18/05/2012 - 12:48

جلبنا نكبة عليكم / إياد برغوثي

شعرت بالغضب أول الأمر لكني ضحكت، فاستغرب ضحكتي، قلت له: لا داعي أن أكمل حديثي، ها هو اليمين يعترف بما كنت أحاول إثباته لك، إنهم يعترفون بالنكبة وبمسؤوليتكم عنها، نكتفي بهذا الإنجاز اليوم. سكت، وبهدوء اختفى من أمام ناظري.

جلبنا نكبة عليكم / إياد برغوثي


- إياد برغوثي -

لم اتوقع أن تكون عندي سعة صدر كافية لأناقش طالبًا جامعيًا إسرائيليًا حول النكبة في يوم ذكراها، وتحديدًا في الوقت الذي كنت انظر فيه إلى جموع الطلاب اليمينيين الفاشيين يلوّحون بالأعلام الإسرائيلية، من خلف الجدران الحديدية الفاصلة، يشتمون ويصرخون وينفخون بالأبواق المزعجة لمشجعي ألعاب كرة القدم وينشدون "هتكفا" ويرفعون مكبرات الصوت بأناشيد صهيونية، يفعلون كلّ ما بوسع عنصريتهم ليسكتوا الصوت المهيب للنكبة وذاكريها وذاكراتها، وليفشلوا فعالية إحياء ذكراها في جامعة تل أبيب، على أرض الشيخ مونس. 

لم اتوقع، في هذا الظرف وهذه الأجواء، أنّه يمكنني أن اتحمّل ادعاءات هذا الطالب وأسئلته الاستنكارية التي تميّز اليسار الصهيونيّ، مثل: "لم تكن هناك دولة فلسطينية في التاريخ"، "أنتم هاجمتمونا ثم خسرتم الحرب رغم أننا كنا قلائل!"، "العرب هربوا!". في هذه النقاشات أفضّل الأجوبة القصيرة والحاسمة. 

بينما كنت أجيبه أنّ فلسطين كانت جزءًا من بلاد الشام والمشرق العربي وأنّه لم تكن هناك أيضًا دولة لبنانية أو سورية خلال الفترة العثمانية، وأنّ الدول أصلا ظاهرة حديثة، وأنّ حيفا ويافا وقراها هجرت قبل 15.5 أي قبل سماح الإنجليز دخول جيش الإنقاذ، وأنّ القوات اليهوديّة العسكريّة وعصاباتها كانت منظّمة ومدرّبة ومسلحة وأكثر عددًا وعتادًا بكثير من المتطوعين العرب، وأنّ الناس هجّرت بالقوة ومن ترك بيته في ظروف حرب ترتكب فيها جرائم ليس هاربًا بل لاجئًا يحمي حياة أسرته وليعود إليه لاحقًا.

بينما كنت أجيبه عن كل هذا بسرعة، أخذ الفاشيون ينشدون سعيدين "جلبنا نكبة عليكم" على لحن نشيد عبري "جلبنا السلام عليكم"، كانوا يغنون ويقفزون في أماكنهم منتشين بالجريمة. 

شعرت بالغضب أول الأمر لكني ضحكت، فاستغرب ضحكتي، قلت له: لا داعي أن أكمل حديثي، ها هو اليمين يعترف بما كنت أحاول إثباته لك، إنهم يعترفون بالنكبة وبمسؤوليتكم عنها، نكتفي بهذا الإنجاز اليوم. سكت، وبهدوء اختفى من أمام ناظري.

التعليقات