22/04/2012 - 00:34

حضن مجاني / محمد الشيخ يوسف

الحب، السلام، الطمأنينة، الراحة، كلّها مشاعر انسانية بحتة، لا يمكن أن تجمع وتوضع في صندوق وتقدم إلى شخصٍ ما، أو أن تلفّها في ضمةٍ واحدة كما لو أنها مجموعة من الورود وتقدمها إلى أحدهم، لكن هل فكرت يومًا أن تكون أنت هذه الضمة؟

حضن مجاني / محمد الشيخ يوسف

 

الحب، السلام، الطمأنينة، الراحة، كلّها مشاعر انسانية بحتة، لا يمكن أن تجمع وتوضع في صندوق وتقدم إلى شخصٍ ما، أو أن تلفّها في ضمةٍ واحدة كما لو أنها مجموعة من الورود وتقدمها إلى أحدهم، لكن هل فكرت يومًا أن تكون أنت هذه الضمة؟

الضمة، من الضم، والضم هو العناق، والعناق هو أن تقول لأحدهم إنك تحبه، ببساطة، أنت تحبه دون أي أسباب أو اعتبارات، تحبه وأنت متجرد من أي نرجسية، كما تتجرد الورود من أسمائها، وتبقى ضمة ورودٍ بكامل أناقتها وعبيرها وتجليها وبهجتها المتناسقة مهما اختلفت أجناسها وألوانها وأصول منبتها!

كلما شعرنا بفرحةٍ أو حزنٍ نركض لنضم ما لا يضمنا، ربما نقضي ليلةً كاملةً في ضمّ وسادةٍ لن تعاملنا الحضن بالحضن، وأحيانًا نضم رواتبنا، خصوصًا الأولى منها، ولكن لن تضمنا حزمة النقود لتعبّر عن الفرحة ذاتها، هي عادة البشر نضم الجماد وننسى أن كل ما نحمل في صندوقنا الروحي يمكن أن نضعه بين أذرع إنسان يمكن أن يشاركنا ما في الصندوق، سواء كان جميلاً أو مبللاً بالبكاء والحزن !

إذًا هو «الحضن»، «الاحتضان»، «العناق»، «الضم»، لا يهم ماذا يمكن أن نسميه، لا يهم، فهو سيبقى ذاته السلوك الانساني الوحيد الذي نشعر فيه أن اثنين، ثلاثة، عشرة، أصبحوا واحدًا، حين يمكن لقلوبنا أن تسمع قلوب غيرنا على مسافة حضنٍ واحد، أليس من حق القلوب أن تسلم على بعضها أيضًا؟

حضن مجاني

ماذا لو كان هناك يوم الحضن المجاني في الشوارع العامة والأزقة والقرى، في المدارس والجامعات والجوامع، المؤسسات، البلديات، الوزارات، السجون، المفترقات، المقاهي، المطاعم، المحلات، المستشفيات، البنوك !

الجميع يحضنون بعضهم، الغني الذي جاء إلى البنك ليودع آلاف الدولارات يحضن الذي جاء ليقترض العشرات، المارة يحضنون الشحاذين، والطبيب يقفز ويحتضن المريض - دون إضافة للكسور طبعًا-، الأستاذ يركض على السلالم ويأخذ حضنًا جماعيًّا مع تلاميذه، شرطي المرور يوقف السيارة للحضن وليس المخالفة، الإمام يلتفت من صلاته ويحتضن المصلين، السجان يفتح أبواب السجن وبدلاً من أن يسكب إناء ماء بارد على جسد السجين، يسكب عليه حضنًا دافئًا، وصاحب الكرش الكبير يقف عن مائدته ويحتضن النادل، الأبيض يحضن الأسود ولن يصبح أحدهما رماديًّا، بل سيبقيان جميلين بلونيهما، وحين يحضن المسلم المسيحي سيعرفان أن شكل الإيمان واحد، وأن الرب المستوي في قلبيهما واحد، والأب الذي رفع يداه ليلطم ابنه يرفعهما ليعانقه عناقًا أحر من الصفعة التي سبقت عناقه، وقد أكون حالمًا جدًّا وأسأل ماذا لو دارت معركة أحضانٍ بين الجنود هنا والجنود هناك؟ هل سيخرج أحدهم خاسرًا؟ هكذا سنعود للمربع الأول في إنسانيتنا، هكذا نستحق أن نكون من جنس البشر !

عندما لا تكون قادرًا على أن تقول لأحدهم إنك تحبه، فقط قدم له حضنًا كبيرًا، دافئًا وعميقًا وصادقًا كفاية!

 

* كاتب من غزة.

التعليقات