
 
ركب الشيء تابوتا. زغردت حرات المكان، وتملق فرسان الأخبار، ووضعوا مالا في صندوق يملأه الحرام، ويتكدس به بدل أسماء رحلت. أحقا رحلت؟
 
ركب تابوتا، وحين وصل عائدا إلى حيث انطلق ورفاقه باكرا لم يجد الوجوه التي استأجرت لهم الحافلات، وما رآها حين وقف على المصيدة. كانوا يلهون في مدينة قريبة من المخيم. نظرت إليه مرة أخرى، فقال: إنهم ماتوا في ضميرنا وفي التاريخ.
 
التفت إلى عيون أمهات رفاقه فعرف أن رفاقه يلازموه اللحظة كما لازموه باكرا. عرف أنه ورفاقه يكتبون بدمائهم الفصل الأخير من كذبة اللا حرب واللا سلم. عرف أنهم رموا سهام الكرامة نحو مصالح هذا النظام وتلك السلطة.
 
كنت أشاهده حينها، وحين سقط رأيته. وتراهنا أنا وصديقي إن كان قد مات أو لم يمت. قلت لصديقي إنه مات. أجاب لم يمت. ألم ترَ أن سقوطه كان كما دمية تسقط بشكل عبثي دون قرار لسقوطها؟ قال صديقي إنهم يرمون بأجسادهم حتى لا يصطادهم ذاك الطاغية الذي كان يقف أمامنا. عمّ المكان صمت، وكسر ذلك الصمتَ كلماتٌ تعودنا منذ الصباح، منذ أن أتوا أولئك الأشياء التي تنطلق كما وأنها تود احتضان الله، أو احتضان أم رحلت، أو معشوقة قسّمت الخنادق والمصالح والكذب أجزاءها.
 
كلمات تعودنا منذ الصباح سماعها حين يسقط الشيء ويوضع على حمالة لونها برتقاليا، ومن بعدها يركب التابوت ويرحل، يركب التابوت ويرحل.
 
عُلق حبل في السماء. لا أدري إن رُبط بغيمة.. اصطففنا نشاهد الفيلم. تسمرت أعيننا بالأشياء التي تحوم عند الخندق ومشاعرنا انتحرت بحبل السماء. كنا نموت عندما ينده طفل، لست واثقا أنه طفل.. الأطفال لا يقنصون. ربما أقول: كنا نموت عندما ينده الشيء من عند المصيدة، صوته يشبه صوت الأطفال، ودمه أحمر كما كان لون دمنا.

التعليقات